الترويع ليس حلا!
أ.د. حلمي محمد القاعود
في الأسبوع الفائت ، ملأ الفضاء الإعلامي عدد من الأحداث المهمة تصب كلها في فشل المنظومةالانقلابية في فرض إرادتها على المجتمع ،وإخضاع أطرافه لما يسمى القانون ، واستعادة ما يسمى هيبة الأمن وضبط الأحوال السلوكية والعامة، وهوما كان يلح عليه الانقلاب العسكري الدموي الفاشي مذ بدأ يبرر وجوده غيرالشرعي في الواقع السياسي والدستوري والقانوني !
أول الأحداث كان مضحكا وفكاهيا ،ولكنه في حقيقته محزن ومؤسف ، فقد فوجئ الناس على بوابة مطار القاهرة التي تغص بالحراس والأجهزة الأمنية والبوابات الألكترونية بوجود حمار يتجول آمنا مطمئنا بين المسافرين والقادمين والسيارات ويبحث في أرض المطار عن عشب أو بقايا طعام يتقوّت عليها . لم يعرف أحد كيف دخل الحمار إلى الساحة المحظورة على غيرالآدميين المسافرين أوالقادمين ، وتوالت التعليقات الساخرة عن الحدث الذي وصفه مسئول كبير بأنه نتيجة استغلال لثغرة أمنية!
ثاني الأحداث جرى في المطار أيضا ،وكانت بطلته سيدة ثرية قيل إنها راقصة أو سيدة أعمال، قامت بإهانة أحد الضباط وسبّته وضربته على صدره ورشته بالماء ،وهددته بخلع ملابسها كاملة ، وكانت قدخلعت بعضها بالفعل ، وأظهرت أجزاء من جسمها مهددة إياه بأنها ستنفذ إرادتها وتركب الطائرة ولن تخضع للتفتيش . وتضاربت الأنباء عن السيدة ما بين إعلان عن القبض عليها وإيداعهاالسجن بعد التحقيق معها ، وبين كلام عن وجودها في بيتها وأنها لم تعاقب ، لأنها ابنة ملياردير من الواصلين، ومازال الأمر غامضا بالنسبة لمصيرالسيدة التي واجهت ضابطا برتبة مقدم مواجهةغير مألوفة .
قالت الداخلية إن الضابط المذكور عامل السيدة برقي حضاري ، وضبط نفس ، وحرص على القانون ، ولم يسمح لها باستفزازه !
ثالث الأحداث جاء من أسوان ،وكان فحواه : سحْل مهندس شاب من جانب الشرطة ، ووضْع أمين شرطة بيادته فوق صدره وهو مسحول . واعترف بيان الداخلية بالواقعة وإحالة أمين الشرطة إلى التحقيق .
رابع الأحداث كانت في بيتي بالقرية التي أقيم بها ، حيث جاءت الحملة العسكرية التي تضم قوات ضخمة في ثلاث سيارات لوري للقبض على ولديّ . التهمة لم تكن واضحة . والحملة استهدفت مجموعة من الشباب بعضهم قارب الخمسين . معظم أفراد الحملة من الملثمين، إلى جانب المخبرين الذين يرتدون ثيابا مدنية وبنيانهم الجسدي قوي يتميز بالطول الفارع والقوة العمياء .
كان العنف والترويع سمة الحملة الصاخبة المتكررة التي بدأت بعد منتصف الليل (فجر الأحد 3/5/2015) ، بدأ التكسير على الباب الرئيسي . فزع النوّام، واستيقظوا يلملمون أنفسهم ويسترون أجسادهم وسعادة الضابط مع قواته الملثمة المسلحة بالرشاشات والبنادق والمسدسات يشخط وينطر ، ويطلب من النساء اللاتي رددن عليه سرعة فتح الباب، ويهدد بالويل والثبور، وحين انفتح الباب انطلقت قوات الغزو تعيث في أرض الأعداء فسادا ، وتنكل بأبواب الشقق، ويقال لهم انتظروا حتى تأتي المفاتيح ولكن القوم في حميتهم الوطنية(؟) لايتركون فرصة للأعداء ، وبأقوي عزائمهم يضربون الأبواب بأحذيتهم الثقيلة لتنفلق الحلوق والأخشاب ، وبعدها يتم قلب المتاع رأسا على عقب . حين جاءوا إلى غرقتي ، وأنا العجوزالمريض الذي بلغ السبعين ونام بعد حقنه بالدواء يقولون لي : انزل من على السرير لنفتش تحتك . ماذا تريدون يا بني؟ تفتيش! في سري : هل ستجدون صواريخ سام أوتخصيب يورانيوم؟ يا أمة ضحكت من ...الأمم؟
أسر الغزاة أحد أبنائي وسحبوه حافيا وشحط ضخم يضع رقبته بين ذراعه ، وألقوا به في إحدى سيارات الحملة، وفي الصباح وقف الأسير مع آخرين أمام النيابة متهما بسبعة عشراتهاما جنائيا تفضي إلى الإعدام والمؤبد منها : قطع الطريق وإحراز سلاح غير مرخص ، وتكدير السلم العام ، وقلب نظام الدولة ، والانضمام إلى جماعة محظورة ، والاشتراك في مظاهرة غير مصرح بها إلى آخره ...
طبعا كانت تهمة الاشتراك في مظاهرة غيرمصرح بها من أغرب التهم . لقدأخذوا الأسير أمام العشرات حافيا بملابس النوم ، فكيف يشارك في المظاهرة بهذه الهيئة ؟ ثم أين هي المظاهرة بعد منتصف الليل في قرية تنام بعد صلاة العشاء ؟
قالت النيابة للأسير : إذا جاء الضابط وأقسم أنه أتي بك من المظاهرة فلا مفر من إدانتك ! للأسف جاء الضابط وأقسم ،وحين سمع من تقول له: هل هذا يرضي ربنا ؟ قال لها : خلي ربنا ينفعك !
تذكرت عندما سمعت هذا ما كان يقوله شمس بدران للشيخ الأودن - رحمه الله - وهو في السجن الحربي ، وكان يغطّسه في مجرور الصرف الصحي : لوجاء ربك – وأستغفر الله - سأضعه مكانك !!
وإذا بالانتقام الإلهي يجعل من شمس بدران ذليلا يهيم على وجهه بعيدا عن أرض الوطن حتى اليوم ،بعد أن ذاق عام67 هزيمة عسكرية مروعة لم يسبق لها مثيل في التاريخ وكان وزيرا للحربية وقائدا فعليا للقوات التي ولت الأدبار أمام العدوالصهيوني وتركت له قطاع غزة وسيناء ومكنته من الضفة والقدس والجولان وغور الأردن ومزارع لبنان ! ياله من عار لحق به ولن يمحي على مدى التاريخ! أماالشيخ الأودن فقدحظي بجوار أكرم الخلق –صلى الله عليه وسلم – حتى رحيله ودفن بالبقيع أطهرمكان!
الأسيرظل رهينة لدي الشرطة والنيابة حتى فجر اليوم التالي ، تحرك أصحاب الضمير الحي ونقابة الصحفيين وفي المقدمة النقيب يحيى قلاش الذي لم ينم ليلة كاملة وهويتابع ويتصل مع بقية الأعضاء باستثناء أحد الأعضاء الموالي لحزب اللحى التايواني الذي كان يبدو ضجرا ومثبّطا ومذعورا !
استقبلت الأسير المحرر بفضل الله ثم بفضل جهود المخلصين والمتعاطفين الذين لم يبخلوا بمشاعر المودة والإنسانية والتراحم .. ويبقى السؤال :
هل سيصل الوطن إلى الأمن والأمان عن طريق الترويع والرعب والتخويف ؟ هل نسمي الوطن الذي ينام فيه المواطن وهو يصحو فزعا على صوت طرق حاد على الباب أوصوت سيارة تقف عند بابه في جوف الليل لا يدري هل هي نذير شرأو بشير خير؟ وهل يظل الناس أسرى للبصاصين والمخبرين وجلاوزة االعنف والقهر ؟
الأوطان تبني بالحرية والكرامة والحوار والتنافس السلمي والعلم والمعرفة ، وساعتها لن نرى حمارا يتجول في المطار ولا سيدة ثرية تضرب ضابطا ولا أمين شرطة يضع بيادته فوق صدر مواطن شريف ، ولا قوات ملثمين تروّع في قلب الظلام بيتا آمنا وتخطف أحد أفراده الذي يعمل صحفيا وكاتبا مرموقا ويشرّف بلاده !
الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين.اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!