الأسرى المرضى.. بين صفقات أهملتهم وأمراض قتلتهم
الأسرى المرضى..
بين صفقات أهملتهم وأمراض قتلتهم
فؤاد الخفش
على الدوام.. كانت المعركة بين السجان والسجين معركة كسر إرادات وتحطيم معنويات، ولم يخفي الاحتلال يوماً أن هدفه الأول والأخير هو قتل الروح داخل جسد الأسير الفلسطيني، ومن أجل هذا الهدف صمم الاحتلال كل شيء داخل السجن لتحقيق غايته.
في سجون الاحتلال، الحركة الأسيرة هي ذاك الجسد الذي لا يوجد له شبيه في أي مكان في العالم، فالأسرى في السجون تعاونوا واتحدوا معاً من أجل رفع منسوب (المعنويات) وعملوا بكل الطرق لجعل (الهمة ) دائماً عالية متوقدة مشتعلة.
وهناك ثمة علاقة وثيقة بين المعنويات المرتفعة والهمة العالية، وتجنب المرض ووجود جهاز مناعة لدى أسير قادر على مواجهة الأمراض بنفسية ومعنويات قوية، فالأسير الذي تضعف همته وتخبو روحه المعنوية يكون أكثر عرضة للمرض والداء.
لقد لاحظنا وبشكل كبير ارتفاع في الحالات المرضية في صفوف الأسرى بعد صفقة الوفاء للأحرار، وصفقة إفراجات (حسن النوايا ) للأسرى القدامى والذين أطلق عليهم مصطلح (أسرى ما قبل أوسلو)، وهؤلاء الأسرى كانت لديهم آمال وتوقعات كبيرة بقرب الإفراج، وعاشوا ساعة الحرية وهم على أسرة المرض في مستشفى سجن الرملة، فأتت صفقة الوفاء للأحرار وخرج منهم الأسير أحمد حامد النجار المصاب بالسرطان، بينما بقي الكثيرون يجترون المرض ويعانون ويلات الشلل والإهمال الطبي، فتضعضعت معنوياتهم ووهنت أجسادهم التي نزفت جراء رصاص الاحتلال، وجراء تعذيبه لهم داخل الأسر.
مرت الأيام واستشهد على سرير المرض الشهيد زهير لبادة الذي كان بين هؤلاء الأسرى المرضى لسنوات.. بكت عيون من كانوا معه... هؤلاء الذين كانوا يرون الموت مع كل جرعة دواء ومع فجر كل صباح، ولم يمض وقت طويل حتى استشهد أشرف أبو ذريع ثم لحق به ميسرة أبو حمدية، فكانت الصدمة وكان (الإحباط).
تلك الصدمات أدت بشكل مباشر إلى ضعف الحالة المعنوية للأسرى المرضى، وتسللت الأمراض بشكل كبير لأجساد هؤلاء الذين يعيشون على الوعودات والآمال .
أما ما زاد أوضاع الأسرى المرضى سوءً، فهو قرار السلطة الوطنية الفلسطينية العودة للمفاوضات والحديث عن الإفراج عن عدد من الأسرى القدامى، واقتصار الأمر على من اعتقل قبل توقيع اتفاقية أوسلو، بينما الأسرى المرضى فلم يتم التطرق لهم، علماً أنهم عاشوا على وعود وتعهدات كثيرة، لكنها تبخرت على طاولة المفاوضات، وعاد المفاوض، ولم يخرج موقدة وأبو شاويش والأقرع والقائمة طويلة من هؤلاء المرضى الذين منهم من هدد بالانتحار، ومنهم من استسلم للمرض، ومنهم من وضع رأسه على وسادته وهو يفكر بخروجه لعائلته بسيارة إسعاف... داخل كيس أسود.. بعد أن يشرح جثمانه تحت إشراف جلاده.
وما بين الوعود المتكررة وعدم تنفيذ أي منها، يعيش هؤلاء الأسرى بعيون ذبلت، وأجساد لم تعد تقوى على المرض ولا تهدئ من آلامها المسكنات، وهم من لم يبقى في جسدهم مكاناً إلا وقد غرست فيه إبرة أو تعرض لرصاصة.
لكم أيها الأبطال وإن أصابت أجسادكم العلل، نقول إنكم بخير أكثر من أولئك الذين اعتادوا الشجب والاستنكار، ولم يملكوا من أمرهم شيئاً وتناسوا قضيتكم مع ما تم نسيانه من أرض فلسطين، لقد حولكم البعض أيها الأبطال لأرقام وأنتم أصحاب الضمائر الحية والقلوب النابضة بحب فلسطين.