النظام الانتخابي وأثره على حرية الناخب في الاختيار
النظام الانتخابي وأثره على حرية الناخب في الاختيار
د. ضياء الجابر الأسدي
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
يحتدم الجدل في مجلس النواب بجانبيه السياسي والقانوني حول النظام الانتخابي الذي سيتم تبنيه واعتماده في انتخابات مجلس النواب القادم، الأمر الذي يتطلب إدخال تعديل على قانون انتخاب مجلس النواب رقم (16) لسنة 2005 المعدل، أو الإبقاء على القانون بعد تعديله سابقاً والانتقال من القائمة المغلقة إلى القائمة المفتوحة، وهجر نظام الدائرة الانتخابية الواحدة لعموم العراق إلى نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، إذ أصبحت كل محافظة دائرة انتخابية واحدة.
ومادام هذا النظام يتعلق بحق مهم من حقوق المواطن العراقي باختياره لنوابه في السلطة التشريعية، لابد لنا كمدافعين عن الحقوق والحريات أن نضع المجهر على تفاصيل هذا النظام برؤية قانونية للخروج بنظام انتخابي مناسب يضمن للمواطن عدم التلاعب بهذا الحق الأصيل ليتم تبنيه في الانتخابات البرلمانية القادمة، من خلال مشروع قانون يتم طرحه للنقاش ضمن جلسات البرلمان اللاحقة.
ومن أجل توضيح الصورة أكثر حول النظام الانتخابي المعمول به حالياً والذي تشكل في ضوء أحكامه مجلس النواب في دورته الحالية، والذي يمكن تسميته بـ(نظام القائمة المفتوحة)، والدوائر الانتخابية المتعددة، إذ كانت كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة، وتم الترشيح في ضوء الشروط الواردة في الدستور وقانون الانتخاب رقم (16) لسنة 2005 المعدل، وما أصدرته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من أنظمة انتخابية منظمة لتلك العملية كونها الجهة المختصة في الأعداد والإشراف والرقابة على العمليات الانتخابية في العراق، وذلك بموجب الأحكام القانونية المنظمة للعملية الانتخابية (النصوص الدستورية، نصوص قانون الانتخاب رقم(16) لسنة 2005 المعدل، قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة 2007 المعدل، الأنظمة الانتخابية الصادرة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات).
وجرت الانتخابات من قبل الناخبين المسجلين في سجلات الناخبين الذي أعدته المفوضية اعتمادا على المعلومات المتوافرة لدى وزارة التجارة (نظام البطاقة التموينية)، مع تحديث السجل بشكل دوري ومستمر وفقاً لأنظمة انتخابية موضحة للطريقة المعتمدة في ذلك، وتم الاختيار من قبلهم أما للقائمة ذاتها، أو لأحد المرشحين في القائمة وفقاً للآلية التي رسمتها المفوضية في بطاقة الاقتراع، والكيانات الفائزة هي التي تحصل على القاسم الانتخابي المطلوب (العتبة) الذي يتأتى من خلال قسمة عدد الأصوات الصحيحة المشاركة في الانتخابات على عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة، ووزعت المقاعد بهذه الطريقة مع رد المقاعد التعويضية على القوائم التي حصلت على أعلى الأصوات في العملية الانتخابية، أما القوائم التي لم تصل حد العتبة لم تحصل على أي مقعد تعويضي.
أما اليوم فهناك من يؤيد النظام الانتخابي السابق، بسلبياته وايجابياته، أي نظام القائمة المفتوحة مع الدوائر الانتخابية المتعددة، لكن هذا الأمر يراه البعض يصطدم بقرار المحكمة الاتحادية العليا بخصوص العملية الانتخابية وضرورة كفالة مبدأ المساواة في التمثيل وحرية الانتخاب، الذي قررته المحكمة بخصوص رفض تعديل قانون الانتخابات في ضوء ما اقره مجلس النواب بالنسبة للقانون رقم (36) لسنة 2008 المعدل قانون انتخاب مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم.
ونحن نرى أن ما قررته المحكمة الاتحادية بخصوص انتخابات مجالس المحافظات ورفض التعديل الذي اقره مجلس النواب لقانون انتخابات مجالس المحافظات سالف الذكر، لا يلزم المجلس بخصوص ما سيقرره بالنسبة للنظام الانتخابي الذي سيتم تبنيه لانتخابات مجلس النواب القادم، اللهم إلا من حيث المبدأ وهو ضمان مبدأ المساواة في الانتخابات وحريتها.
وهناك اتجاه ضمن هذا الرأي يرى إمكانية تبني نظام القائمة المفتوحة مع الدوائر الانتخابية المتعددة على ضوء ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات من حيث تبني نظام "سانت ليغو" في توزيع المقاعد البرلمانية، ولكن يؤاخذ على هذا الاتجاه انه لا يحقق الأغلبية المنشودة مما يجعله حجر عثرة أمام تشكيل الحكومة المقبلة التي تحتاج إلى أغلبية معينة حتى لا تتكرر الإشكاليات التي حصلت في انتخابات مجالس المحافظات، وأن كانت فيه عدالة وضمان لحقوق القوائم التي لم تحصل على عدد أصوات اقل من القوائم الكبيرة، ثم ما المانع من تشكيل الحكومة في ضوء تشكيل الائتلافات السياسية في ضوء الاتفاقات التي تتم في حينها، فتتكون حكومة أغلبية برلمانية قوية، تستطيع أن تمارس دورها الفعال في ظل وجود أغلبية برلمانية ورائها داعمة وساندة في مجلس النواب.
وهناك من يدعو إلى الرجوع للنظام الانتخابي الذي كان مطبقاً في عام 2005 قبل تعديل القانون الانتخابي، أي نظام القائمة المغلقة، والدائرة الانتخابية الواحدة، ولا يخفى ما لهذا النظام من سلبيات دعت المشرع إلى تعديله، فهو يقيد حرية الناخب في الاختيار ويجبره على اختيار قائمة قد تضم أشخاص لا يجدهم يعبرون عن رأيه وتطلعاته كممثلين في البرلمان وقد يحققون النجاح بسبب هذا النظام الانتخابي، كما أنه يحرم الكيانات أو القوائم الصغيرة من فرصة حقيقية للمنافسة في الحصول على المقاعد الانتخابية، لأنه يتبنى نظام الدائرة الواحدة لعموم العراق مما يعني أن الأصوات للكيانات السياسية تحسب على عموم العراق مما يجعل القاسم الانتخابي كبير أو عالي جداً، وبالتالي لا يتحقق إلا للكيانات والقوائم الكبيرة، كما أن المقاعد التعويضية ترد على القوائم الحاصلة على أعلى الأصوات والمجتازة للعتبة الانتخابية والحاصلة على القاسم الانتخابي.
وهناك فريق ثالث يدعو إلى تبني نظام القائمة المفتوحة والدوائر الانتخابية المتعددة بحسب عدد أعضاء مجلس النواب فيكون العراق (325) دائرة انتخابية، محتجين بالنصوص الدستورية والقانونية المؤكدة لها بأن كل (100) مائة ألف نسمة يمثلهم نائب واحد، يجدونه أسلم وأفضل الأنظمة في الوقت الحاضر ويمثل حرية الناخب أفضل تمثيل، كما أن فيه توزيعاً عادلاً للمقاعد البرلمانية، على مناطق المحافظات جميعاً، وهذا ما نؤيده نحن بدورنا كونه أفضل وانسب النظم في المرحلة الحالية ويضمن عدالة في توزيع المقاعد النيابية ولا يمنع من تحقيق الأغلبية التي تنشدها الكتل السياسية الكبيرة والتي تراها ضرورة ملحة لتشكيل الحكومة.
في ضوء الآراء المتقدمة نجد أن المجلس سوف لن يجازف في اعتماد نظام القائمة المغلقة ونظام الدائرة الواحدة، لوجود ضغوطات عديدة في مقدمتها ما أبدته المرجعيات الدينية، ورأي الجماهير العراقية التي أصبحت واعية بدرجة كبيرة قد تنعكس في العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية القادمة، ورأي كتل مؤثرة في البرلمان التي أبدت معارضتها لذلك، بل سيتبنى نظامناً انتخابياً يعتمد القائمة المفتوحة والدوائر الانتخابية المتعددة، دائرة انتخابية لكل محافظة (18) دائرة انتخابية، وليس نظاماً يقوم على تقسيم العراق إلى (325) دائرة انتخابية، وهو النظام الذي اعتمد في الانتخابات البرلمانية السابقة مع إيجاد آلية جديدة لتوزيع المقاعد الانتخابية، ولاسيما التعويضية وبالشكل الذي يحقق مصالح الكتل النيابية الكبرى في البرلمان، بحيث لا تفرط بالأغلبية التي يمكن أن تحققها من خلال ذلك النظام الذي سيتم اعتماده، ولن يتم اعتماد نظام (سانت ليغو) الذي تم اعتماده في انتخابات مجالس المحافظات على الرغم ما فيه من ايجابيات للقوائم الانتخابية الصغيرة، لمعارضة العديد من الكتل السياسية له.
.............................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات..