القدس ليست لنا
جميل السلحوت
يعلم الجميع أن عمر القدس ستة آلاف عام، بناها الملك اليبوسي الفلسطيني العربي مُلْكي صادق لتكون عاصمة لمملكته، ولم ينقطع التواجد العربي فيها يوما واحدا رغم عشرات الاحتلالات التي تعرضت لها، ورغم المذابح التي تعرض لها مواطنوها العرب الفلسطينيون، وتأكدت عروبتها واسلاميتها بقرار ربّاني بحادثة الاسراء والمعراج عام 11هجري، يقول تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
وترسخت بالفتح الاسلامي للمدينة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عام 16 هجرية الموافق 637م.
وهذا لا ينفي أن القدس مهد الديانات السماوية الثلاث، ففي القدس المسجد الأقصى المبارك، قبلة المسلمين الأولى، ومعراج خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، اضافة الى عشرات المساجد والزوايا والتكايا والمقابر والمدارس ودور العلم وغيرها، كما فيها أيضا كنيسة القيامة وهي من أقدس الكنائس المسيحية بعد كنيسة المهد في بيت لحم، كما يوجد فيها عشرات الكنائس والأديرة والمقابر المسيحية، وكلّ بناء في القدس له قدسية وتاريخ، وفي القدس بعض الكنس اليهودية غير تلك التي بناها المحتلون الاسرائيليون بعد احتلالهم المدينة في حرب حزيران 1967، والقدس مدينة التعددية الثقافية ملك للشعب الفلسطيني العربي، يقوم بسدانتها والحفاظ على مقدساتها نيابة عن بقية العرب والمسلمين، وقد أثبت التاريخ ذلك، وهي العاصمة السياسية والدينية والحضارية والتاريخية لهذا الشعب ولدولته العتيدة، والعالم جميعه يقرّ بهذه البدهيات باستثناء دولة اسرائيل التي تدير ظهرها للعالم رغم حداثة نشوئها. والأماكن المقدّسة للديانات السماوية الثلاث في المدينة تراث فلسطيني عربي، فالمسيحيون الفلسطينيون جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وفي فلسطين هم جزء هام جدا وغير قابل للانفصام من الشعب الفلسطيني، وكذلك اليهود الفلسطينيون المنحدرون من أصول عربية، بالرغم من أنّ الحركة الصهيونية حوّلت الديانة اليهودية الى قومية، وبما أن غالبية أبناء الشعب الفلسطيني العظمى من المسلمين، فان الشعب بمسلميه ومسيحييه حافظوا على عروبة المدينة، وحافظوا على مقدّساتها، حتى أن مسيحيي فلسطين شاركوا في الحروب ضدّ الفرنجة عندما غزوا بلاد الشام واحتلوا القدس في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وارتكبوا مجزرة في المدينة حيث ذبحوا سبعين الفا هم جميع سكان القدس القديمة وهم يحتمون في المسجد الأقصى، وتم دفنهم في قبر جماعي في مقبرة مأمن الله"ماميللا" التي جرفها الاسرائيليون في السنوات القليلة الماضية. وعندما حرّر صلاح الدين الأيوبي القدس من الفرنجة قاتل المسيحيون العرب معه.
والقدس القديمة التي يحيط بها سورها التاريخي الذي بناه الخليفة العثماني سليمان القانون في بدايات القرن السادس عشر الميلادي، المسجد الأقصى فيها جزء من العقيدة الاسلامية، كونه قبلة المسلمين الأولى ومعراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه. وهو مقترن بالكعبة المشرفة في مكّة والمسجد النبويّ الشريف في المدينة المنورة، مصداقا للحديث النبوي الشريف:" لا تشدّ الرّحال إلّا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام(الكعبة) والمسجد الأقصى ومسجدي هذا- المقصود المسجد النبوي في المدينة المنورة-". وكان الحجّاج المسلمون حتى وقوع المدينة المقدسة تحت الاحتلال الاسرائيلي في حزيران 1967 يؤدّون مناسك الحج في مكة والمدينة المنوّرة ثم يشدّون الرّحال الى المسجد الأقصى لتكملة العبادات وليقبل الله الطاعات.
ونقول هذا للتذكير بأنّ الفلسطينيين ما هم إلّا سدنة للمدينة ومقدساتها نيابة عن العرب والمسلمين والمؤمنين في أرجاء الأرض كافة.
وبالتأكيد فان حكام اسرائيل يعلمون ذلك جيدا من خلال مراكز الأبحاث عندهم، واذا كانوا لا يعلمون ذلك فتلك مصيبة ستحيق بهم قبل غيرهم، وما محاولاتهم المستمرة في تدنيس المسجد الأقصى والعمل على تقسيمه أو هدمه، باستقوائهم على الشعب الفلسطيني، إلّا بداية لإشعال حروب دينية قد يعلمون متى سيشعلونها، ولا أحد غير الله يعلم متى ستنتهي، لكنها بالتأكيد ستحرق المنطقة، وقد تمتد نيرانها الى العالم جميعه، وستحصد أرواح الملايين...وليت حكام اسرائيل يتعلمون من دول العالم المسيحي – بما فيها الدولة الدينية الفاتيكان- التي لم تزعم واحدة منها أن لها حقا سياديا في القدس لوجدود الأماكن المسيحية فيها.