إذا أردنا أن نعرف ماذا يريد (أوباما)
يجب أن نعرف ماذا تريد (...؟)
طريف يوسف آغا
لاشك أن حديث العالم كله اليوم، وليس حديث السوريين والعرب فقط، هو الضربة العسكرية الأطلسية المتوقعة على (نظام الأسد) المافيوي بعد اتهامه بارتكاب مجزرة الكيماوي في الغوطة والتي تجاوز ضحاياها الألف وخمسمئة شهيد حتى الآن. ولكن ماهو سر هذا الانقلاب السريع والمفاجئ، وبمئة وثمانين درجة، في الموقفين الأمريكي والأوربي بعد أن كان الطرفان، ولبضعة أيام فقط يستبعدان أي عمل عسكري ضد ذلك النظام النازي؟
حتى لانضيع في متاهات التفسيرات ولانفقد بوصلة الاتجاه الصحيح في محاولة فهم هذا الانقلاب المفاجئ، علينا أن نحدد نقطة انطلاق السياسة الغربية فيما يخص الشرق الأوسط، فهذه النقطة كانت ومازالت، ويبدو أنها ستبقى إلى أمد غير محدود، (دولة إسرائيل). صحيح أن الغرب، وحتى الشرق، له مصالحه الخاصة به أيضاً، ولكنه لايمكن أن يقدم على عمل يضر بمصالح (الدولة العبرية)، فما بالك بعمل يهدد أمنها وأمانها؟ هذا من جهة، ومن جهة ثانية فما عاد يخفى عن العارفين أن (الدولة العلوية) التي أسستها ورعتها (فرنسا) على الأرض السورية بعد جلائها عنها في القرن الماضي، قد خرجت إلى الحياة، لابسبب شفقتها على العلويين ولاتعاطفاً معهم ومع قصة (الظلم الاجتماعي) الذي تعرضوا له لقرون. بل لأنها ومن خلال تجربة احتلالها لسورية لربع قرن، لم تجد أقلية أفضل منهم مستعدة لحماية (دولة إسرائيل) المستقبلية، وفي نفس الوقت كارهة للشعب السوري، وخاصة أغلبيته السنية، وذلك حسب ماأتى في (الوثيقة الفرنسية) الشهيرة عام 1936 والمرسلة من وجهائهم لوزارة خارجية تلك الدولة المستعمرة. كل هذا يفسر تخاذل الغرب فيما يخص الثورة السورية، وإعطائه (نظام الأسد) المهل بالجملة عله يتمكن من إخماد تلك الثورة ليتم طي صفحتها فيما بعد باحدى طرق (تبويس الشوارب وعفا الله عما مضى والمسامح كريم والحي أفضل من الميت) وما إلى ذلك. ولكن من الواضح أن صمود الشعب السوري وتصميمه على التخلص من هذا النظام الوحشي قد أوصل تلك المهل والمحاولات إلى طريق مسدود.
نستنتج مما سبق أن الضربة العسكرية المتوقعة ليست لازالة النظام بالتأكيد، والغرب لايخفي ذلك أصلاً، وإلا لما تأخرت لسنتين ونصف أيضاً، فاستشهاد أكثر من 100،000 منذ اندلاع الثورة هو أسوأ بكثير من استشهاد 1500 في مجزرة الغوطة، والذبح بالسكاكين والقصف بالسكود ليس أرحم من الكيماوي. هذا الاستنتاج يعيدنا إلى السؤال في عنوان المقال: ماذا يريد أوباما إذاً؟ جوهر الموضوع هنا، وكما ذكرت في مقالات سابقة، هو أن لاإسرائيل ولاالغرب له مصلحة في قيام دولة (ديمقراطية) أو (جهادية) في الشرق الأوسط، وخاصة على حدود (الدولة العبرية). أي أن دول الجوار هذه يجب أن تبقى تحت حكم البسطار العسكري، أو أن تكون مدمرة وضعيفة وفقيرة بحيث بالكاد تستطيع الاستمرار في الحياة. وقد لاحظنا كيف التف الغرب وحلفائه الاقليميين بما فيهم (إسرائيل) على الثورة المصرية التي أتت (بالديمقراطية) المتمثلة بالرئيس المنتخب، ثم أمر الجيش بالاطاحة به فوراً ودون تأخير حين أضاف ذلك الرئيس لميزاته صفة الرئيس (الجهادي) مباركاً الجهاد في سورية.
ونفس الحال في سورية، فقد أقلق الغرب و(إسرائيل) شيئان: الأول إحتمال انهيار النظام الأمني العسكري المتمثل في (الدولة العلوية)، وهي التي قامت بمهامها على أكمل وجه لأكثر من أربعة عقود، وإقامة دولة (ديمقراطية) حرة على أنقاض ذلك النظام تطالب بحقوق الشعب السوري. والثاني بروز الكتائب ذات الطابع (الجهادي) على الساحة وتحقيقها لانتصارات كبيرة على النظام، واستمرار تدفق الآلاف من المجاهدين العرب وغير العرب لنصرة الثورة السورية، وهذا ماربما غض الغرب الطرف عنه أو حتى شجعه ليبرر تدخله العسكري فيما بعد. آخر ماتريده (إسرائيل) هو دولة (ديمقراطية) أو (جهادية) على حدودها لأن أي من هاتين الدولتين ستطالب باسترجاع (الجولان) المحتل الذي لاتريد التخلي عنه. ولاشك أن تدخل (إيران) الشيعية بصورة مباشرة وعلنية إلى جانب (نظام الأسد)، ودفعها لميليشياتها الشيعية العربية أيضاً للتدخل مثل حزب الله اللبناني وقرينه العراقي وحوثيي اليمن، قد عقد الأمور أكثر وأكثر ليبرر ذلك التدخل الغربي على الطريقة اليوغسلافية.
من كل هذا نستنتج أن الضربة الأمريكية المتوقعة يمكن أن تزيل (عائلة الأسد) من الحكم، بالقوة أو عن طريق (جنيف 2)، وستوجه ضربات مباشرة أيضاً للكتائب الجهادية، ولكن غير مخطط لها أن تزيل النظام الأمني الديكتاتوري. أما أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث فهو أن تكون الضربة (تأديبية) لحفظ ماء وجه (أوباما) خصوصاً و(أمريكا) عموماً، ذلك أن هكذا ضربة سترتد نقمة على الشعب السوري الأعزل، وهاهو النظام قد بدأ فعلاً باستعمال المدنيين والمعتقلين كدروع بشرية في مراكزه الأمنية التي يتوقع قصفها. وهو سيعود وينتقم منهم شر انتقام بعد انتهاء الضربة فيما إذا لم يتم الاجهاز عليه خلالها، وأنا بصراحة لم أسمع بمن هو جاد بمهاجمة خصم، فيعطيه لائحة بأهداف وزمن الهجوم. وهكذا أكون أجبت على سؤال عنوان المقال: إذا أردنا أن نعرف ماذا يريد (أوباما)، يجب أن نعرف ماذا تريد (إسرائيل).
ولكن دعونا أن لاننسى أيضاً أنه حتى الدول العظمى تخطئ بحساباتها أحياناً، وأن إرادة الشعوب هي التي تنتصر في نهاية المطاف. وأعتقد أن (الدور) لن يصل فقط إلى (الدكتور)، ولكن أيضاً إلى حلفائه الظاهرين، أما السريين فعليهم أن يغيروا حساباتهم ليتأقلموا مع الوضع الجديد بعد انتصار الثورة.