يا أمة نهلت من وردها الأمم

رقيه القضاة

لست مع دعاة التثبيط ولا المتشائمين ،ولا ارضي لنفسي ان اقلل من شان أمتي ،وأبناء ديني وشركاء مصيري ،ولا أصيخ السمع لتلك القصائد الرنانة، والمقولات الطنانة ،التي توحي للسامع والقارئ والمتابع، إن الأمة ما زالت تعيش عهد الرعاء، وعهد الجاهلية، وحقبة الشرك، كلا وألف كلا ، فقلبي يحسن الظن بالأمة، وأنفاس الحياة التي تتردد في جنبات البقاع الإسلامية، تنبئ باليقظة القادمة ،والمشروع النهضوي القائم ،الماضي قدما لتحرير الإنسان والبلدان ،يوحي لي بقرب الفرج والنصر والتمكين ، والدماء الزكية ،التي تنساب ريا طاهرا للتراب الإسلامي، والأوردة الساكبة لماء الحياة الكريمة، والسواعد التي تعمر وتغرس وتبني وتجاهد ،والجامعات التي تزدحم بطلاب العلم بكل أنواعه ،وكليات الشريعة ومعاهد العلم الشرعي ،التي إن دلت على شيء، فإنما تدل على تمسك الأمة بمصدر عزتها ، وسر وجودها، وأصالة منهجها، والدعاة المخلصون الذين اتخذوا من الإخلاص  والوسطية والاعتدال والمعرفة الواعية بتغير الزمان وحاجة الناس إلى التجديد والانفتاح المدرك لما يحيط بنا من سلبيات المعطيات المعاصرة وإيجابياتها وغير ذلك كثير من شواهد النهضة وعلامات الحياة.

ولست من السذاجة بحيث أنكر إن الأمة تمر بمرحلة مخاض صعبة، ووقائع غربلة ممحصة ،ومحن وكربات عصيبة ،ولكن التاريخ يبين لمستقرئيه ،إن سنة الله في خلقه التمحيص،وسنة الله في الأمم التبدل ،وتقلب الأحوال ،وسنة الله في العواقب أن [ العاقبة للمتقين] ، وأن البقاء للأصلح ، وأن  الأرض إرث لعباد الله الصالحين[إن الأرض يرثها عبادي الصالحون].

ولأننا امة يقوم للدين في نفوس أبناءها وازع ودافع ومحرض ومشرع، فإن الخير فيها باق دائم ،ولو كثر فيها المخالفون والمستغربون والمستشرقون ،وأصحاب البدع والأهواء،والمستخفون بقيمها، والجاهلون بقيمتها وحضورها الأممي، وحضارتها الإنسانية، وبنيتها العقائدية ،التي تقوم على الدين الخالص لله ،وهذا المقوم الحضاري  ،هو ما تفتقر إليه باقي الحضارات والمدارس الفكرية، التي قامت قبلنا أوولدت بعدنا ، وهو العنصر الوحيد والمتميز، الذي جعل لنا بعد كل كبوة نهضة، وبعد كل غفلة انتباهه، وبعد كل اضمحلال وانحسار تأثيري  ولادة واخضرارا ،وألقا وحضورا، و بعد كل غيبة وغربة فكرية أوبة ، فنحن الأمة التي بقيت عصية على الزوال عقيدة ومنهجا، وحضارة وقيما، وتأثيرا وتميزا بفضل الله.

وعليه والحالة هذه، فإن الأمة المجعولة شاهدة على الناس كافة ،مطالبة دون تخيير، بإقامة مااعوج من مسارها، وما تعثر من مسيرتها ،وما اندثر من معالم طريقها، الذي بغيره لن تصل إلى هدفها المنشود ، وهو الأخذ بيد الأمم والشعوب، إلى شاطئ النجاة الوحيد المتمثل بالإيمان بالله، واتباع شرعه ،وفق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،بين بنيها والدعوة إلى الإسلام عقيدة ومنهجا وفكرا وأخوة وشراكة بناء وحضارة وابداع بينها وبين سائر الأمم دون محاولة منها لإلغاء الآخر وتهميشه  ودون تفريط كذلك بثوابتها وميزاتها الاستخلافية الربانية.

أيتها الأمة التي نفخر بالانتساب إليها ،ولا يسرنا أن لنا بذلك ملك الأرض وما عليها،لقد أخطأ غاية الخطأ ،  من قال إن الأمم تضحك من جهلك ،بل كلها تناحر على وردك، ونهل من معينك المعطاء ،وورد بحار علمك وسعى لإدعاء فضلك  ،وأنت أنت امة محمد صلى الله عليه وسلم ،وأمة الرسالة والكتاب،تمسكين به ،وتقبضين على جمر الثبات، وتجالدين أهل الضلالة والإدعاء، وتجودين دون ممنة بسبل الهداية ، والدعوة الدائبة للبشرية المنكوبة، بفقد القيم وضحالة التبصر ،وتعيدين إلى الإنسان قيمته كمخلوق مكرم على سائر المخلوقات، مخصوص بالرفعة والاعتبار، والتسخير الكامل لكل خيرات الكون له .

نعم نحن أخطأنا حين اعتقدنا إن المرحلة التاريخية المشرقة للأمة قد انقضت،او توقفت عند جيل معين ،أو عصر مضى ،ولم نستمر في المسيرة الملهمة لمن سبقنا ،واكتفينا بما أنجزته تلك العصور الذهبية، حتى أفقنا على ركب الإبداع والتقدم والعلم الحديث وقد تعدانا، ولكن الأصوات الواعية أبدا لم تنقطع عن التذكير باهمية متابعة الركب ، بل والهيمنة بكل جدارة واقتدار على مساره ،ووضعه في إطار المصلحة الانسانية النابعة من دين الله

وبكل تاكيد نحن جانبنا الصواب حين عطلنا الإجتهاد احيانا، وحبسنا سعة الدين في ضيق صدورنا ،وكدنا نجعل البحث في مسائل الحياة والدين مقصورا على فئة بعينها ،ولكن باب الإجتهاد سرعان ما فتح على مصراعيه لكل من هو اهل له

 وحين عطلنا طاقة المراة المسلمة في بعض الأحيان ،واعتبرناها شيء  اوعنصر محدد الصلاحيات والفاعلية والتاثير،  مما اخر اداءها الإيجابي قرونا طويلة، وفتح المجال امام الآخر ليدخل مساحة أمنياتها بسراب الحرية الخادع،ويشكل أفكارها وفق منظومته المغلوطة، ويوجه سخطها إلى أمتها، وأحيانا كثيرة الى قيمها، وفي حالات جهلية إلى دينها ،ولكن الدعاة المدركين، وحملة الفكر النير، لم يالوا جهدا في تغيير هذا الواقع المهمش للمراة ،إلى حالة إبداعية بدات تؤتي ثمارها في صورة المراة المسلمة الفاعلة المؤثرة في مصير وواقع امتها.

وإذا صرفت ابصارنا تجاه قيامنا على نشر دين الله في الارض على اوسع نطاق، وجدنا اننا قصرنا في هذه النقطة غاية التقصير، ففي كل بقاع الارض إخوة لنا لم تبلغهم كافة احكام الشرع، ولم تبذل في سبيل ذلك الجهود المفروضة، فكيف نطلب النتائج المرجوة ن

ومع كل هذا الإعتراف بالتقصير، ومع كل هذا الكم من السلبيات ،وغيرها كثير إلا انني اعود فأقول إن الأمل في هذه الامة إن شاء الله باق ما بقيت السماوات والارض ،وانها خير أمة اخرجت للناس، وانها الامة الوحيدة ،التي تحمل الدستور الصالح للبشرية ،والمشعل المنير لليل الإنسانية الحالك، والعدل المطلق للذين ينتظرون نسائم الرحمة والحرية والكرامة الإنسانية .

فياأيها السائل عن أمتي ،هي التوحيد الخالص لله،وهي العلم الذي بنيت على أصوله الحضارة الجديدة ،وهي حاملة الكنز الإلهي والنور السماوي والنهج المحمدي ،وهي امة قال فيها الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم [الخير في وفي امتي إلى يوم القيامة] فهل بعد قوله مقولة؟ فياايها الخائفون على هذه الأمة من الزوال، نحن امة عصية على الزوال، وياأيها اليائسون من عودة الامة إلى الصدارة ،استقرؤا سنن الله في الكون ،واعلموا بان آية  عودتنا الى الاستاذية العالمية هي هذه العودة الظاهرة في امة القرآن الى القرآن  وآفاقه الرحبة ،والتماسها السعادة والتمكين والخيرية والتميز في ظلال الاسلام الوارفة، وفي ابتغاءها النصر بالأخذ باسبابه، واولها نصرة الله ورسوله، والمستضعفين من أهل الملة، وثانيها السعي الواضح من قبل تلك النخبة القائمة على امر الله وهي تؤصل لمشروع الامة الواحدة الحضاري والإنساني النهضوي الرائد ،المنبثق من رؤية شرعية اصيلة مستندة إلى الوعد الرباني الصادق[وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا] وإنها لبشارة لأمة تنكبت جادة الطريق ،لبعض الزمان، ولكنها ابدا لم تركع لغير الله، ولم تدين غير الله ربا، ولم تخلو على مر الايام من الفئة الناصحة الواعظة المؤملة،وظلت على الدوام المنهل العذب لكل وارد على نهر الفضيلة، وكل ظاميء إلى ورد الحق والعدل واانسانية الحضارة والإنسان، وبوركت ياامة نهلت من وردها الامم.