بين يدي مؤتمر جنيف ٢

التقرير السياسي

بين يدي مؤتمر جنيف ٢

الموقف الدولي بين الحل السياسي والتلويح بالتدخل العسكري

حسان الهاشمي

 تشهد المعارضة السورية مؤخراً تطورات هامة تتعلق بمواقف المجتمع الدولي من القضية السورية تتجه إلى الضغط على النظام والمعارضة للجلوس إلى طاولة المفاوضات وبدء مرحلة الحل السياسي تدخلها المعارضة بدون شروط مسبقة. إلا أن متغيرات هامة في الموقف الغربي تشير إلى بداية موقف جديد يُلوّح بالحسم العسكري في سياق الضغط على النظام لإنهاء الأزمة ووقف آلة القتل اليومية.

حديث مؤتمر جنيف يعود في نسخته الثانية مع الوزير الجديد كيري القادم برؤية تعتبر الحل السياسي المخرج الوحيد للأزمة. هناك اختلاف واضح في قراءة الموقف والتطورات الجديدة بين أطراف المعارضة لما يحمله الموضوع من تعقيدات وتداخلات تحتاج إلى قراءة متأنية.

نعرض في هذا التقرير مواقف اللاعبين الأربعة الأساسيين الروسي والأمريكي والمعارضة والنظام.

الطرف الروسي الأمريكي الراعي الرئيسي للمؤتمر يقوم بالضغط على المعارضة من أجل التجاوب مع الدعوة. تتجه الرؤية الروسية إلى دعوة خمسة أعضاء من الائتلاف الوطني وخمسة من هيئة التنسيق وخمسة من هيئة الأركان. أما الرؤية الأمريكية والغربية فترى توسعة الائتلاف بحيث يكون الائتلاف الممثل الرئيسي للمعارضة إضافة إلى ممثلين للأركان وحضور جزئي لمعارضة النظام. وقد انتهت عملية توسعة الائتلاف بعد عملية تفاوضية كبيرة وخلاف كبير بين أطراف المعارضة حول الرؤية والمحددات بحضور دولي كبير تابع العملية بدقة متناهية في محاولة لضم القطب الجديد بكتلة كبيرة رغبة في التأثير على القرار داخل الائتلاف والتخفيف من تأثير الآخر وجره في اتجاه أكثر مرونة للحوار مع النظام.

وبينما يتزايد الضغط على المعارضة السورية للذهاب إلى طاولة المفاوضات، إلا أن الموقف الأمريكي يشهد تطوراً جديداً يهدف إلى الضغط على النظام ويلوح بالحل العسكري مع خلاف أمريكي روسي تؤكده تصريحات الرئيس أوباما عن تأجيل الموعد إلى شهر حزيران، وتهديده بالحل العسكري وتصريحه بأن لا وجود لبشار في سوريا الجديدة وهو تباين بين الموقفين على مستوى الرؤية إضافة إلى خلافات مهمة تتعلق بتشكيلة وفد المعارضة السورية.

هناك تطورات هامة أدت إلى تغيير موقف الرئيس أوباما الغير متطابق مع رؤية وزير خارجيته كيري، وهو من اختلف بالأمس القريب مع رؤية وزيرة خارجيته ووزير دفاعه ورئيس الاستخبارات. هذه التطورات تتمثل في استخدام النظام للسلاح الكيميائي وعمليات نقله للسلاح الاستراتيجي إلى حزب الله مما أدى إلى ظهور إسرائيل إلى الصورة بشكل علني لأول مرة منذ بداية الثورة. دخول إسرائيل إلى واجهة الأحداث بهذا الوضوح في تصعيد يتجاوز النظام إلى إيران وحزب الله دفع بالبيت الأبيض ليلوح بالحل العسكري وإعطاء الضوء الأخضر لتوجيه ضربة موجعة للنظام تضمنت ضرب مواقع عسكرية هامة، تلاها تصريح أوباما برفقة كاميرون عن استعداد كلا البلدين للتجاوب مع قوى المعارضة المعتدلة وتزويدها بالسلاح. تطورات هامة ربما تتجاوز مجرد الضغط على النظام إلى بداية رؤية جديدة ترى في الحسم عسكري طريقاً للحل تتجاوز حديث الديبلوماسية التفاوضية والحل السياسي.

الزيارة الأخيرة لإردوغان إلى أمريكا لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء، فقد سبقت الزيارة تصريحات إردوغان حول استخدام النظام للسلاح الكيميائي وانتهت بمبادرة تركية تطرح حلاً سياسياً يبدأ بنقل رأس النظام صلاحياته إلى نائبه وتحوله إلى مواطن عادي في حل لا يتوقع أن يقبل به النظام.

المعارضة: هي العامل الأهم في المعادلة، ينقص من أهميتها حالة الانقسام في وضعها الداخلي وضعف تأثيرها على قيادة المشهد الميداني. يواجه الائتلاف استحقاقات التغيير في هيئة الرئاسة وإنجاز التوسعة وانتخاب هيئته السياسية الجديدة في فترة تمثل منعطفاً هاماً في حياة الثورة مما يؤكد أهمية تقوية بنية الائتلاف والتعامل مع التوسعة بدقة متناهية تتناسب مع تحديات المرحلة وفي أضيق نطاق ممكن.

لقد كان التطور الأخير في تطور علاقة المعارضة مع السعودية أهمية كبيرة لها دلالاتها. ولم يغب عن تلك الزيارة التأكيد على الدعم المطلق للثورة ضمن رؤية الحسم العسكري المتفقة مع الرؤية الأخيرة للبيت الأبيض.

لم تتوقف محاولات البعض في المعارضة عن إعاقة عمل الائتلاف وتعميق الخلاف وإظهار المعارضة متشرذمة متفرقة. لم يكن النظام بعيداً عن تلك الأجواء بهدف إيقاف عجلة الثورة والانتهاء إلى التفاوض مع النظام.

النظام: في إطار محاولته لإجهاض الثورة، يستمر في مراوغته بينما يرتكب أفظع الجرائم. يحاول النظام جاهداً لإيقاف عجلة الثورة بجرها إلى حلول ترقيعية تتطلب وقف كل أعمالها بحيث يستحيل عليها أن تقوم من جديد. تلميحاته بقبول التفاوض على أرضية جنيف، مراوغاته، الموقف الإيراني، موقف حزب الله، ويستمر النظام في العمل على تعزيز فكرة التقسيم كلما زاد الضغط عليه.

كذلك فقد ظهرت مؤخراً مبادرة للاشتراكيين الدوليين في أوربا بدعم روسي تهدف إلى وقف العمل العسكري من الطرفين والحوار حول المرحلة الانتقالية وهي أفكار تلتقي مع مبادرة جنيف. وقد قام وفدهم باجتماع في دمشق مع ممثلي النظام حصلوا فيه على تجاوب أولي للنظام في مؤشر واضح على رغبة النظام في جس نبض المعارضة واستمراره في المراوغة والسعي إلى شراء الوقت مع زياردة شراسته على الأرض لتحقيق المزيد من المكاسب وصولاً إلى الهدف الرئيسي في وقف عجلة الثورة ومن ثم القضاء عليها.

لقد كان لدخول إسرائيل على المشهد علناً بهذه الصورة وبضوء أخضر أمريكي تأثيره الشديد على النظام الذي كان يستميت لإرضائها. الرسالة الأمريكية التي حملتها الضربة الإسرائيلية الأخيرة للنظام، ولإيران ولحزب الله أمام شلل كامل منهم جميعاً أهم من الضربة نفسها.

موقف المعارضة من جنيف ٢

في وقت أعلن فيه النظام عن قبوله المبدئي بالمشاركة في موقف مراوغ يدل عليه واقع الأرض وتصريحات النظام، تواجه المعارضة خيارات صعبة من مؤتمر جنيف، يمكن إيجازها بأحد الاحتمالات التالية:

 عدم الذهاب: ويتطلب الإعلان عن الموقف والتسويق له بشكل ذكي ومتدرج، وقيادة المعارضة في هذا الاتجاه من خلال الائتلاف بشكل واضح وقوي. يحتاج هذا السيناريو إلى وضع الحلفاء في صورة الأمور والتعريف بالموقف والإعداد لما يمكن أن يترتب عليه من ضغوط ودراسة السلبيات الناشئة عن عدم الذهاب والعمل على تجاوزها.

الذهاب بشروط واضحة: تأخذ بعين الاعتبار تقوية الوضع الميداني للجيش الحر لكي ينطلق الائتلاف من أرضية صلبة. يلي ذلك استيفاء الشروط الواردة في وثيقة جنيف ١ وتقديم رؤية واضحة تبين الهدف من اللقاء وتحدد المرجعية وتقدم الشروط المتوافق عليها بين أطراف المعارضة في مؤتمر القاهرة وتحدد السقف الزمني وتشترط تقديم الضمانات اللازمة لضمان تنفيذ النظام للشروط وعدم السماح له لشراء الوقت والمراوغة.

الذهاب بدون قيد أو شرط: وهو سيناريو ربما يراه البعض لكنه احتمال غير وارد على الإطلاق.

يمثل الحل الثاني الوسط الذي ترجحه الأكثرية استجابة للاستحقاق الدولي بحضور قوي وفاعل يضمن تحقيق مصالح الثورة ويرفض الحلول الترقيعية ويمنع النظام والقريبين منه من المحسوبين على المعارضة من الاستفراد بالحل. لدى المعارضة اليوم فرصة للاستفادة من الوضع الدولي الراغب في تزويدها بالسلاح والضغط العسكري على النظام للدخول في المرحلة التفاوضية لنقل السلطة إلى المعارضة تتطلب بذل كل جهد سياسي وديبلوماسي وعسكري للضغط وتحقيق أفضل شروط ممكنة والبقاء بعيداً عن شروط الحليف الروسي بأن يكون للنظام شراكة في المرحلة الجديدة

 

استانبول :٢٧ / ٥ / ٢٠١٣

حسان الهاشمي

رئيس المكتب السياسي