العراق الجديد
من عصر الحضارة إلى عصر الوحشية
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
عندما تبلغ نسبة الأميين والجهلة في دولة ما زهاء الثمانية مليون فرد معظمهم من الشباب والأطفال، فمن الطبيعي أن لا يطلق على هذا الشعب صفة متحضر، بصرف النظر عن قدم حضارته في سابق الأزمان، وإن كانت له حضارة قديمة بل أقدم الحضارات في العالم وأعظمها، فهذا يزيد من شدة الطعن فيه، لأنه يعني إنحداره من القمة إلى حضيض الوحل.
من الصعب تصور هذه الحالة الفريدة في الشعب العراقي، لأن سنة الحياة هي التطور وديدن الشعوب التقدم للأمام، بغض النظر عن سرعة أو بطء الخطوات، لكنها تتقدم وهذا هو المهم..
ولو نظرنا إلى تأريخ الشعوب لوجدنا إن مستوى تقدمها يشبه ركض المتسابقين في ألعاب الساحة والميدان منهم من يجري بسرعة فائقة، وآخر بسرعة أقل وهكذا، والأسرع هو الفائز الذي يحصد الجوائز. حتى الشعوب الهمجية، في السابق، أخذت فرصتها في النهوض والتقدم أيضا، وهي تبذل كل ما في وسعها لنزع قناع التوحش والبربرية الذي لازمها لقرون خلت، لتأخذ طابع التمدن والتحضر. كل الشعوب تنهض وتتقدم إلا الشعب العراقي فخطواته إلى الخلف!
إن حاله أشبه ما يكون بعربة إنارتها الخلفية (الحضارة) قوية جدا وإنارتها الإمامية (وضعها الحالي) منعدمة. صحيح إنها يمكن أن تنبه وترشد بقية العجلات إلى وجودها، لكنها لا تستطيع أن تمضِ للأمام، وإذا مضت على هذا الحال فإنها ستضر نفسها وتضر الآخرين.
نعم، الكلام على شعبي موجع ولكن الجرح موجع أكثر، ونعم ان الحقيقة مرة، لكن الأوضاع الحالية في العراق هي الأمرّ.
ليس من السهل أن ترى شعبك يتوحش دون أن ترتسم على محياك كل معالم الغضب والغثيان والتقزز. عندما يتحول شعبك من الحضارة إلى البربرية، وعندما يطرد الأمية من الباب في زمن (الدكتاتورية) كما يزعمون، وترجع إليه من الشباك في زمن (الديمقراطية) فإنها كارثة حقيقية. وعندما تكون نتيجة الحكم (الإسلامي) إشاعة التخلف والجهل والمرض والإرهاب والفقر، فلا تحمل الغرب مسؤولية الهجوم على الإسلام مطلقا! وإنما حمِّل من ينقل لهم الصورة المعكوسة عن هذا الدين السمح الذي يُذبح بيد رجاله غير الأوفياء لربهم تعالى ونبيهم المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وشعوبهم المغلوبة على أمرها.
الوحشية صفة قلَّما تطلق على الإنسان، أغلب معانيها تطلق على الحيوانات والبراري، ورد في لسان العرب "الوَحْش كلُّ شيء من جواب البَرّ مما لا يَسْتأْنس مُؤنث وهو وَحْشِيّ والجمع وُحُوشٌ لا يُكسّر على غير ذلك حمارٌ وحْشَيٌّ وثورٌ وَحْشِيٌّ كلاهما منسوب إِلى الوَحْشِ ويقال حمارُ وَحْشٍ بالإِضافة وحمارٌ وحْشِيٌّ يقال للواحد من الوحْشِ هذا وحْشٌ ضَخْم وهذه شاةٌ وَحْش والجماعة هي الوَحْشُ والوُحُوش والوَحِيش". وفي مختار الصحاح "الوَحْشُ الوُحُوش وهي حيوان البر الواحد وَحْشِيٌّ يقال حِمار وَحْش بالإضافة وحِمار وَحْشِيٌّ وأرض مَوْحُوشَةٌ ذات وُحُوش والوَحْشَةُ الخلوة والهمُّ وقد أَوْحَشَهُ الله فاسْتَوْحَشَ وأَوْحَشَ المنزل أقفر وذهب عنه الناس ووَحَّشَ الرجل تَوْحِيشاً إذا رمى بثوبه وسلاحه مخافة أن يُلحق وفي الحديث (فوَحَّشُوا برماحهم). وفي المعجم الوسيط "الوَحْشُ جمع وَحْشِيّ، وهو ما لا يَستأنِس من دواب البَرّ. وُحُوش، ووُحْشان. ويقال: حمار وَحْش، وحمار وحشيّ. ويقال بات وحشاً: جائعاً لم ياكل شيئاً فخلا جوفه. ومشى في الأرض وحشاً: وحده ليس معه غيره. ومكان وحش: خالٍ قفر. الوَحْشَةُ من الأرض هي القفر المستوحشة، ومن الناس: الانقطاع وبُعْد القلوب عن المودَّات". وفي الصحاح في اللغة "الوَحْشُ: الوُحوشُ، وهي حيوان البَرِّ، الواحدُ وَحْشِيٌّ. يقال حمارُ وَحْشٍ بالإضافة، وحمارٌ وَحْشِيٌّ. وأرضٌ مَوْحوشَةٌ: ذاتُ وُحوش".
لاحظ إنها ليست صفة بشرية ولا تلزم المجتمعات بل صفة حيوانية، لكنها تستعار للدلالة على الإنسان البدائي الذي لا يجد حرجاً في قتل عدوه وطبخه كوجبة طعام. ومع هذا فإن الحديث يتعلق بأعداء وليس أخوة يجمعهم الدين والوطن والقومية والتأريخ والمصير المشترك ويفرق بينهم المذهب فقط!
عجب في أمر المذهب الذي يلغي كل هذه الصفات المشتركة الطيبة ويدوس عليها بقدميه ويمتهنها! هل هذه هي المذاهب؟
إذن طز في كل المذاهب التي تبيح سفك دم الأخ على يد أخيه. وطز في كل المذاهب التي لا تحترم الإنسان وتعتبره القيمة العليا والاسمى في المجتمع. وطز في كل المذاهب الطفيلية التي تتغذى على الحقد والكراهية وتغذيهما لأتباعها. وطز في كل المذاهب التي تلغي جوهر الدين وتسمم قيمه النبيلة وتمسخها الى مفاهيم خاطئة تعارضها. طز في كل المذاهب التي تشيع قيم التخلف والجهل والأمية والفقر والمرض والإستعباد. طز وألف طز.
لقد أصبح العراق كبشاً شدَّه رجال الدين بالحبال وطرحوه أرضا مكبلا، لكي تقوم الحكومة بذبحه وتقديمه قرباناً لكسرى الفرس في عيد النوروز. العراق الجديد: عراق صفوي بإمتياز وبما لا يقبل الشك، فالقتل على الهوية المذهبية، وفرض المذهب قسرا، وتكفير وقتل الآخرين بحجة عداوة المذهب، وسب ولعن الصحابة وأمهات المؤمنين، والتحريض الطائفي، وشيوع الثقافة السوداء، وتشجيع الخطابات التحريضية ونثر بذور الحقد والكراهية في صفوف المجتمع، وإثارة الفتن والقلاقل، وتسليح الميليشيات الإرهابية، وتسخير أجهزة الدولة كلها لخدمة المذهب، وحصر الإمتيازات بأصحاب المذهب الواحد، وفرض المناهج الصفوية على المدارس والجامعات، وإنتشار صور رواد الفكر الصفوي، كخميني المقبور وخامنئي المعتوه، في العراق، كلها من صفات العراق الجديد، الديمقراطي الفيدرالي، ومع هذا يأتي من يقول بأن العراق علوي وليس صفويا!
لم ننس بعد الفعل الشائن الحقير الذي قام به رعاع (آل البيت) في إعدام وحرق مواطن عراقي من (النواصب) في منطقة جسر ديالى في ساحة عامة بحضور (الشرطة العراقية) التي كانت مهمتها حماية الرعاع من رمي الجمرات على القتيل خشية وقوعها بالخطأ على رؤوس الرعاع الفارغة. حتى نفاجأ بحالة أخرى بعد إسبوعين من حصول الأولى! وهذه المرة في قلب بغداد، يوم 11 ايلول الجاري وبحضور حشد كبير من قبل رجال الشرطة بعضهم وقفوا مكتوفي الايدي، وبعضهم كان يشجع الرعاع على حرق (الناصبي) وآخرين كانوا يدعسون (الناصبي) ببساطيلهم، والبعض الآخر إكتفى بالسب والشتم. كل هذا في منطقة الكسرة، أي في مركز العاصمة بغداد لمن لا يعرف موقعها، وفي الشارع العام وليس في مكان ناءٍ ومغلق. كل هذا يحدث في دولة لا تخجل من أن تطلق على نفسها "دولة القانون"! إن كانت هذه دولة القانون فما هي دولة الرعاع؟
من هذا (الناصبي)؟ وكيف توصلوا لمعرفة إنه إرهابي؟ ولوفرضنا جدلا بأنه فعلا إرهابي! فلماذا لم تسلمه الشرطة للرعاع وليس للمحاكم ليحاكم بصورة قانونية ويأخذ جزائه العادل كالإعدام مثلا من قبل أجهزة الدولة المختصة وليس من قبل الرعاع؟
عندما قلنا سابقا إن الشرطة والجيش وكل الإجهزة الأمنية هي في خدمة الطائفة وليس العراقيين ككل، إنبرى البعض معترضا! إذن ليفسر لنا هذا البعض تكرار الهمجية بحضور الشرطة! وهل الشرطة أيضا من (النواصب)؟ ولماذ الحرق بعد القتل؟
أي حقد هذا الذي يختلج في النفوس!
أين كان هذا الحقد مدفوناً ونُبِش؟ وهل كانت عقيدة التقية هي التراب الذي يستره؟ لعن الله تقية النفاق ومن إستخدمها لهذه الأغراض الدنسة، ولعن الله من نصح بها وشجَّع عليها لتتسلط على رقاب الضعفاء سيفاً حادة.
هل من المعقول أن يضمر الإنسان كل هذه الشرور في باطنه؟ هل من المعقول أن يقبلك كقبلة الذئب للشاة؟ هل من المعقول أن تسمع من الإنسان حلو الكلام وفي الباطن يلعنك ويود أن يفتك بك؟ هل من الإسلام أن تبطن الشر والكفر وتعلن الخير والإيمان؟ هل من الإسلام سحل البشر ورجمهم وحرقهم بمنأى عن القانون؟ هل هناك حالات مشابهة تحدث في بقية الدول المتخلفة، ولا نقول المتحضرة، ونحن نعيش في الألفية الثالثة؟
حكومة (آل البيت) لا عتب عليها لأنها محسومة الولاء، وولاءها ليس للشعب وليس للطائفة المستغفلة أيضا، بل لنظام الولي الفقية. وأجهزة الدولة الأمنية لا عتب عليها لأنها مثل لعبة العرائس خيوطها جميعا بيد الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وبيد السفير الإيراني في العراق. ولا عتب على (رئيس الوزراء) فقزم إيران سبق له أن قدَّم المذهب على الدين والمواطنة في الولاء. المهم عنده الولاية الثالثة وطز في الشعب بكل شرائحه.
ولكن ليس العتب بل البصاق في وجوه النواب الذين يدَّعون بأنهم يمثلون أهل السنة. ألا تف عليكم وعلى برلمانكم وألف تف.
ثم كيف يفكِّر رعاع (آل البيت)؟
هل يظنون بأن العراقيين سينسون ضحاياهم من الأبرياء عندما تدور الدوائر؟ اليوم لك وغداً لغيرك. فما الذي أبقيتموه ليوم غد؟ لقد سطَّرتم في لوائحكم ابشع الأسطر بمداد الدم، فبأي وجه ستقابلون الله تعالى عندما تعرض عليه لوائحكم السوداء الملطخة بالدماء؟
هل أنتم فعلا اتباع آل البيت أم أتباع الشيطان؟ إن كنتم من أتباعهم فلا خير فيكم ولا خير فيهم! طالما إن الشيطان قد إنتصر على الإيمان في قلوبكم وهزمه شر هزيمة.
هل كان هذا هدفكم من تسلم السلطة؟ القتل والتهجير والإقصاء والسلب والنهب والفساد المالي والأخلاقي وقتل روح التعايش بين المسلمين، والنوم في حضن الولي الفقيه وثقافة اللطم والنحيب؟
هل كنتم فعلاً من أبناء المظلومية؟ وماذا تُسمون حال أهل السنة الآن؟ ومن هو صاحب المظلومية الحقيقية؟ وهل يعقل أن يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحد مرتين؟
هل حدث خلال النظام السابق الذي تزعمون إنه ظلمكم، وكان أكثريتكم من رجاله، بأن قُتل أحد من أتباع (آل البيت) بهذه الطريقة البشعة؟ سحل ورجم وأحرق في ساحة عامة وبحفل جماهيري عام تنظِّمه قوات الحكومة؟
هل تعلمون بأنكم ستدفعون أهل السنة لإحتضان تنظيم القاعدة الإرهابي بأفعاكم اللامسؤولة هذه؟ فإن إشتد (التنظيم) وقوي وتأصَّلت جذوره في تربة الوطن، فإنما (الفضل) يعود إليكم. وإن إستهدفكم، وهذا ما لا يرتضيه أهل السنة من منظور إسلامي ومنطلق قومي ووطني، فالعلة فيكم وليس في (التنظيم) فقط.
هل تدركون بأن الهوَّة بينكم وبين أهل السنة توسعت جدا وأصبح مفهوم التعايش بين الطرفين صعب جدا، وبالقريب سيكون مستحيلا!
هل الغرض من هذه الأفعال المسيئة والتي تجري بتحريض من قبل الحكومة الصفراء القصد منها تحقيق خطة جوزيف بايدن في تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات، سيما إن الأكراد سيستقلون عاجلا أم آجلا، كما إنكم تصبُّون الزيت على نار الفيدرالية وتؤججون لهيب نزعة الإنفصال عند أهل السنة!
كلمة لعلماء وخطباء أهل السنة المثبِّطين: أين أنتم مما يحصل؟ إن كان لكم جمهور الآن يستمع لخطبكم الأفيونية، فإنكم ستجدون أنفسكم قريباً بلا جمهور، فهم ما بين قتيل ومهجَّر وسجين ومستترٍ خوفاً من البطش.
الحق أننا بدأنا نسأم من خطبكم الجوفاء المثبِّطة للعزائم والتي لا تقدم، بل تؤخر، وأخذتنا الظنون بعيداً، كإنكم بأفيونكم هذا تخدمون الحكومة من حيت تعلمون أو لا تعلمون، بقصد أو غير قصد.
ونقول للشرطة والجيش وبقية العناصر الأمنية الطائفية الكريهة المعادية لأهل السنة: تبا لكم! ملعونون أنتم في الدنيا والآخرة. إننا لنستشهد بقوله تعالى في سورة البقرة (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)). مؤيدين نزعة الإنتقام منكم، ونبارك ونقبِّل أيادي القوى الوطنية المجاهدة التي تستهدفكم وتحوِّلكم إلى فطائس نتنة مأواها جهنم وبئس المصير.
ونقول للرأي العام العربي والدولي: أقمتم الدنيا ولم تقعدوها بفلم قصير يُصوِّر احد المقاتلين السوريين (!) وهو يأكل كبد جندي، ولا نعرف مدى صحة الفيلم سيما إنه يخدم أجندة الحكومة السورية المجرمة، وربما بفبركة من مخابراتها. فأين أنتم مما يحصل لأهل السنة في العراق؟
ونقول لشيخ الأزهر الشريف: هذه الأفعال هي من نتاج المذهب الذي سمحتم بتدريسه في أزهركم الشريف فهنيئا لكم!
ونقول للأنظمة الحاكمة: متى تهتز شواربكم لنصرة أهل السنة في العراق؟ ولكن هل لكم شوارب؟
ونقول للجميع: للاطلاع على الجريمة الوحشية يمكن مشاهدة الرابط المدون في أدناه: