حصّة التربية
جميل السلحوت
معروف أن لكل صفّ دراسيّ حصّة تربية تُعطى لواحد من معلمي الصّف، والنتائج المنظورة للجميع هو أنّ مربّي الصّف يعدّ شهادات ذلك الصّف، ويعفي نفسه من أيّ دور آخر، وبعض المعلمين يرى في حصّة التربية عبئا لا يقوى على حمله، لأنه لا يعرف كيف يشغلها، وأكثريّة المعلمين يحوّلونها الى المادّة التي يدرّسونها للصّف، وكأنّهم في سباق مع الأيّام لإنهاء المنهاج المقرّر سواء فهم الطلاب أم لم يفهموا، لكنّ حصّة التربية لم توضع من أجل هذا...وعلينا أن ننتبه لاسمها، وهو"حصّة تربية" وليس"حصّة تعليم" ولنتذكر بأن اسم الوزارة المشرفة على التعليم هو"وزارة التربية والتعليم" أيّ أن التربية تسبق التعليم. وللمدرسة دور كبير في بلورة وترسيخ المفاهيم التربويّة إن أحسنّا التربية.
فحصّة التربية هي مجال مفتوح للمعلم للاطلاع على المشاكل التي يعاني منها الطلاب بشكل فردي أو جماعيّ، وقد تكون هناك مشكلة لطالب مع أحد المعلمين، وأنّ الطالب يشعر بظلم يلحق به من معلم، فعلى المربّي أن يستمع للطالب بانتباه وهدوء، فإن كان مظلوما فعلى المربّي أن ينصقه وأن يعمل لرفع الظلم عنه، وإن كان الطالب مخطئا في فهمه فعلى المربّي أن يصحّحه بهدوء، ومن خلال حصّة التربية يمكن للمعلم أن يكتشف مواهب طلابه، وعليه أن يسألهم مباشرة عن مواهبهم، وأن يوجّههم الوجهة الصحيحة لتنمية هذه المواهب، وأذكر أنه في إحدى حصص التربية أثناء ممارستي مهنة التدريس في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس، أن سألت الطلاب عن مواهبهم، فأجابني أحدهم بأنه يهوى الغناء، فأوقفته أمام الطلبة وطلبت منه أن يسمعنا شيئا من غنائه، فأسمعنا أغنية شعبية بدايتها موّال، وكان صوته عذبا، وفي الأغنية صفّق الطلاب وردّدوا لازمة الأغنية معه، فهرع مدير المدرسة في حينه الأستاذ والمربي راتب الرّابي، وتمشّى قرب نوافذ الصّف يستطلع الأمر، وبعد انتهاء الحصّة وكانت الأخيرة، سألني عن سبب الغناء في الصّف، فشرحت له الموضوع فاستحسنه وأعجب به، مؤكدا أنه لم يمرّ بهذه التجربة في سنوات عمره التي قضاها في التعليم، والتي كانت تزيد على سنوات عمري في حينه. والمهم في هذا الحدث أنّني وجهت الطالب المذكور بأن يذهب الى مركز القدس للموسيقى ليتعلم الغناء على أصوله، وليتعلم العزف على بعض الآلات الموسيقية.
كما اكتشفت مواهب الطلبة الابداعية ومنها موهبة طالب في الرسم والتخطيط، ووجهته الى مركز الواسطي لتنمية موهبته، وقد أكمل دراسته في كلية الفنون في إحدى الجامعات الايطالية وحصل على شهادة الأستاذية"الدكتوراة" في الفنون، وهو الآن يدرّس الفنون في إحدى جامعاتنا المحلية. كما اكتشفت طلابا يكتبون القصّة القصيرة.
كما أنّ المدرّسات والمدرّسين مطالبون بتوضيح مرحلة البلوغ للطالبات وللطلاب وما يصاحبها من تغيّرات بيولوجيّة وفسيولوجيّة على جسم البالغ، وما يتبعها من مرحلة المراهقة، وكيفية التعامل مع هذه المرحلة العمرية.
ولكي نكون منصفين فإن المعلم قد يكون مربّيا لصف لا مواهب ابداعية فيه، ولا مشاكل تتعلق بالدراسة عند أيّ من طلابه، فكيف سيشغل المدرّس حصّة التربية؟ والجواب هو أن لا يشغلها بتدريس أيّ من مواد المنهاج، فهناك مشاكل أخرى عامّة تشغل بال الطلاب وتأخذ وقتا من تفكيرهم، وهي كثيرة جدا ومتجدّدة باستمرار مثل اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى، والأزمة السورية وتهديد أمريكا بتدمير سوريا، وثورة الشعب المصري، ومحاولات تأجيج الصّراع الطائفي في المنطقة وغيرها.
ولا يفوتنا هنا أن من فوائد حصّة التربية-اذا ما أحسن المعلم استغلالها- أنّها تكسر الحاجز الروتيني بين المعلم المربّي وتلاميذه، ويكسب ثقتهم من خلالها، وبالتالي فانهم يكونون صادقين معه في كل الأحوال، وهذا ينعكس إيجابا على تحصيلهم العلمي.
ويبقى السّؤال وهو: هل يجري اعداد المعلمين لكيفية اشغال حصّة التربية، أمْ أن فاقد الشيء لا يعطيه؟