بل للإسلام مشروعا قابلا للتطبيق

ردا على مقال الأستاذ الخضر هارون المنشور في جريدة الشعب، 

شريف زايد

لقد اطلعنا على مقال الأستاذ الخضر هارون المنشور بجريدة الشعب الجديد بتأريخ (25 يونيو 2013م)، فوجدنا فيه نقاطاً تستأهل الرد والتبيان؛ استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم، ولذا فنحن نقدم نصيحتنا هذه لصاحب المقال لتصحيح ما يحتاج لتصحيح وتبيين، ونسأله تعالى أن يهدي الجميع بفكر الإسلام المستنير، فتنهض أمتنا على أساس فكرها الراقي وهو سبحانه الهادي.

ولذا فإنا نورد النقاط الآتية:

أولاً:

ذكرت في مقالك: "فلا أعرف مشروعا إسلاميا يترجم مبادئ الإسلام العامة فى العدالة والمساواة والحرية...ذلك لأني لا أعرف مشروعا إسلاميا قابلا للتطبيق فى هذا العصر".

فنرد مستعينين بالله قائلين؛ إنك تعترف بأنك لا تعرف نظاماً للحكم في الإسلام!، ولاعترافك الصريح هذا فإننا أحببنا أن نُعرفك ونبين لك حتى تصبح من العارفين العالمين، فإنه من غير المقبول أن يكتب في وسائل الإعلام من كان غير عارف أو عالم!، فأحببنا أن تكتب في وسائل الإعلام مستقبلاً وأنت عارف عالم لما تكتب؛ وإليك البيان...

إن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخـلافة الذي فرضه الله رب العالمين، وهو نظامُ حكمٍ فريد متميز عن غيره من الأنظمة في العالم، فهو نظام فريد إذ أنه من الله سبحانه بديع السموات والأرض، وهو نظام خاص متميّز، لدولة خاصة متميزة، يختلف عن جميع أنظمة الحكم الموجودة في العالم اختلافاً كليّاً، سواء في الأساس الذي تقوم عليه هذه الأنظمة، أو في الأفكار و المفاهيم والمقاييس التي تُرعى الشؤون بمقتضاها، أو في الأشكال التي تتمثل بها، أو في الدساتير والقوانين التي تطبقها فهو ليس نظاماً ملكياً ديكتاتورياً ولا امبراطورياً ولا جمهورياً أو اتحادياً، وهنا يكمن تميزه عن بقية أنظمة الحكم في العالم.

والخـلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جمعياً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالدعوة والجهاد، وأدلة فرضية هذه الدولة مستفيضة من كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي معلومة ومشهورة تكاد لا تخفى على مسلم، لكننا نورد بعضها من باب الذكرى فإن الذكرى تنفع المؤمنين... يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولا يأمر الله بطاعة من لا وجود له. فدل على أن إيجاد ولي الأمر أي الخليفة واجب. فالله تعالى حين أمر بطاعة ولي الأمر فإنّه يكون قد أمر بإيجاده. فإن وجود ولي الأمر يترتب عليه إقامة الإسلام، وترك إيجاده يترتب عليه تضييع الحكم بالإسلام، فيكون إيجاده واجباً لما يترتب على عدم إيجاده من حُرمة، وهي تضييع الحكم بالإسلام.

وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إنّما الإمام جُنّة يقاتَل مِن ورائه ويُتّقى به»، فهذا الحديث فيه وصفٌ للخليفة بأنه جُنّة أي وقاية. فوصف الرسول بأن الإمام جُنّة هو إخبار عن فوائد وجود الإمام؛ فهو طلب، لأن الإخبار من الله ومن الرسول إن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك أي نهي، وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل. فإن كان الفعل المطلوب يترتب على فعله إقامة الحكم الشرعي أو يترتب على تركه تضييعه، كان ذلك الطلب جازماً، أي فرض كما هو معمول به في أصول الفقه.

وعليه فإن دولة الخـلافة هي أهم أمر فَرَضَهُ رب العالمين، وهي أقوى من التشويه والتشويش، فهي مسطورة قولاً وفعلاً في كتاب الله وسنة رسوله وإجماع صحابته الكرام، وهي بإذن الله ستعود خلافة راشدة كما وعد الله سبحانه وبشر بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن الأمة باتت تتوق لذلك اليوم، بل وتعمل له بجد واجتهاد وإخلاص مع الله وصدق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمة هكذا حالها مع الله فهو سبحانه ناصرها لا محال: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

ثانياً:

ذكرت في مقالك: "فليس للإسلاميين برامج فى نمط الحكم وفي الاقتصاد ومحاربة الفقر وتحقيق العدالة بين الناس... فمن الطبيعى ألا تقوم الدولة على جزئية والدعوة لاعتماد دساتير إسلامية لا تكاد تتعدى هذه الجزئية. وحتى هذه الجزئية المتمثلة فى الحدود...".

الأخ الكاتب، ما هذا التخبط؟!، إنك تُقر في قولك بأن الإسلاميين الذين وصلوا للحكم لا يملكون برنامجاً للحكم الإسلامي!، ثم تتحدث عن فشلهم في الحكم وبالتالي تقول أنه ينبغي ألا تقام دولة إسلامية بدستور إسلامي!، ألا تلاحظ أن المقدمات التي قدمتها لا علاقة لها بالنتيجة التي توصلت إليها؟!!...

إننا نتوجه إليك بسؤال: إذا كان الإسلاميون لا يملكون برنامجاً إسلامياً للحكم فهل فشلهم في الحكم فشل للإسلام العظيم أم فشل لهم؟!...

ومن ثم فما علاقة فشلهم الذريع بمطالبتك للناس أن لا يطالبوا بدولة إسلامية ذات دستور إسلامي تطبق الإسلام العظيم؟!...

إننا نتفهم هذا التناقض والمنطق المعتل، وذلك لأننا ندرك حجم الهجمة الغربية الثقافية والفكرية الشرسة التي قام بها الغرب الكافر المستعمر ضد الأمة الإسلامية، فأنتجت تلويثاً فكرياً وثقافياً لدى الفئة المثقفة وسط الأمة، فجعلها تنفصل عن تفكير أمتها وتطلعاتها... لذلك فنقول لك: عليك أن تفرق بين الإسلاميين والإسـلام!، فوصول الإسلاميين للحكم لا يعني وصول الإسـلام للحكم!.

فالإسـلام مبدأ متكامل شامل، تُعالج أنظمته مشاكل الإنسان في كل شؤون الحياة، فتجد نظام الحكم ونظام الاقتصاد والنظام الاجتماعي ونظام التعليم والسياسة الخارجية؛ كلها منبثقة من عقيدة المبدأ الإسلامي ذاته... فنظامه الاقتصادي يُعالج ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من الشعب لتعالج به مشاكل الناس بالعدل والحق، والثاني كيفية إنفاقه عليهم، ونظامه الاجتماعي يُعالج علاقة المرأة بالرجل وما يترتب على هذه العلاقة من أحكام شرعية، ونظام التعليم يُعالج السياسات التعليمة التي جعلت أمتنا في مؤخرة الأمم علمياً وصناعياً، فيحرص نظام الإسلام التعليمي على وضع سياسة تكون فيها الثقافة الإسلامية هي الأساس في منهاج التعليم، والثقافة الأجنبية يحرص في عدم أخذها إذا تناقضت مع الإسلام، ويشجع البحث العلمي والأبحاث التكنلوجية المتقدمة لتنتج مدارس وجامعات الدولة الإسلامية علماء ومخترعين على أعلى مستوى، أما السياسة الخارجية للخلافة فتبنى على أساس حمل الدعوة الإسلامية للأمم والشعوب، وعلى تحقيق مصلحة الإسلام والمسلمين بين العالم بوصفها دولة إسلامية عالمية. أما نظام الحكم؛ أي الخلافـة، فهي التي تجعل كل الأنظمة السابقة قيد التطبيق والتنفيذ، وهي التي تجعل الإسلام حياً وسط الناس بتطبيقه ونشره رسالة هدى ونور للعالمين.

وعليه فالإسلام هو الإسلام يؤخذ من مصادره التشريعية؛ كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتؤخذ أنظمته وتشريعاته من نصوصه الشرعية لا من تجارب الحركات الإسلامية أو تجارب الحكام المسلمين...

فتجارب الإسلاميين في الحكم تاريخ!، والتاريخ ليس مصدراً من مصادر الإسلام التشريعية، وعليه فإننا ندرك أن ما يسمى "بالحركات الإسلامية" لم تطبق الإسلام أبداً وعدم تطبيقها الإسلام لا يُسيء للإسلام، بل يُسيء لتلك الحركات الإسلامية ويُنكس صورتها أمام أمتها!، فعليه كان الأولى بك أيها الأخ الكريم أن تُطالب بتطبيق الإسلام العظيم بكافة أنظمته للحياة المنبثقة من مصادره التشريعية ليسود العدل والخير ربوع العالم، فأنت تؤمن بأن الإسلام من عند الخالق المدبر سبحانه، ونظام الخالق للحكم والاقتصاد وغيره هو بلا شك الأصلح والأكمل من أي نظام وضعي كالديمقراطي الكفري أو غيره من الأنظمة الوضعية النابعة من البشر لا رب البشر: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، صدق الله! فنظام الحكم في الإسلام؛ نظامُ الخـلافة هو النظام الأوحدُ الأحسن لحكم البشر إذ أنه من خالقهم سبحانه، ألست تؤمن بذلك يا كاتب المقال؟!.

ثالثاً:

ذكرت في مقالك:"...مشروع عام للنهضة يقوم على ما تقدم... والنهضة التى تحققت لليابان وللصين تمت بفك شفرات التقانات المعاصرة وامتلاك ناصية العلوم الطبيعية".

إننا نثني عليك اهتمامك بقضية نهضة الأمة الإسـلامية، ونشكر لك تقديم النصح للحركات الإسلامية التي تعمل على انهاض أمتنا العظيمة... ولكن (ما هكذا "يا الخضر" تورد الإبل!).

إننا نقول إن الأمة تنهض بالفكر المستنير، فإن الأفكار في أية أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها الأمة في حياتها إن كانت أمة ناشئة، وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة في الفكر المستنير. أما الثروة المادية والاكتشافات العلمية والمخترعات الصناعية وما شاكل ذلك، فإن مكانها دون الأفكار بكثير، بل إنه يتوقف الوصول إليها على الأفكار، ويتوقف الاحتفاظ بها على الأفكار.

فإذا دمرت ثروة الأمة المادية فسرعان ما يعاد تجديدها، ما دامت الأمة محتفظةً بثروتها الفكرية. أما إذا تداعت الثروة الفكرية وظلت الأمة محتفظةً بثروتها المادية فسرعان ما تتضاءل هذه الثروة، وترتد الأمة إلى حالة الفقر. كما أن معظم الحقائق العلمية التي اكتشفتها الأمة يمكن أن تهتدي إليها مرةً آخرى إذا فقدتها دون أن تفقد طريقة تفكيرها. أما إذا فقدت طريقة التفكير المنتجة فسرعان ما ترتد إلى الوراء، وتفقد ما لديها من مكتشفات ومخترعات. ومن هنا كان لا بد من الحرص على الأفكار أولاً.

لذلك فإن اليابان مثلاً بعد هزيمتها والتدمير الكبير الذي ألم بها عام 1945م إثر الحرب العالمية الثانية، وخلف وراءه 200 ألف قتيل، نهضت من جديد لتصبح ثاني أكبر الاقتصاديات في العالم بعد أمريكا، رغم أن مراكز أبحاثها وعلومها الصناعية دمرت بالكامل، رغم كل ذلك نهضت وبقوة والسبب يكمن في أنها لم تفقد ثروتها الفكرية، فثروتها الفكرية تجسدت في رجال الحكم الجديد الذي نهضوا بها بعد تدمير فظيع، ويوافقنا في ذلك مؤلف كتاب (صُنعُ اليابان الحديثة) المنشور في 2008م بقوله: "الفكر والتفكير سبب نهضتنا..."، وكذلك ما ورد في كتاب (التقليدية والحداثة في الفكر الياباني) المنشور عام 1984م.

إن اليابان لم تنهض سوى بجدية قادتها وتمسكهم بعدم الرضوخ للواقع فجلبوا ثروتهم الفكرية ونهضوا على اساسها، وما ينطبق على اليابان ينطبق على انسان ألمانيا التي نهضت كذلك في العصر الحديث والصين كذلك...، وكذلك المسلمون لا بد أن ينهضوا بما لديهم من فكر انبثق عن عقيدتهم الإسلامية؛ متمثلاً في دولة خلافة راشدة تحمل رسالة خالدة للبشرية جمعاء هي رسالة الإسلام العظيم، عندها فحسب تنهض أمتنا بفكرها الخاص المُنزل من فوق سبع سموات، بهذا نطق الواقع والشرع: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).

رابعاً:

ذكرت في مقالك: "ورد أن الصحابى عبد الرحمن بن عوف ذكر أنه والنفر الذين كلفهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب باستشارة المسلمين فيمن يخلفه... هذه قضية تبدو حلا جاهزًا لموضوع الحكم فكأن لجنة عبد الرحمن بن عوف قد وضعت سياجًا ووعاءً يتطور داخله مبدأ حكم الشعب... فلتقر حركات الإسلام السياسى بوضوح مبدأ الديمقراطية والتداول السلمى على السلطة... وإن رأى الناس فى اقتراع قادم أن يسلموا قيادهم لحكم علمانى فليكن استنادًا إلى ما جاء فى التنزيل «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى»".

عجيب أمرك يا أخي!

إنك تُسقط ماتريد على الواقع دون أية نزاهة!، فموضوع استشارة عبدالرحمن بن عوف هو (من يحكمنا) وموضوع الديمقراطية هو (بم نُحكم)، وشتان ما بين موضوع (من يحكمنا) وبين موضوع (بم نُحكم!)، فهل تبين لك الفرق الشاسع؟!...  فأين هي العلاقة بين استشارة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لأهل المدينة لمعرفة رأيهم حول من يكون (الخليفة) بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبين مبدأ حكم الشعب (الديمقراطية)؟!

إنك تعلم أن الديمقراطية نظام كفر لأنها تجعل التشريع للبشر لا لرب البشر وهذا كُفر صُراح يعلمه الصغير والكبير ولا حاجة لسرد الأدلة عليه فمثلك لا يجهل، فكيف تتجرأ على الصحابة الكرام وتقول أنهم أسسوا لما يسمى مبدأ الديمقراطية؟ أيؤسس صحابة رسول لله للكفر؟!...

إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجمعون الأصوات ليروا لصالح من ترجح الكفة، فيبايعونه خليفة عليهم يحكم بالإسلام وحده، وقد كان جواب سؤال: (بم نُحكم؟) واضحاً عند الصحابة الكرام فهو موضوع عقائدي وكانوا يرددون الجواب مرات ومرات كما ورد في السيرة: (نبايع على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي أن التشريع لله وحده، كيف لا وهم يقرؤون قول الحق جل وعلا ليل نهار: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

وأما مبدأ التداول السلمي للسلطة فهي فكرة كفر لا وجود لها في الإسلام، فالإسلام لا يحدد فترة زمنية للخليفة وبعدها يتنازل عن الحكم لشخص أو فصيل سياسي آخر، بل يظل الخليفة في الحكم يحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يتوفاه الله ما دام قادراً على القيام بأعباء الحكم، وهذا أمر مشهور في أوساط الأمة الإسلامية لم يقل بغيره إلا المتأثرين بالفكر الغربي الاستعماري!... وإننا نتوجه إليك بسؤال: هل وجدت في شرع الله أو سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم نصاً يصلح للاستدلال ثبوتاً ودلالةً يُقر بتحديد فترة 4 أو 5 سنين لبقاء الحاكم في الحكم؟!، بالطبع لن تجد إلا في شرعة الديمقراطية الغربية الاستعمارية، فأي شرع أحق بالاتباع يا صاحب المقال؟!.

وأما ثالثة الأثافي فهي قولك: "وإن رأى الناس فى اقتراع قادم أن يسلموا قيادهم لحكم علمانى فليكن استنادًا إلى ما جاء فى التنزيل (لا إكراه فى الدين)". كيف تطلب من الأمة الإسلامية أن توافق على حكم الكفر العلماني وتستشهد بقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، أليس هذا تضليل وافتراء سافر؟!...

إنه تضليل ما بعده تضليل فآي الذكر الحكيم موضوعها هو عدم إكراه الناس على الإيمان بالله؛ فموضوعها في العقائد إذن؛ وعدم إكراه الكافر ليترك كفره جبراً وقسراً، ولا دلالة لها من قريب أو بعيد على موضوع قبول المسلمين بأن يُحكموا بغير الإسلام، فكيف تتقول تجرءاً على الله وتقول أن على المسلمين القبول بحكم علماني كفري؟!... ولتزداد النفوس اطمئناناً لصحة ما نقول فنذكر نص الآيات كاملاً فبذكر النص كاملاً يتضح موضوع الآية الكريمة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وها هو ابن عباس في تفسيره (تنوير المقباس) يقول في تفسير أي الذكر الحكيم: "لا يكره أحد على التوحيد من أهل الكتاب والمجوس بعد إسلام فقد تبين الإيمان من الكفر والحق من الباطل".

إننا يا أخي لم نورد هذا الرد بأدلته من كتاب الله وتفسير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خوفاً على الأمة من التضليل بل لنقيم عليك الحجة أمام الله!، فالأمة الإسـلامية أوعى من أن تضلل بمثل هكذا قول ضعيف، وما مطالبة الملايين حول العالم لإقامة دولة الإسلام؛ الخـلافة الراشدة إلا خير شاهد على ذلك، وإلا فكيف تفسر رفع راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ راية العقاب، راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ الراية السوداء حول العالم في أيد الملايين من مشارق الأرض حيث أندونيسيا شرقاً مروراً بالشام الأبية وتعريجاً على مصر الكنانة والسودان وانتهاءاً بالمغرب العربي، أليس كل ذلك معبراً عن تشوق الأمة بأن تحكم بالإسـلام في ظل دولة الخـلافة الراشدة بقيادة حزب التحرير وأميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته؟ فهل ستكون يا كاتب المقال مع سيل الأمة الهادر أم ضده فيقتلعك؟!.

خامساً:

ختمت مقالك بنصح للحركات الإسلامية قائلاً: "ذاك أفضل استدراك وتلك أبلغ الكفارات عن كل خطأ وقع أو خطيئة ارتكبت وذلك لكى يتمكن أبناء الوطن أجمعين من القيام بواجباتهم فى حمايته من التجزئة والزوال وبلورة مشروع للتمنية يفجر الطاقات يفضى إلى حصاد الموارد الهائلة..."

وختماً فنقول: ليتك نصحت الحركات الإسـلامية عامة والسودانية خاصة فأحسنت النصح، لكننا نقول من نصح ليصلح ليس كمن نصح ليفسد! ونحسن الظن بك فنقول إنك ممن نصح ليُصلح، فنقول لك.... ارجع وتدبر ردنا عليك، وبلور أفكار الإسلام في الحكم عبر رجوعك لثقافة حزب التحرير فأنت تعرفه وتعرف شبابه، فارجع وبلور، فالعود للحق ممداح والسدر في الباطل مقداحُ...

وإننا ننصح لك ومن خلفك الحركات الإسلامية؛ نُصحَ المؤمن الأمين لأخيه المؤمن فنقول: لا ترضوا بغير الخـلافة الراشدة نظاماً للحكم، فبالخـلافة وحدها يطبق الإسلام كل الاسلام، فيعود الإسلام لمركز السيادة والريادة في دفة الحكم فيقود سفينة العالم نحو الخير والعدل، فتضاء الدنيا بنور الإسلام وعدله من جديد في ظل الخلافة الثانية على منهاج النبوة؛ كما استضاءت من قبل بنور الإسلام في ظل الخلافة الأولى على منهاج النبوة...

ولا تخشوا الغرب الكافر المستعمر فمعكم قوتين عظيمتين... أولاهما: رب عزيز جبار، وثانيهما: أمةٌ عزيزة كريمة زمجرت بالأمس فأسقطت عروش فارس والروم، وزمجرت اليوم لتحطم عروش الطغاة كل الطغاة فتقيم دولة الأُباة كل الأباة، ومن كان هذا حاله فمنتصر لا محال، وإن موعدنا مع نور الخـلافة الراشدة الصبح، أليس الصبحُ بقريب؟!.

(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)