إنّهم يخشون نجاح الإسلاميين لا فشلهم
محمد علي شاهين
باءت محاولات إقصاء الإسلام عن الواقع بالفشل، رغم جهود مراكز الأبحاث والدراسات المضنية، وجيوش المستشرقين والمنصّرين، وما أنتجوه من أحزاب وهيئات، وتبدّدت الملايين التي أنفقت لوأد صحوة المارد الإسلامي، وقمع الشعوب العربيّة وإطفاء جذوة نضالها.
وفقدت جبهة العلمانيين والديمقراطيين والاشتراكيين مصداقيتها بسبب تحالفها الدائم مع الدكتاتوريّات العسكريّة، وأنظمة الاستبداد، وتكريسها الدولة الأمنيّة، ونظام الحزب الواحد، ومساهمتها في تخلّف أمّة العرب سياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً.
وحالت دون تطبيق الشريعة، والنص في صلب الدستور على اعتبار الشريعة المصدر الأساسي للتشريع، وأفشلت كل محاولة لاستنباط الأحكام من مباديء الشريعة الإسلامية، وانقضّت على إرادة الشعوب وخيارها الإسلامي.
وفي ظل الأنظمة العلمانية التي ذاقت الشعوب ويلاتها، كانت الأحكام العرفية معلنة ومطبقة في عموم أنحاء البلاد العربيّة لسنوات طويلة، وكانت السجون وسراديب الاعتقال مشرعة الأبواب.
وتحالفت هذه الجبهة مع الأقليات الخائفة من تطبيق الشريعة في مصر للحيلولة دون استقرار نظام الرئيس الشرعي محمد مرسي، وهو الذي دعا إلى الحوار، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، منذ اليوم الأوّل لفوزه في الانتخابات.
ولم توفّر هذه القوى المشبوهة فرصة إلاّ ووضعت العصي في دولاب مسيرة إصلاحاته، واتهمته بالتبعيّة لإيران، وهو الذي ألقم الصفويين حجراً بسبب انحيازهم لنظام الأسد، وبدأت بالعد التنازلي لإسقاطه، وافتعلت أزمات النفط والغاز والرغيف، وأقامت الدعوى عليه بتهمة التخابر مع حماس، وهي تهمة تدعو للشفقة على من روّج لها، ووضعت بعد تحالفها غير المقدّس مع العسكر البلاد على شفا الحرب الأهليّة.
وأخذت الجاهلية الجديدة تتربّص بالإسلاميين، وتنقضّ على إنجازاتهم كلّما سجّلوا نجاحاً، واقتربوا من الحكم، فحمّلتهم أوزار وفساد من سبقهم، وشكّكت في نواياهم، حتى أنّ بعض العلمانيين ادّعى بأنّ مصر يجب أن تخضع من جديد لحكم العسكر، لأن الشعب المصري لم يبلغ درجة النضج بعد، لأنّه اختار الاسلاميين، وكأنّ واحداً وستين عاماً من الأنظمة العسكريّة الفاسدة لم يكف.
وكانت العقليّة الاستعماريّة التي رضع العلمانيون من أثدائها السبعة، قد ادّعت بعد فصل سوريّة عن الدولة العثمانيّة، أنّ السوريين غير مؤهّلين لنيل استقلالهم، فيجب أن يوضعوا في عهدة فرنسا، وتبين فيما بعد أنّ فرنسا كانت تريد ضم سوريّة إلى التراب الفرنسي كما فعلت بالجزائر قبل أن تقع في يد الجنرالات.
وأشد مايخشاه هؤلاء أن يحظى الإسلاميون بثقة الشعوب العربيّة، بسبب نظافة يدهم، وبعدهم عن الشبهات، فيصلوا إلى سدّة الحكم بالطرق الديمقراطيّة.
فيهبّوا لإقصائهم، والانقلاب عليهم، وتفتيت صفّهم، وقمعهم بالخوف، واستخدام القضاء لإزاحتهم، وسجنهم بأحكام سياسيّة تفتقد الحدّ الأدنى من العدالة، وحرمانهم من ممارسة حقوقهم السياسيّة، والحيلولة دون مشاركتهم في أي عمل سياسي.
ففي تركيّا حيث يشكل المسلمون 99% من الشعب التركي، كانت الحكومات العلمانيّة تتبارى في إصدار القوانين التي تحول بين الشعب التركي وعقيدته وتقدمه، وقام الجيش التركي بأربعة انقلابات عسكرية خلال أقل من 40 عاما، لتغيير حكومات مدنية منتخبة لأسباب مختلفة في مقدمتها حماية النظام العلماني من الخطر الإسلامي القادم، ويكفي أن يقوم رئيس منتخب مثل عدنان مندرس بتحويل الأذان إلى اللغة العربية لإقصائه ثمّ إعدامه.
وقام العسكر العلماني في باكستان التي قامت على أساس إسلامي بعد فشل الهندوس في إقناع المسلمين بأنهم سيحظون بمعاملة عادلة في ظل الأغلبية الهندوسية بالانقلاب على الشرعيّة، والحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى الحكم.
وعانت دولة بنغلادش من الانقلابات العسكريّة، وتدخّل العسكر العلماني في الحكم، حتى بات 42% من السكان يعانون نقصاً في التغذية، فلا غرابة أن تصنّف ضمن البلاد الأشدّ فقراً في العالم والأكثرّ فساداً.
وحال العسكر العلماني غير المنتج في العالم العربي دون تقدم الشعوب العربيّة ونهضتها، عندما استغلّ القضيّة الفلسطينيّة أبشع استغلال، دون أن يحقّق في هذا الميدان أي إنجاز، وشكّل نزيفاً دائماً وعبئاً على الاقتصاد الوطني في ظل الموارد المحدودة، على حساب مشاريع التنمية، وأهدر المليارات في بناء الشقق السكنيّة الفاخرة لكبار الضبّاط، والشاليهات، والاستراحات، ونوادي الضباط، واقتناء السيارات الفاخرة، حتى فاقت نسبة الانفاق على هذه الجيوش نسبة الانفاق على الصحة والتعليم.
واستخدم العسكر العلماني كافة أصناف الأسلحة بما فيها الدبابات والطائرات والصواريخ لقمع الشعوب العربيّة ووأد انتفاضاتها وثوراتها، ووجّه فوهات بنادقه وقناصاته إلى رؤوس المتظاهرين السلميين وصدورهم العارية، وكأنّ مهمته الأساسيّة قمع الشعوب وتكميم أفواهها.
وباتت الأنظمة الديكتاتورية في معظم الدول العربيّة تعتمد أساسا على دبابات العسكر وإرهاب أجهزة المخابرات، في تحالف مريب يستهدف منع وصول الاسلام السياسي إلى الحكم.
ورحم الله السلطان محمود الثاني الذي قضى على الانكشاريّة عام 1826 في (الواقعة الخيريّة) وأصدر الأوامر بتدمير ثكناتهم بالمدفعيّة بعد محاولتهم التمرّد، وهدم تكايا الدراويش البكتاشيّة، وأعدم رؤساءهم، وأقام تشكيلات عسكريّة بديلة سماها: (العساكر المنصورة المحمديّة) وافتتح المدارس العسكريّة الحديثة، وبنى السفن الحربيّة في دار الصناعة العثمانيّة.
إنّهم جميعاً لا يريدون نجاح تجربة مرسي ولا أردوغان لأنّهما حرما الفاسدين من نهب المال العام، وفضحا جرائمهم، ومنعوهما من استغلال مناصبهم، وضربا على أيدي البلطجيّة وتجّار المخدرات، وفضحا المتاجرين بالقضايا الوطنيّة والقوميّة.
ولأنّ نجاح تجربة مرسي سيجعل من المستحيل بعد ذلك اقناع المصريين خاصّة والعرب عامّة بتلك الشعارات الجوفاء التي اشتغلت عليها الأحزاب العلمانيّة والقوميّة دهراً.
فما من عاقل يصدّق دعوى تحالف (تمرّد) و(الانقاذ) و(العسكر) و(الكنيسة) لإصلاح الأوضاع، ولا دعوى النظام السوري المقاومة والممانعة، وقد تلوّثت أيديهم بالدماء وبدت أنيابهم الصفر.
إنّهم يريدون قطع الطريق على الإسلاميين ويخشون نجاحهم وإصلاحاتهم، "والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون".