أوباما ( بطل العجز الملحمي ) للروس والإيرانيين
تنازلوا عن بشار الأسد وخذوا سورية بأهلها
زهير سالم*
تلوح في الأفق السياسي ملامح صفقة أمريكية – إيرانية على غرار الصفقة الأمريكية - الروسية . صفقة تخفف الحرج الإنساني عن الرئيس الأمريكي ، وتدفع عنه النقد اللاذع الذي يتعرض له ، والذي غدا في ضعفه وتردده موضع نقد وتندر الكثير من الأمريكيين أنفسهم .
هذا النقد الذي يقترن بادعاء الأستاذية ولا يخلو من هزؤ وتقريع ؛ لم يعد وقفا على السناتور جون ماكين وبعض المشاغبين في الكونغرس الأمريكي ، بل تعدى إلى وزراء سابقين من طبقة : هنرى كيسنجر وزير الخارجية العتيق ، ورامسفيلد وبانيتا وروبرت غيتس وزراء الدفاع المتعاقبين ، وبريجنسكي مستشار الأمن القومي ، وكان قد سبق إلى هذا الانتقاد من قبل الرئيس كلينتون الذي قال ( لا ينبغي لرئيس الولايات المتحدة أن تقوده استطلاعات الرأي ) . وينخرط في هذا النقد للرئيس الذي أصبح هزُؤة المستهزئين صحفيون بطريقة أكثر لسعا وحدة ؛ فهذا ( تشارلز كروثمر ) من كتاب الواشنطن بوست يصف أوباما ( ببطل العجز الملحمي ) وهذا ( مارك ثيسن ) من الصحيفة نفسها يطلق على فترة رئاسته ( الأضعف في التاريخ الأمريكي إلى حد بعيد ) ، ويقول فيه ( روث ماركوس ) ( الرئيس الذي لا يخشى منه أحد ) .
لا غرو أن ( مستعصم الولايات المتحدة ) أو ( هملتها ) يبحث عن مخرج من ضعفه وتردده وخوفه . يبحث عمن يحمل عنه هم الرئاسة بأي سبيل ، وربما هو يرى في ولاية واشنطن رحما دافئا يقيه بقية فترته الرئاسية ، فالخوف من البرد خارجها يقلقه ويضنيه ومن هنا فقد سارع إلى تلقف حبل لافروف في المبادرة الروسية رغم أن وزير خارجيته توقف فيه بل بادر إلى رفضه وهو اليوم معجب بلعق عسل حديث حسن روحاني .
ومن جهة أخرى فإن إيران المرهقة عسكريا في ورطتها في سورية حيث استقال بشار الأسد وترك لسليماني إدارة الحرب في مواجهة الشعب السوري وتحمل نفقاتها وأعبائها . ومرهقة اقتصاديا بفعل سياسات الحصار الغربية المفروضة عليها منذ زمن طويل . ومرهقة سياسيا داخليا وخارجيا بفعل سياسات المحافظين التي كان يقودها خمنئي وينفذها أحمدي نجاد باتت هي الأخرى تبحث عن مخرج ولو بتنازلات صلفة على الطريقة السورية نفسها .
يعلن حسن روحاني عن عنوان مغرٍ لمرحلته الرئاسية ( اللقاءات البناءة ) وينادي على قادة العالم أن يستغلوا فرصة وجوده رئيسا في إيران . ويعد الجميع بسياسات تصالحية . ويتطلع إلى دور كما يزعم لإجراء مصالحة ( بين النظام والمعارضة ) في سورية ، ويكرر أنه ليس متوقفا عند بقاء بشار الأسد شخصيا وأنه مستعد لقبول أي رئيس يتوافق عليه السوريون. ( ورغم أن العبارة مكرورة ) عند الساسة الروس والإيرانيين من قبل إلا أن الأمريكيين أرادوا أن يجعلوا لها طنينا سياسيا خاصا ..
يبادر الرئيس أوباما إلى التجاوب مع الغزل ( الروحاني ) ، فيرد مرحبا ومشجعا على رسائل روحاني . ويقدم عروضا مغرية لإيران لتتخلى عن مشروعها النووي ، فيزيده الإيرانيون تطمينا بتكرار الإعلان عن فتواهم : إنهم لأسباب عقائدية يرفضون امتلاك السلاح النووية !! لا يريد أوباما أن يسأل نفسه ( أين كانت هذه العقائد عندما استخدموا السلاح الكيماوي ضد أطفال الغوطة ؟! ) . يقول المتابعون إن تكرار الإعلان عن هذه الفتوى كان بطلب من أوباما نفسه . أوباما الذي سبق أن حذر الإيرانيين ألا يقيسوا أنفسهم على بشار الأسد ، وألا يقيسوا اهتمام الولايات المتحدة بأمن الإسرائيليين على اهتمامها بأمن السوريين ؛ ومع ذلك فهو يسارع إلى عقد صفقة مع حسن روحاني على حساب الشعب السوري :
يتنازل روحاني في ملف إيران النووي ، يقبل روحاني ويسارع إلى تطمين الإيرانيين التنازل في ( اللغة الدبلوماسية ) ليس تنازلا . إنه تنازل لفظي يتفق عليه الطرفان كلٌ إرضاء لغروره القومي . يطلب روحاني من الحرس الثوري أن يستمع ويصمت فالمهمة أكبر منه . ( لا تتحدثوا في السياسة ) يقولها روحاني ويؤيده خمنئي لتمضي الصفقة مع الولايات المتحدة إلى مداها ...
يتابع أوباما العرض في سورية تتنازل إيران عن ( شخص بشار الأسد ) فقط من منظومة الحكم في سورية . ويتم التوصل إلى اتفاق في سورية تبقى فيه الهيمنة الإيرانية ، ويبقى فيه تسلط الأقلية الذي يتحول على لسان أوباما إلى أقليات . ولا يكون فيه للأكثرية في سورية يسميهم أوباما ( المتطرفين ) ( اليد الطولى ) حسب تعبير أوباما نفسه ، بل تبقى فيه اليد الطولى للأقليات . الصفقة الأمريكية للروس والإيرانيين تنازلوا عن بشار الأسد وخذوا سورية وشعبها ..
ألا ليت قومي يعلمون ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية