رؤيا وتحليل حول المستجدات في الوضع السوري

فورد "يُبشر" الائتلاف بضربة لا تسقط الأسد

بل تجره إلى "جنيف 2"

شـادي الخـش

في ظل التطورات الأخيرة ، التي يشهدها الوضع السوري والذي ذهب به نظام الاسد بعيدا بالتطرف في إستخدام الآلة العسكرية ، بكل أشكالها وأنواعها وآخرها كان استخدام الاسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والتي نتج عنها ابادة قرى بأكملها ، ووفق الحصيلة المبدئية والتي مازالت تزداد فإن اعداد الشهداء قد بلغت مايقارب الألف وستمائة شهيد ، معظمهم من الاطفال والنساء وكبار السن ، اضافة الى استخدامه الفوسفور الابيض الحارق في مناطق حمص وادلب ، وغيرها من الاسلحة التي تعتبر اسلحة ابادة شاملة ، تسبب مجازر تزداد كل يوم وعلى مدار الساعة ، كثفها النظام السوري في الآونة الأخيرة في معظم المناطق السورية ، وخاصة بعد الحديث عن مؤتمر جنيف اثنان وبعد استهداف مناطق ريف اللاذقية وطرطوس ذات الاغلبية المؤيدة له ، والتي لم تشهد احداث تذكر إلا في بداية الثورة السورية ، اضافة الى الضغط الكبير الذي شكلته قوى الجيش الحر على دمشق وتمركزها بأعداد كبيرة في الغوطة الشرقية والغربية والتي كانت هدف الضربة الكيميائية.

كل هذا أدى لوضع المجتمع الدولي وعلى رأسهم واضعي الخطوط الحمراء الامريكان والفرنسيين والأتراك والبريطانيين ، في مأزق انساني وأمني وأخلاقي وصار لزاما عليهم وبعد مرور ثلاثين شهرا على الصراع الدائر في سوريا ، وأعداد الضحايا التي فاقت المائة الف انسان.

ان يثبتوا انهم قادرين ولو شكليا على حماية القانون الدولي ، ومعاقبة من يعمل على خرقه ، وخاصة بموضوع استخدام الاسلحة الكيميائية المحرمة دوليا ، والتي تشكل تهديدا مرعبا لأمن دول الجوار وخاصة اسرائيل ، وتعزز المخاوف من ان يقوم النظام السوري بإستخدامها على نطاق ابعد من حدوده.

اضافة الى ان استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه بل وتفاقمه وازدياد تأثيره خارج الحدود السورية اصبح بشكل حقيقي مسألة تحتاج الى تحرك فاعل من المجتمع الدولي متمثلا بالدول العظمى ودول الجوار اضافة الى دول الخليج العربي.

هذا من ناحية اما من ناحية مقابلة ، فإن تمركز قوات كبيرة للقوي المتطرفة في سوريا ، وازدياد خطرها وقدرتها على الضرب والسيطرة داخل الاراضي السورية ، والذي فُتح له المجال على مصراعيه من كل دول الجوار ، والتي سمحت وعن عمد بمرور كل هذه الفصائل ومن جنسيات متعددة الى الأراضي السورية ، وتحويل سورية الى مصيدة لجذب كل متطرف وذو فكر تكفيري من انصار القاعدة الى كل التنظيمات الجهادية التكفيرية ، جعل من امكانية ضرب كل هذه القوى مجتمعة مغنم عظيم بالنسبة للدول التي تتصدر قائمة الدول المحاربة للإرهاب ، ويفتح شهية كل متتبع لهم في كل اصقاع الارض فما بالنا ونحن نراهم قد تجمهروا في سورية وتجمعوا فيها آتين من كل حدب وصوب.

كل ماسبق مهد وبشكل كبير للتفكير بجدية ، والبدأ بخطوات فعلية للقيام بحملة عسكرية غير برية لتأديب النظام السوري ، وبنفس الوقت انهاء ما أمكن من المجموعات التكفيرية المتطرفة وعلى رأسها القاعدة وأذيالها.

وهذا ما بدأت تتضح ملامحه ، من التحركات التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية من خلال جولات واجتماعات مكوكية ، كان آخرها اجتماع عمان الذي ضم قادة أركان لإثني عشر دولة معنية بشكل مباشر بالملف السوري ، والذي نوقشت فيه كل الإحتمالات الناتجة عن القيام بمثل هذا التصعيد العسكري الخارجي ضد نظام الاسد

وقد باشرت فعلا الولايات المتحدة بإجراء عملي مباشرة بنشر مجموعة من المدمرات التابعة لاسطولها البحري في المتوسط ، اضافة للإستعدادات العسكرية المكثفة في تركيا ،سواء من الجانب التركي او من الجانب الاميركي في قاعدة انجرليك الامريكية في تركيا ، هذا اضافة الى التحركات المكثفة للجيش الفرنسي والبريطاني من تهيئة لقطع كبيرة من اسطولها الحربي.

على صعيد آخر نشهد تحركات عسكرية اسرائيلية مكثفة على طول الحدود السورية ، من نشر لبطاريات صواريخ دفاعية وهجومية بشكل كثيف ورفع درجة التأهب في الجيش الاسرائيلي ، وتقدم قوات كبيرة منه بإتجاه الحدود مع سوريا ولبنان والاردن ، تحسبا لاي تطورات تحصل في حال تنفيذ الضربة العسكرية الدولية على سوريا.

هذا كله على الصعيد العسكري ، أما على الصعيد السياسي فقد حدثت تطورات خطيرة جدا ، وربما مفاجئة للبعض ،أبرزها كان من رعات وداعمين نظام الأسد اولها تصريح لواحد من كبار القادة الإيرانيين يقول فيها : بأن النظام السوري من الممكن ان يكون قد استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه. وهذا التصريح بحد ذاته يعتبر مؤشرا على رفع ولو محدود للغطاء الذي كانت تشكله ايران للنظام الأسد

ومن الجانب الروسي اتت الصفعة الاعنف ، بتصريح وزير خارجيتها لافروف بأن روسيا لن تدخل حربا مع اميركا في حال قررت الأخيرة وحلفائها توجيه ضربة عسكرية ، وهذا ما اعتدنا عليه من الجانب الروسي عبر كل القضايا المشابهة فهو متمرس بالتخلي دائما عن حلفائه عندما يحين وقت الجد، او يُدفع له ثمن سكوته وتخليه عن مواقفه.

ولم تكتفي روسيا فقط بتصاريح سياسية عبر وزير خارجيتها ، بل ارسلت نفس الطائرات التي كانت تحمل الأسلحة والمعدات للنظام السوري لمعاونته على قتل شعبه ، ارسلتها هذه المرة لإجلاء ما تبقى من مواطنيها ورعاياها من على الارض السورية ، وبدأت الاستعدادات الفعلية لإخلاء قواعدها في طرطوس وبانياس ، بما فيها المحطة الروسية العائمة ، والتي تعتبر من اكثر المحطات اهمية لها في سوريا ، بسبب الدور الذي تلعبه في السيطرة والبحوث المتعلقة بالمخزون الهائل من الغاز قبالة الساحل السوري ، والتي اعتقد بأنه اذا ما كان هناك سبب رئيسي للتوافق الروسي الاميركي حول الملف السوري ، فهو وصولهم لإتفاق توزيع حصص الغاز بينهما ، اضافة للتوافقات حول نتائج هذه الضربات ، والتي من الممكن جدا ان لا تكون بهدف اسقاط نظام الاسد ، بل لجعله اقل قدرة على الاستمرار ، وتقصير عمر الصراع ، اضافة الى تدمير ما تبقى من البنية التحتية لبعض المدن السورية التي لم تطالها آلة النظام العسكرية

ومن جهة اخرى تدمير جزء من القدرة العسكرية للنظام وإجباره بشكل حقيقي على الدخول في مفاوضات السلام ، التي ليست بالضرورة هادفة لإنهاءه ، بل لإعادة رسم الخارطة السياسية السورية وفق ما يتوافق مع المصالح الدوليا اولا ، السورية ثانيا.