أولاد الأكابر
أ.د. حلمي محمد القاعود
تفخر الحضارة الإسلامية بتلك العبارة السحرية العدل أساس الملك والملك يعني الدولة والعمران والقوة والسلام والرخاء.
وهي عبارة أوحي بها الأمر الإلهي: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي, وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي..( النحل:90). وهذا الأمر يعني العدل مع الناس جميعا ورفع الظلم عن الناس جميعا, ولا يجرمنكم شنآن قوم علي الا تعدلوا, اعدلوا هو أقرب للتقوي..( المائدة:8). معظم الثورات التي شبت في بلاد العرب التعيسة كانت لإرساء العدل ورفع الظلم, وإلغاء التمييز والعنصرية, وتجاهل الحسب والنسب عند تطبيق العدالة.
للأسف, هناك من لم يلتفتوا إلي ذلك وبعضهم درس في الأزهر ويفترض أنهم حفظوا القرآن الكريم واستوعبوا الحديث الشريف وعرفوا سلوك الرسول صلي الله عليه وسلم وصحبه الأبرار وفيهم الشريف والعبد المحرر ومن كان متواضع النسب, وكان يحكمهم جميعا إن أكرمكم عند الله أتقاكم( الحجرات:13), ثم خرجوا علي الناس مع أنهم ينتسبون رسميا إلي محراب العدالة ليقولوا: ليس من حق ابن الخفير أن يعمل قاضيا! وأن المعول الأساسي في اختيار القضاة وتعيينهم ليس هو التقدير الجامعي, بل المقومات الشخصية والأسرية, ويعللون ذلك بالقول: لو أن المتقدم للعمل بالنيابة ابن أحد الخفراء النظاميين, فكيف له أن يعطي أمرا واجب التنفيذ للضابط الذي يعطي الأوامر لوالده الخفير!
وهذا كلام خطير فيه خلط كبير وظلم عظيم. الناس متساوون بحكم الدستور والمفاضلة يجب أن تكون بين متماثلين وليس بين مختلفين, التماثل بين الحاصلين علي تقدير واحد. امتياز مثلا. والتفاضل بين أحسنهما دينا وخلقا وسلوكا واحتراما للقانون, وليس بين أغناهما أبا وأكرمهما نسبا وأعلاهما حسبا, أما المفاضلة بين الحاصل علي امتياز والناجح بمقبول فهي مفاضلة غير سوية وغير عادلة وغيركريمة.
يستطيع ابن الخفير أن يفخر بأبيه ويطلب من ابن الأكابر أن ينفذ القانون, ولا يمنع ذلك من أن يستجيب الخفير لأوامر الضابط, فكل ميسر لما خلق له.
أولاد الأكابر يجب أن يخضعوا للدستور والقانون