رحمك الله ياحنتوب فلقد كنت أما تلد الرجال

( رحمك الله ياحنتوب فلقد كنت أما تلد الرجال )

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

قابلتني مدرستي الجميلة حنتوب وقد طافت بي بالأمس كقطة هرمة أصابها زهايمر الدهر فلم تعد تتذكر أبناءها فقد أنكرتني حنتوب كما أنكرت العين ضوء الشمس من رمد و أنكر الفم طعم الماء وهو سقيم فهي في السابق أمي التي ولدتني و أرضعتني العلم والمعرفة والتجارب وأعطتني من دمها معاني الحياة ووفرت لي البيئة المثالية لطالب العلم الذي يحقق استثمار للوطن  في الولد.

فحنتوب كانت دنيا يعرفها إ من ارتاد حنتوب طالباً مجداً وكادحاً ولكنها اليوم شيئ لم أتعرف عليه وينبغي ذلك.

لم تحفل بي المدرسة حيث الفصول الكبيرة والموضوعة علي نسق مثالي والتي أتذكر حتي الآن أين كنت أجلس فيها ولم أجد الداخليات العريقة كما كانت بل صارت أشباحاً متدثرة بغطاء من الزنك المستورد الرخيص ليستر ما بداخله من فتيات كلية التربية جامعة الجزيرة تلك التي استعاضوا بها عن مدرسة حنتوب الثانوية فذبحوا المدرسة العريقة وتركوها تذهب مع الريح وعندما ذهبت جنوباً لم أجد الميادين التي تتبدل خضرتها طول العام تلك الميادين الفسيحة المخصصة لكرة القدم فلا أقدام تركض فيها أو تركل كما كانت ولكن تفرقت فيها مجموعة من الأغنام ترعي في العشب الذي تطاول فلا أحد يصل إلى الميادين إ الزوار مثلي أما أشجار اللبخ فما تزال شامخة مثل قبة الصخرة تقاوم كل محاوت النيل من شموخها الأخضر العميق وخصوصيتها التاريخية.

ذهبت إلي المسرح ففي خشبته التي شهدت الفكر والإبداع والإنتاج الخلاق قد أوصدوا مكان الستارة واستعاضوا عنها ببنيان سميك فيه شباك لبيع رصيد الموبايل !!!

هكذا المآل إذا ياحنتوب؟ وقفت عندها والذكريات تتنادى إلى مخيلتي فتذكرت إخوتي ودفعتي ورفقائي الذين عرفتهم وألفتهم في مدرسة حنتوب الثانوية وإن أنسى لن أنساك أبداً أخي وصديقي المرحوم ربيع عبدالله آدم عليه رحمة الله رفيق الدرب في حنتوب سائلاً الله أن يجعلك من أهل الفردوس الأعلى وهو القادر علي كل شيئ ومليكه ...

وظللت واقفاً اجتر من الذكريات الأمر أوقد في داخلي لواعج الشوق والأسف والحزن العميق حتى تذكرت الملك أبو عبدالله وهو آخر ملوك الأندلس عندما غادر غرناطة مطروداً منها ومهزوماً وكانت عليه حسرة وأسف ودموع فقالت له أمه (إبك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال).

والغريب في الأمر أنني كلما أجلت نظري في حنتوب محاو تذكر أشباح الماضي من إخوتي يقع على ناظري غير النساء منتسبات كلية التربية( رحمك الله ياحنتوب فلقد كنت أما تلد  الرجال ).

حقا لقد كنت أما تلد الرجال ..!!! فتلك أيام مضت يـــا حليلا !!! ليت جيل الشباب والغد يعيدون تلك السير العطرة التى نتأمل في عودتها ولو من خلال سيرة الامس الخالد فى أذهان من رحلوا ولم يخلفوا لنا سوى حكايات وقصص نعيد ترديدها بين الفنية والأخرى ونبكى على أطلالها  !!!