يا عيب الشوم على شباب وعلماء سورية .. الفُرًار من الزحف ..

د. موفق مصطفى السباعي

يا عيب الشوم على شباب وعلماء سورية..

الفُرًار من الزحف ..

د. موفق مصطفى السباعي

[email protected]

إن الذي دفعني .. ويدفعني بقوة متناهية .. وبحماس شديد ..  مع حرقة وألم ولوعة هو:

 ما قرأته على الشبكة من قول مخلص وبريء وإستنكاري لأحد الليبيين معاتبا لأحد السوريين الفارين إلى ليبيا قائلاً :

والله أنتم السوريون حيروتنا .. تطلبون الدعم من العالم .. وتشكون وتبكون .. وأنتم .. شبابكم ورجالكم .. يتركون سورية للذبح والقتل .. والتدمير والتخريب .. ويأتون إلى ليبيا ليفتحوا مطاعم الشاورما والفلافل والحمص .. بينما شبابنا يذهبون إلى بلدكم ليدافعوا عنكم .. ويُستشهد يوميا على الأقل .. ليبي واحد!!!!

كلمات حق وصدق .. قوية .. مزلزلة .. بل مجلجلة ..

بل إنها كالخنجر القاطع البتار .. يخترق الأحشاء كلها ليصل إلى  صميم الفؤاد .. يمزق نياط كل من له قلب .. أو نفس فيها ذرة قطمير من عزة وكرامة .. أو شهامة ومرؤة ..

رجال .. ولا رجال يهربون تحت جنح الظلام .. يفرون بأجسادهم .. المرتجفة المرتعشة .. الخائفة .. الخاوية من معاني الرجولة .. والإنسانية .. وبأموالهم الحريصين عليها .. العاضين عليها بكل نواجذهم وأسنانهم .. تاركين وراءهم أهليهم وأقرباءهم .. وجيرانهم من العجزة والأطفال والنساء .. لتقتلهم العصابات المجوسية الباطنية الرافضة التي أتت من كل أقطار المعمورة ..

إن ظاهرة الفرار والهروب من المعركة لدى ما يسمى رجالات سورية .. غريبة وعجيبة .. ومدهشة .. وتتناقض مع الطبيعة السورية العامة .. المتصفة بالعنفوان والقوة والتحدي .. ومتعاكسة مع بقية الشعوب العربية الأخرى .. التي تعرضت أيضا إلى مآسي ومحن وشدائد ومصائب قد تفوق في بعض الأحيان ما تعرض له الشعب السوري .. ومع ذلك لم يفر .. ولم يهرب منهم إلا أعداد قليلة .. وقليلة جدا ..

وهذه الظاهرة – للأسف - ليست جديدة .. بل هي قديمة منذ أيام الأسد الأب .. وأيام الثورة السورية الأولى عليه في ثمانينات القرن الماضي .. حيث تدفق السوريون بعشرات الآلاف .. بل بمئات الآلاف يفرون إلى أرض أردنستان وإلى بلاد آل سعودستان ..

علما بأن الكثير منهم لم تكن له علاقة بالثورة في ذلك الوقت ..لا من قريب ولا بعيد .. ولكنه الخوف والهلع والرعب وحب الدنيا .. ولو كانت بالمذلة والمهانة ..

إذ أنه كان قسم غير قليل من الفُرًار يعيش على المساعدات وينتظر الإعانات .. ويتسول الناس ..

وقسم آخر أخذ يعمل في التجارة والصناعة ويفتح المحلات والمطاعم .. وما أشهر السوريين وأبرعهم .. بالأكل والطعام وفنونهما .. ويكدس الأموال فوق الأموال  ..

ونسي أنه لا يزال يوجد في سورية عدو شرس يمد جذوره في الأرض .. وأغصانه وأوراقه في السماء .. ويثبت دعائمه وركائزه في كل مكان .. ويحول البلد كلها إلى مزرعة خاصة به .. يتصرف فيها كيف يشاء دون رقيب ولا حسيب ..

ولكن الأنكى والأمرَ .. والأدهش والأغرب والأعجب ..

أن العلماء والمشايخ .. وأصحاب المشروع الإسلامي .. الذين يُعتبرون هم ملح الأمة  .. وقادتها وروادها .. ومشاعلها المضيئة المنيرة .. الهادية إلى طريق الخير ..

كانوا من السباقين إلى الفرار .. والهروب .. قديما وحديثا .. واختار معظمهم الإستقرار في بلاد آل سعودستان .. حيث رفاهية العيش .. ورغد الحياة .. ولذة الطعام والشراب .. المغموسة بمرق المذلة والمهانة .. وسهولة التنقل بالسيارات الفارهة المريحة .. بدلا مما كانوا يتنقلون على أرجلهم .. أو بالباصات العامة .. مما أدى بهم إلى إنتفاخ أجسامهم .. وزيادة وزنها إلى ضعف ما كانت عليه في سورية ..

وياما دارت بيني وبينهم أيام زمان نقاشات .. ونقاشات .. وانتقدت فرارهم وهروبهم وخذلانهم لأمتهم وشعبهم .. وتخليهم عن واجبهم ورسالتهم التي خُلقوا لأجلها .. ونقضهم ميثاق الله الذي طالبهم به الله .. لتبيان كتابه وآياته للناس :

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ    آل عمران آية 187

وقلت لهم بالصوت العالي .. والفم الملآن مرات .. ومرات :

يا علماء الأمة ليس مكانكم هنا .. في هذه البلاد المترفة .. المخدرة للأعصاب .. القاتلة للهمم والمرؤة والنخوة ..

ولا تغرنكم بضع كلمات تلقونها هنا أو هناك .. أمام حشد من جاليتكم .. التي هي الأخرى ليس لها هم إلا متاع الحياة الدنيا ..

مكانكم على أرضكم التي أنبتتكم .. لتصارعوا الباطل .. وتقارعوا الطاغوت .. وتدافعوا عن شعبكم .. وتقولوا الحق لا تخافوا في الله لومة لائم .. أمام هذا المستبد الطاغي ..

وخير لكم أن تموتوا أجمعكم في سبيل الله .. من أن تعيشوا حياة المذلة والمهانة ..

وحينها تصبح  دماؤكم نارا تحرق الطغاة والظالمين .. ونورا تضيئ دروب المؤمنين .. وتكونوا من الخالدين .. كما قال إمام المجاهدين .. وسيد العرب والعجم في القرن العشرين :

إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح .. وكتبت لها الحياة ...

وللحق والأمانة والتاريخ .. نقول :

ليس كل السوريين الفُرَار سواء ..

منهم أمة يتلون آيات الله آناء الليل وأطراف النهار .. ويجاهدون في سبيله .. بأموالهم وأنفسهم حق الجهاد ..

ويبقى الأمل معقود بعد الله على الصامدين .. الصابرين .. المرابطين على أرض الشام ..

فأؤلئك هم الأخيار .. وهم الأبطال .. وهم الرجال ..

أما سواهم فغثاء .. غثاء ..