شعب مصر وشعب السيسي
محمود القاعود
ثمة ازدواجية مقيتة صاحبت الانقلاب العسكري الدموي الغاشم منذ يوم 1 يوليو 2013م ، ولا وصف لهذه الازدواجية إلا بـ "الصفاقة" والوقاحة والتبجح والبهتان.
فبالعودة إلى خطاب عصابة الانقلاب الذى كتبه البئيس المتسلق أحمد المسلماني بركاكته المعهودة ، نجد أننا أمام منطق لا يختلف تماما مع المنطق الصهيوني فى قلب الحقائق وتزييف الواقع ، بما يحتم على كل المعنيين إعادة صياغة مفهوم كلمة "الشعب" التى ابتذلها السفاح عبدالفتاح السيسي وعصابة الانقلاب، ونسأل أى شعب يقصد هذا السيسي ؟
جاء فى بيان الانقلاب الغاشم يوم 1 يوليو: " شهدت الساحة المصرية والعالم أجمع أمس -30 يونيو- مظاهرات وخروجا لشعب مصر العظيم ليعبر عن رأيه وإرادته بشكل سلمي وحضاري غير مسبوق"
وأقول : نعم خرجت يومها ملايين تظاهرات فى رابعة العدوية وشتى المحافظات تأييداً لفخامة الرئيس محمد مرسي ، بالتوازي مع تظاهرات مدفوعة من قبل رجال أعمال حسني مبارك والسيسي وبعض أتباع تواضروس .
ويقول البيان : "لقد رأى الجميع حركة الشعب المصري وسمعوا صوته بأقصى درجات الاحترام والاهتمام. ومن المحتم أن يتلقى الشعب ردا على حركته وعلى ندائه من كل طرف يتحمل قدرا من المسؤولية في هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن"
هنا نسأل : أى شعب يقصده السيسي وعصابته ؟ اختزال كلمة الشعب فى فئة يجعل الكلمة فى قمة الابتذال لا سيما إن كانت هذه الفئة أقلية فشلت فى شتى الانتخابات وتريد حكم البلد بالدبابة .. أين هى أقصي درجات الاحترام والاهتمام بالملايين التى زحفت من كل حدب لإعلان تأييدها للرئيس مرسي ؟ ومن هو هذا الشعب الذى رد السيسي على ندائه وحركته ؟!
وجاء أيضاً فى بيان التبجح والاستهبال: "لقد استشعرت القوات المسلحة مبكرا خطورة الظرف الراهن وما تحمله طياته من مطالب للشعب المصري العظيم. ولذلك فقد سبق أن حددت مهلة أسبوعا لكافة القوى السياسية بالبلاد للتوافق والخروج من الأزمة، إلا أن هذا الأسبوع مضى دون ظهور أي بادرة أو فعل. وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار وبكامل حريته على هذا النحو الباهر الذى أثار الإعجاب والتقدير والاهتمام على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي"
السؤال أيضاً : ما هى مطالب الشعب المصري العظيم ؟ هل هى مطالب تواضروس وحمدين والبرادعى وعمرو موسي والسيد البدوي ونجيب ساويرس والبلاك بلوك وجبهة الخراب ، ثم ما هذا التبجح الصفيق فى فرض رأى الأقلية ووصفها بـ"الشعب " الذى أثار الإعجاب والتقدير والاهتمام ؟ لماذا لم يحظي أنصار الرئيس محمد مرسي بالإعجاب والتقدير والاهتمام وهم الذين لم يتحرشوا بامرأة ولم يخطفوا شيخاً ولم يخرجوا فى أتوبيسات الكنيسة وعربات الأمن المركزي ؟
ويواصل البيان الملفق الأكاذيب حول "الشعب" :" لقد عانى هذا الشعب الكريم ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه، وهو ما يلقي بعبء أخلاقي ونفسي على القوات المسلحة التي تجد لزاما أن يتوقف الجميع عن أي شيء بخلاف احتضان هذا الشعب الأبي الذى برهن على استعداده لتحقيق المستحيل إذا شعر بالإخلاص والتفاني من أجله"
وهذا الكلام السفيه لا محل له من الإعراب ، فالانقلابيون القتلة هم أبعد الناس عن الحنان والرفق، تشهد على ذلك مذابح الحرس الجمهوري والمنصورة وطنطا وبورسعيد والنصب التذكاري ، ومع ذلك لم تلق هذه المذابح بأى عبء أخلاقي أو نفسي على القوات المسلحة ، ولم تحتضن الشعب الذى يذبح ، بل أطلق السيسي كلابه فى الفضائيات ليسخروا من المذابح ويبدوا شماتة حقيرة فى الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم حتى لا تخطف إسرائيل الوطن.
إن هؤلاء الذين قاموا بهذا الانقلاب الدموي الصهيونى لا يمتلكون مثقال ذرة من خلق أوشرف أو كرامة ، ولا يعبأون بظلم الشعب المرابط فى المياديين منذ أسابيع ، لا سيما وهم أنفسهم الذين لم يعيروا الشعب أى اهتمام طوال ثلاثين سنة سام فيها حسني مبارك شعب مصر سوء العذاب .. لم يرفقوا بالشعب وقتها ولم تنفجر ينابيع الحنان ولم يحتضنوا الشعب ، ولما قامت الثورة انتظروا لمدة ثمانية عشر يوما ليزيحوا مبارك بعد أن قتل المئات واعتقل الآلاف.
إن مفهوم الشعب الذى تعبر عنه بيانات عصابة الانقلاب إنما يُعبر عن قلة انحاز لها السيسي بضوء أخضر أمريكي لتفتيت البلد وإشعالها وتدمير مقدراتها لحساب الكيان الصهيوني..
حتى الآن لم تعتبر عصابة الانقلاب الملايين التى تخرج يومياً فى الشوارع ضد الانقلاب أنها من "الشعب" فى حين تعتبر ذات العصابة مجموعات الإجرام والخطف والاغتصاب وحرق المنازل " المواطنين الشرفاء" ! أى هوان هذا وأى غار؟
لقد لوثت عصابة الانقلاب سمعة القوات المسلحة وجعلتها فى الحضيض، بل أظهرتها أنها وقات طائفية تعمل لحساب تواضروس وغلاة العلمانية الذين يعلنون الحرب الصريحة على الإسلام ..
لقد كان لبيانات القوات المسلحة سابقاً هيبة ووقع فى النفوس وينتظرها الجميع لما تحويه من مصداقية وتعبير عن رأى الشعب الحقيقي وليس شعب تواضروس وساويرس ومدينة الإنتاج الإعلامي والهشك وبشك ..
صارت بيانات القوات المسلحة فى عهد السيسي مصدرا للشجار بين بائعى اللب والسودانى للبيع في الأوراق التى كتبت عليها ..
حتى المتحدث العسكري تفرغ لحضور الحفلات بصحبة الغيد الحسان بما أضر هيبة وسمعة الجيش المصري وأكثر من ذلك أن يكذب علناً مثل سيده الخائن السيسي ..
أهذه هى رغبة شعب مصر ؟ أهذا هو الحنان والرفق ؟
هل عندما منعتم البنزين والسولار طوال شهر يونيو حققتم الأمن والأمان ؟ أهذا هو مفهوم الأمن القومي لدي السيسي ؟!
صار هناك الآن تمايزا فى المصطلحات .. فالشعب المصرى العظيم بعيد تمام عن "الشعب" الذى يقصده السيسي وعصابته .. الشعب المصرى العظيم يقف فى الميادين منذ أسابيع برغم الحر الشديد والصيام معلناً رفضه للانقلاب الدموي الغاشم، فى حين شعب السيسي يرقص فوق الدبابات ويقتل الأبرياء ويشمت فى الموت ويخرج فى الفضائيات ويحاصر المساجد والمصلين ويحرق المنازل ويهين الشيوخ والعلماء ويعتقل الشرفاء ..
الشعب المصري العظيم نزل عن بكرة أبيه لرفض الانقلاب الدموي العسكري ولم يرفق به قادة الانقلاب .. لم يحنو عليه قادة الانقلاب .. لم يرد على ندائه قادة الانقلاب .. هم فقط اكتفوا بصم آذانهم عن هتافات عشرات الملايين التى تخرج يوميا لتسمعهم فى كل مكان : ارحل يا سيسي .. مرسي رئيسي..
ومن هذا المنطق أقترح على عصابة الانقلاب ألا تخاطب شعب مصر العظيم بل تخاطب " شعب السيسي" الذى ترفق به وحده وتحنو عليه وحده ، فذلك أفضل جدا .