امتحان الآدمية وامتحان لإنسانية
في الأخذ على يد المجرمين
زهير سالم*
أقترح على كل ابن آدم في العالم أن يتنازل عن عشر دقائق من وقته الثمين لمتابعة فيديو كامل عن مشاهد أجساد الأطفال المبعثرة على أرض غوطة دمشق . وكذا للتنفس بصعوبة مع المصابين الحرجين وهم ينازعون الحياة وأعينهم وأنوفهم وأفواههم تسيل ..
لقد أصبح من الضروري جدا في هذا العصر أن نفرز بوضوح أبناء آدم عن أبناء آوى . ونظن أن الاطلاع على هذه المشاهد هو الاختبار الأنجح والأسرع في فصل الخصام حول حقائق الانتماء البشري ..
ومع أننا – نحن السوريين – راعنا برود ردة الفعل الشعبية الإنسانية والإسلامية والعربية في مشاهد نظن أنها لو عرضت على البشر في فيلم درامي افتراضي لاستدرت من الدموع ومن ردات الفعل أكثر مما فعلت المشاهد التوثيقية المعبرة عن واقع حقيقي وليس عن فيلم مفبرك في استديوهات هوليود كما زعم وزير إعلام ( الرئيس ) القاتل الحارق الخانق ..
ونعتقد أن جزءً من السبب في ضعف التفاعل مع الجريمة الكارثة يكمن في قصور القائمين على النشاط الإعلامي لقوى المعارضة السورية وهيئاتها في مجاليه المتعددة .
إن المشهد الذي يتابعه الدارس على الساحة العالمية ( الإنسانية والسياسية ) وكذا على الساحة العربية والإسلامية يدرك بكل وضوح أن امتحان ( الآدمية ) وامتحان ( الإنسانية ) اللذين يفرضهما الحدث على البشر هو امتحان عسير ..
إن كل الذين ما زالوا يصطفون وراء المجرم ، أو يدافعون عنه بأي ذريعة مثقوبة ، أو يتبنون منطقه ، ويعطلون ما منحهم الله من عقول للفهم ومن قلوب من للشعور ؛ هم على رأس ذلك القطيع من البهائم البشرية . التي ما تزال تتغذى على الكراهية والتعصب ..
ثم إن كل الذين تخلفوا عن إدانة الجريمة باللغة الصريحة الواضحة والمباشرة ، وإدانة مرتكبها كائنا من كان هذا المجرم العُتُل الزنيم هم من أولئك الذين يشهرون إخفاقا لا حدود له في امتحان آدميتهم ، رغم التحاقهم شكلا بالقوام البشري ، بينما تضطرب بين جنابتهم غرائز حيوانية متسفلة لم ترق يوما إلى تمييز الخير والشر .
وكذا كل الذين اليوم على ما يلوح في الأفق من بوادر للأخذ على يد المجرم ، ويجادلون في مشروعية لجمه بضروب من ذرائع النحيب على القانون الدولي ، أو العذرية القومية ؛ هم من تلك المخلوقات البشرية المرتدة إلى أسفل سافلين . ويؤسفني أن أسجل أننا سنجد بين هذه الفصائل البهيمية بعضا ممن يلبس القفطان أو يتجلبب بجلباب القومية والحداثة على السواء ..
تقول العرب آخر الدواء الكي ؛ فإلي أي حد يمكن أن يكون الإنسان راضيا أو مغتبطا أن يكوى جنبه ليتخلص من علة خبيثة لحقت به وراحت تفتك بروحه وجسده على السواء ؟!
لقد كان بإمكان المجرم الوالغ في دماء السوريين وأعراضهم ، في أجسادهم وعمرانهم ؛ أن يقي سورية كل هذه الكوارث بقليل من الرشد منذ اليوم الأول .
وإذا كانت سورية الوطن والدولة والإنسان أكبر من فرد وأكبر من حزب وأكبر من طائفة فنظن انه ما يزال بإمكان المتباكين عليها أن يفعلوا شيئا لإنقاذها بإقناع مجرمهم بالتنحي عن طريق السوريين فقد كفى ما كان ...
وعلى الطرف الآخر إن ما يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي ، ولو متأخرا ، للأخذ على يد المجرم هو في حقيقته فعل أخلاقي إنساني وليس فعلا سياسيا ولا يمكن بعد كل الذي جرى أن يكون ..
إنه فعل إنساني ضروري يدافع به البشر عن إنسانيتهم وعن مدنيتهم وعن حضارتهم ، عن كل ما نزلت به شرائع السماء وعن كل ما قررته قوانين الأرض . عن كل ما خطه الفلاسفة ونظمه الشعراء ووقعه أهل الموسيقا ورسمه الرسامون ونحته النحاتون ..
لن ندافع عن فعل قبل أن نراه . ولكن من شرطنا أن ننتظر فعلا رشيدا يصادر جرائم المجرمين . ويضع حدا لمعاناة الملايين من السوريين . ويفتح الآفاق في سورية أمام الغد المتطلع للعدل والحرية ..
مذكرين بالحكمة العربية : عليك برأس الأفعى ودع عنك ذنبها ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية