من لبنان إلى سوريا ومصر

يبدو أن مؤسسة الجيش

منصة لتولي السلطة.. أو لحمايتها

حسان القطب

المشهد واحد رغم تعدد الأسماء وتنوع الأسباب والدوافع، والنتيجة واحدة هي أن الجيش في كل دولة من هذه الدول في مواجهة شعبه اكثر منه التزاماً بالدفاع عنه وحمايته... والعقيدة القتالية واحدة  عنوانها ومضمونها حماية رؤوس النظام والحزب الحاكم والقائد الملهم..أو منع القوى الديمقراطية من الوصول إلى السلطة..

المشهد السوري كان اكثر تعبيراً فالجيش السوري الذي يفوق عتاده قدرته على الاستعمال والاستخدام لم يطلق طلقة واحدة باتجاه العدو الصهيوني، بل كان شديد الحرص على الحفاظ على الهدوء والسكينة على جبهة الجولان المحتل، وفتح معابر التسوق والتنقل بين الجولان المحتل ودولة سوريا... تعبيراً عن الالتزام الدقيق باتفاقية الهدنة وفك الاشتباك.. الموقعة عام 1974...وعندما انطلقت المظاهرات السلمية لتطالب ببعض الحريات فتح الجيش السوري ناره بقوة وبعنف على شعبه الذي دفع وسدد ثمن سلاح هذا الجيش لحمايته والدفاع عنه واسترجاع أرضه..فقد رهن الجيش السوري مساره وقدراته ومخططاته لحماية شخص الرئيس وعشيرته وليس لحماية شعبه وتحرير أرضه المحتلة...فقد ربط الجيش السوري مصيره ومصير البلاد بمصير الرئيس وطائفته وعلاقاته الدولية وتحالفاته..؟

في لبنان.. معركة عبرا بعنفها وقسوتها كانت نموذج مشابه، ولكن ما أساء أكثر للجيش وسمعته ودوره ومصداقيتة وجعل ثقة المواطن اللبناني بشعار أن الجيش لكل الوطن ولحمابة المواطنين تهتز وتصبح موضع تساؤل..؟؟ فإذا كانت المعركة في بلدة عبرا مبررة تحت عنوان الاعتداء على الجيش وهذا عمل مرفوض بالطبع.. فإن من غير المفهوم بل من غير المقبول أن يتم الاعتداء على المواطنين على حواجز الجيش وكيل الشتائم والضرب دون رحمة وبلا هوادة ودونما سبب والتوقيفات العشوائية والاعتقال على الشبهة وبسبب الانتماء لمنطقة معينة أو بسبب صور او عبارات موجودة على الهاتف النقال... وهذا ما جعلنا جميعاً نتساءل اين هذا الجيش من السلاح الذي يعبر الحدود مع سوريا بالاتجاهين..؟؟؟ وأين التحقيقات التي يجب ان يطلقها القضاء لمعرفة أسباب وفاة الشباب اللبناني قتلاً في سوريا... ومن الذي أصدر الأمر لهؤلاء الشباب بالتوجه إلى سوريا والموت هناك دفاعاً او هجوماً.... لأن الأمن مسؤولية الدولة في الداخل حصراً ... والقتال عبر الحدود هو قرار رسمي لبنان وليس حزبي او ديني... ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود...؟؟؟ التجاهل لما يجري هو الصفة الغالبة والصمت هو الرد الوحيد... ولكن في نفس الوقت نتعرض نحن كأبناء هذا الوطن لاعتداءات واستفزازات وانتهاكات من قبل عصابات حزب الله وحركة امل ولا من مغيث.. ولا من معين... ولا من رقيب....ولا قانون وحساب وحسيب... والمعيب أكثر ان رئيس ميليشيا امل هو رئيس البرلمان نبيه بري.. الذي من مجلسه تصدر القوانين ويتم التشريع..؟؟؟؟؟ وأين هذا الجيش من الرد على الاعتداءات التي يقوم بها جيش بشار الأسد ضد مواطنين لبنانيين..؟؟؟ في قرى عرسال ووادي خالد وعكار..؟؟ حتى ان السفير الإيراني عبّر عن إعجابه بأداء الجيش اللبناني هذا فعرض تسليحه وتدريبه...؟؟؟

أما في مصر، فكان الانقلاب العسكري الذي قام به اللواء السيسي، فضيحة مدوية لجيشٍ يفترض ان مهامه حماية الوطن والشعب والنظام والثورة ومصالح الأمة... فإذا به يصبح جزءاً من اللعبة السياسية..إلى جانب فريق سياسي ضد اخر.. ويمارس هذا الجيش لعبة تغيير التوازنات وتجاهل إرادة الشعب باسم إرادة الشعب، وكان صندوق الإقتراع ليس معبرّاً عن إرادة الشعب وتطلعاته.. ولكنها اللعبة الدولية التي ترسم مسارات سياسية لجيوش صنعت وبنيت لتمارس السياسة في الداخل ولحماية مصالح قوى خارجية..ويتدخل القضاء مباشرةً وهو الذي عطل محاكمة مبارك وفريقه الذي استباح مصر وثرواتها لأكثر من سنتين ليعتقل قادة حركة الإخوان وبعض القيادات السياسية ويباشر إصدار الحكام بحقها بسرعة قياسية... وباسم حماية الحريات والديمقراطية في مصر وإعطاء دورٍ لكل القوى السياسية ومنع اخونة النظام كما كان يقولب عض الإعلاميين والسياسيين فقد تم إغلاق صحف ووسائل إعلام مصرية مؤيدة للإخوان المسلمين في سياسة أمنية وقمعية همجية سبق أن عاشتها مصر إبان فترة عبدالناصر وعهد مبارك من بعده..؟؟؟ والحديث والبيان الذي أعلنه السيسي عن إجراء انتخابات مبكرة نيابية ورئاسية.. يجعلنا لا نثق به وبها... إذ أن الدكتور مرسي قد فاز برئاسة مصر عبر الانتخابات التي أشرف عليها الجيش المصري وقضائه... فما الضمانة اليوم ان لا يتكرر السيناريو نفسه... ويتم عزل الرئيس المنتخب او حل البرلمان المنتخب في المستقبل القريب كما جرى خلال الفترة الماضية....؟؟؟ إلا إذا كان الجيش سوف يتحكم بأسماء المرشحين وانتمائهم بمساعدة القضاء....؟؟؟؟؟؟؟ ليحكم من خلف الستار ومن وراء حجاب..؟؟؟

كما يبدو فإن الجيش قد أصبح في هذه الدول اداة سلطة وقمع وليس مؤسسة لحماية الوطن....في لبنان كان الطامح الأول للسلطة من العسكريين اللواء فؤاد شهاب إبان ثورة عام 1958، ولعب حينها سياسة التوازن بين الثوار والرئيس الراحل كميل شمعون إلى ان استتب له الأمر وتسلم زمام الأمور.. عام 1958.. وأصبح رئيساً للجمهورية... ومن ثم لعب على التناقضات واستياء المجتمع المسيحي من ممارسات الميليشيات في المنطقة الشرقية من لبنان.. الجنرال ميشال عون.. فمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية عام 1988، وأجبّر الرئيس الأسبق أمين الجميل على تسليمه السلطة تحت لقب رئيس وزراء لبنان.. ليتنازع السلطة التنفيذية حينها مع الرئيس سليم الحص..ثم قام النظام السوري بدفع البرلمان اللبناني لتعديل الدستور لمرة واحدة وانتخاب الجنرال إميل لحود رئيساً للبنان لمدة ستة سنوات مع التمديد له ثلاث اخرى فحكم لبنان 18 سنة قائداً للجيش مع التمديد له، ورئيساً للبنان مع التمديد له.. برعاية وعناية ووصاية سورية - إيرانية ..مما سمح لحزب الله بوضع يده على لبنان شيئاً فشيئاً خلال عهده... ودفع لبنان واللبنانيين ثمن حرب 7 آيار عام 2008، مجدداً فتم على أثرها انتخاب الجنرال ميشال سليمان رئيساً للجمهورية كتسوية سياسية لما جرى ... فكان ثمناً باهظاً يدفعه لبنان مرة اخرى.. وهو زج العسكر في السلطة السياسية، مما جعل كل قائد جيش مرشح بالقوة لتولي السلطة السياسية، مما يعني ان الأمن وممارسات الأمنيين محكومة بمعادلة حجم ومستوى الطموح السياسي... والحديث اليوم يتواتر حول رغبة قائد الجيش الحالي جان قهوجي لتبوأ موقع رئاسة الجمهورية.. وهي رغبة مشروعه امام ما سبقها من نماذج وحالات ... بالرغم من بقاء الرغبة لدى الجنرال ميشال عون لتولي موقع رئاسة الجمهورية او احد أصهاره لهذا المواقع....

الجيش مؤسسة وليس منصة.. وإذا انحدر مستوى الأداء في هذه المؤسسات العسكرية لخدمة طوحات شخصية ورغبات سياسية.. فمن المستحيل ضمان استقرار هذه الأوطان وقيامها من كبوتها وخروجها من ازمتها...