شكرا أيها الملك

معمر حبار

[email protected]

منذ يومين، التقيت بأحد المراسلين، لإحدى الاسبوعيات الجزائرية، فقلت معاتبا.. أمسيتَ مراسل حرب، لأنه كتب مرتين متتاليتين عن النزاع في الصحراء. ثم قلتُ .. أخذتُ عهدا على نفسي أن لاأكتب في هذا الموضوع، إلا بما يقرّب الأفئدة، ويشرح الصدور، ويفرّج عن الشعوب. فالمجتمع الجزائري والمجتمع المغربي، أعزّ من أن تبتلعهما رمال متحركة.

ومن بين المواضيع التي يراها تجمع ولاتفرق .. إلغاء الملك الشاب، محمد السادس، للقرار الملكي الذي اتخذه، بشأن العفو عن الاسباني المجرم، الذي تعدى على 11 طفلا مغربيا، كما نقلت ذلك وسائل الاعلام المغربية المتعددة.

فالملك في هذه الحالة، امتلك جرأة الاعتذار لشعبه، وخاطبه في الحين، أنه لم يكن على علم بالجرائم التي اقترفها الاسباني، ووعد بفتح تحقيق في ذات الشأن، وألغى قرار العفو الملكي، وأرسل إلى الشرطة الدولية يطالبها باعتقاله. و فعلا ، جاء في أخبار اليوم، أن الاسباني اعتقل.

ودون التدخل في التفاصيل، التي تترك لأصحابها لتأكيدها أو نفيها .. فإن واجب الشكر والاعتراف، يفرض على المنصف، أن يشكر الملك على قرار الاعتذار لشعبه، وإلغاء قرارالعفو على الاسباني المجرم. فإن كانت الملوك لاتتراجع عن وعودها وهداياها، فإنها تتراجع عن أخطاءها، إن تبيّن لها ذلك.

والنظر إلى القضية من جهة أخرى، يبيّن بوضوح، دور المجتمعات في تغيير رأي الحكام والملوك. فالفضل أولا يعود للمجتمع المغربي الشقيق، الذي رفض قرار العفوالملكي، وخرج للشارع بأدب ونظام واحترام، محتجا على قرار العفو لا على الملك. وفي هذه الحالة، يشكر المجتمع المغربي، على الوقفة التاريخية التي وقفها، دفاعا عن عرض أبناءه الطيبين الأبرياء .. فكانت النتيجة، أن الملك لبى نداء شعبه.

لم يعد للحكام وللملوك، السلطة المطلقة في اتخاذ مايشاؤون، ويتخذون قرارات دون حسيب ولا رقيب. فالمجتمعات أمست شريكة في القرار، وبالطريقة التي تراها تَدفع لاتخاذ أحسن القرار، أو تُجبر على التخلي عن أسوأ القرارات. ويخطىء من يعتقد أن الشورى، ليست ملزمة لولي الأمر، بل هي ملزمة له في كل الحالات، ولايضير صانع القرار بعدها، أن يعتذر لمن أشار عليه، بما هو أفضل.

لو أن المجتمع المغربي الشقيق، اكتفى بقول من يقول، أن المطالبة بالحقوق، والخروج إلى الشارع بسلمية وهدوء، يعتبر خروجا عن ولي الأمر !! .. لما تحقّق الذي بين يديه الآن، من اعتذار الملك، وتراجعه عن القرار، ولعاود الاسباني وآخرون فعلتهم، دون محاسبة ولا اعتذار.

يفهم من هذا الموقف، أن قول عدم الخروج عن ولي الأمر، هو تغطية عن جرائم المارينز التي ارتكبت في حق الأبرياء من العرب .. حتى أمسى الجندي الأمريكي والغربي، لايُسئل عمّا يفعل، ولايحاكم حتى لو قتل شعبا بأكمله .. وأبدع في تعذيب الأخوة العرب في أبو غريب، وغيرها من الأماكن التي لم تعلم بعد .. ولعلّ أقربها إلى الذاكرة، استصحاب ساركوزي في طائرة رئاسية، للممرضات البلغاريات، اللواتي غرسن السيدا في أطفال ليبيين، دون أن تطالهم العدالة، ويمسهم العقاب .. وهو نفسه الذي اصطحب فرنسيين في طائرته الرئاسية، بعدما أدينوا بالمتاجرة بأبناء إحدى الدول الافريقية، والاعتداء عليهم، دون حساب ولاعقاب .. والدبلوماسي الأمريكي، الذي تعدى على عدة فتيات عربيات، ثم انصرف تحت جناح الليل، بدعم من السفارة الأمريكية في البلد العربي المعني، لكي لاتطاله المحاكمة، وطوي الملف إلى اليوم.

يبقى الموقف المشرّف، للملك السادس، المتمثل خاصة في الاعتذار والالغاء، .. درسا لرؤساء وملوك آخرين، امتطوا الدبابات لسحق كل من يخرج للشارع، للمطالبة بحق طار، وبظلم حطّ، بزعم أنه .. خروج عن ولي الأمر، وأن ولي الأمر لايخطىء، ولايعتذر !!.