غربة داخل الوطن

معاذ عبد الرحمن الدرويش

معاذ عبد الرحمن الدرويش

[email protected]

هناك إحصائية تقول أن عدد المواطنين السوريين المقيمين خارج سوريا أكبر من الذين يقيمون في داخلها

طبعاً هذه الإحصائية لا تشمل المهجرين بسبب الثورة ،و إنما قبلها.

أي مواطن في سوريا يظن أن كل الذي ينقصه "شوية مصاري" لكل يغدو أسعد إنسان في العالم.

لكنه إذا ما حالفه الحظ و حصل على جواز سفر، و من ثم حظي بفيزا عمل خارج سوريا،و أصبح دخله السنوي يعادل عشرة أضعاف دخله الوطني على الأقل، يكتشف عندها أن المال هو أتفه الأشياء التي كانت يفتقدها في حياته في سوريا.

من أجل ذلك فإن أي مواطن سوري يعيش خارج سوريا الأسد لا يفكر – البتة – بالعودة إلى سوريا، لأن الغربة التي يعانيها في بلده سوريا أكبر بكثير من الغربة التي يعيشها و هو بعيد عنها، فالمواطن السوري لمجرد خروجه عن سقف سوريا الأسد أول ما يكتشف أنه إنسان.

من أجل ذلك و مع انطلاق أول صيحة الشعب يريد إسقاط النظام،انتفض السوريون - في كل مغتربات العالم – من غفوتهم و شمروا عن سواعدهم و دفعوا الغالي و النفيس في سبيل استعادة وطنهم المسلوب.

و شكلوا تنسيقيات بالخارج بالتوازي مع تنسيقيات الداخل.

و هم يدركون أن الثورة لا يمكن ان تستمر إلا بشقين ،الرجال و المال ،و اعتبروا أنفسهم مسؤولون مسؤولية كاملة عن الشق الثاني  ، وهناك من الشباب من  تخطت شجاعته كفة العقل فحملته إلى سوريا الحبيبة ليرويها بدمه الطاهر الظمآن لترابها.

و تدفقت ملايين الدولارات لدعم الثورة ، لكن كان لهذا الدعم الكبير سلبيتين :

-         السلبية الأولى أن هذه الأموال وصلت للمخلص للثورة و للمتسلق على حد سواء مما أفسد جزءاً منها.

-         السلبية الثانية أن تدفق العملة الصعبة إلى داخل سوريا كان له دور كبير في سند الليرة السورية و حماها من السقوط رغم توقف اقتصاد البلد توقف شبه تام.

و لم يضر بسمعة المغتربين  سوى بعض المتسلقين السياسيين و الذين نصبوا أنفسهم واجهة ثورية و هم لم يقدموا سوى حياة البذخ و الكذب و الدجل فيما كان الوطن يموت نزفاً و جوعاً و تشرداً و ألماً.

و كان للمغتربين السوريين دوراً مهماً في رفد الثورة بالفكر المنظم، ليس انتقاصا ًبفكر أبطال الداخل ، لكن من يعيش خارج دائرة سوريا الأسد يرى كيف تسير كل مناهج الحياة بشكل منهجي منظم و ضمن برامج زمنية محددة و مدروسة على عكس سوريا الأسد التي تعيش بغوغائية ما قبل الإنسانية.