هزيمة الأمريكان على يد الإخوان

محمد جلال القصاص

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:ـ

في الأكاديميات السياسية يتردد: أن أمريكا صدمت في الإخوان، يقولون: أحدثوا أخطاءً جسيمة في الحكم، ويقولون: لم تستطع الجماعة إدارة الدولة، ولذا تبحث أمريكا عن بديلٍ لهم. وكأن أمريكا تتألم لفشل الإخوان في النهوض بمصر!!

وبغض النظر عن أن هذا الرأي يعترف ضمنًا بأن أمريكا هي المسيطرة على توجهنا السياسي، وأنها تتعامل معنا كدولة تحت الوصاية الأمريكية؛ وبغض النظر عن أن تسعة أعشار حالة عدم الاستقرار عبارة عن ضجة إعلامية لا وجود لها في أرض الواقع، فالوضع لا يختلف ـ في الشارع ـ كثيرًا عن أيام المخلوع، وما يوجد من اضطرابات مفتعل من "أبناء أمريكا"؛ وبغض النظر عن أن أمريكا لا تبحث عن غير مصالحها في مصر وغير مصر، ولا يهمها استقرار مصر من عدمه، بغض النظر عن هذا كله فإن سبب البحث عن بديلٍ للإخوان هو تمرد الإخوان على الأمريكان. أو محاولة الإخوان التمرد على الأمريكان.

 

نعم يتمردون.

 

وهذا واضح في تحركات الرئيس مرسي تجاه الصين، وروسيا، ودول الجنوب الاقتصادية، وإفريقيا، وخاصة حوض النيل (وودنا لو امتد أكثر لباقي أفريقيا)، وإيران، وعدم ذهابه إلى الآن لأمريكا.

فالإخوان الآن حالة من التمرد، أو حالة من الندِّية، أو حالة من احترام الذات ومعرفة أن العمل مع أمريكا صعب إلا في إطار المهانة والتبعية، ولا يؤمن من يتبع الأمريكان شرهم، مهما كان ولاؤه لهم، فإن أطاع الإخوانُ الأمريكان فغالب الظن أن يكونوا مرحلة ثم يتم استبدالهم بالعملاء القدامى، أو بمن هو أكثر تنازلًا منهم.

الواقع أن الإخوان يشكلون الآن خطرًا حقيقيًا على أمريكا، فهم يستعملون ذات الأدوات الغربية في العمل السياسي (المكر والخديعة، واللعب بالمتاح)، ولهم حسابات خاصة، قد تجعل منهم ندًّا لأمريكا في المنطقة. أو  قد ينتهي الأمر بخروج مصر من سيطرة الأمريكان، كما حصل مع إيران من قبل، فقد خرجت بين عشية وضحاها من التبعية الأمريكية حين قامت الثورة الإيرانية الرافضية. وهذا مزعج كثيرًا بالنسبة للأمريكان، ويتهدد مصالحهم في المنطقة، بل قد ينذر بتمدد إخواني مستقل ـ أو ند ـ في المنطقة، أو في دول الربيع العربي. لهذا يبحث الأمريكان عن بديلٍ للإخوان. والسؤال: ما البديل؟

أيكون البديل: العلمانيون؟
العلمانيون متناحرون، بلا جمهور، فلم يستطع "عواجيز" العلمانية في مصر أن يتفقوا على التواجد في جبهة واحدة نظريًا... تعمل فقط في المكاتب؛ ولم يستطع العلمانيون، ومعهم النصارى ، وأصحاب المليارات، وهذه الآلة الإعلامية الضخمة الشرسة، والغافلون من أتباع إعلام الفتنة حشد مليونية واحدة، بل عشر معشار مليونية.

 

أيكون العسكر بديلًا؟!
بهذا يتحدث "المخربون" ، وهي أماني، فالعسكر قد أخذ دورته وفشلوا في إدارة الدولة، فلن يقبل بهم الناس، وسيناريو إشاعة الفوضى، ليطالب الشعب بنزول العسكر للشارع ، فيأتون لتنصيب رئيس مدني ثم يعودون لسكناتهم حرَّاسًا "للشرعية"، سيناريو فشل بالفعل، وساذج يفترض بداية أن الجيش سينزل مجتمع الكلمة للشارع، وأنه حال نزوله سيدخل كل فرد لبيته، أو يتلقاهم الناس بالأحضان، كما قد كان، يتخيلون هذا ويغفلون عن الوضع في سوريا وليبيا.

الجماهير في حالة وعي وحضور، وهذا واضح في صناديق الاقتراع، ولا تتأثر كثيرًا بالخطاب الإعلامي، وأمارة ذلك في نسبة التصويت، ولم يعد يصلح من يبيع لها الكلام.

 

أعتقد أن الأمريكان في ورطة حقيقية الآن، بعدما وقعوا في نموذجٍ إيراني آخر، لعب بهم، واستولى على مصر بعد أن ورطهم، فالحمار الأمريكي (شعار الحزب الديمقراطي) غبي كعادته، أو يتلقى درسًا ثانيةً في مصر، ولن يكون كالعراق، فإن كان الإيرانيون ـ مع مهارتهم الدبلوماسية العالية ـ في حالة عداء مع الجيران، فإن هؤلاء (الإخوان) أضبط لمشاعرهم، ولهم نفوذ في دول الجوار، وتجري المقادير لهم، وبهم. فقد جاءوا بعد أن جرب الأمريكان المتاح من غيرهم (أعني العسكر)، وفشلت أمريكا في رميهم بعواجيز العلمانية في مصر، وها هو الحصار العربي (الخليجي تحديدًا) الغربي(أمريكي وأوروبي)، يتداعى، وينفذ منه الإخوان بأعداء الخليج (إيران والسودان).

 

إننا نشاهد مباراة دولية بين فريقٍ صاعد يلعب باستماته ضد عواجيز يعتمدون على ألقابهم، والهجمات على مرمى الصاعدين كثيرة، وخطيرة، ولكنها بلا جدوى.!!

 

لم يستسلم الأمريكان، وهم في وضع حرج الآن، ويتحركون في كل اتجاه أملًا في عرقلة الإخوان أو استبدالهم، وفي هذا الإطار شب بعض "الطيبين" وقدم نفسه، يحسب أن 99% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان، وأن ما أرادوه يتحقق، وهي أضغاث أحلام، وهؤلاء صغار لا يرتقون لمستوى اللعب الدولي، فقط يُلعب بهم، ومؤقتًا.

 

ماذا بعد تلك المباراة؟!
الأمريكان في وضع  حرجٍ للغاية، ويبدو أن هزيمتهم في مصر ستخرجهم من "البطولة" بأكملها؛ فقد خفت أقدامهم من العراق وإيران، وهما نقطتا ارتكاز مهمة في وسط أسيا. ولم يستطع الأمريكان وأتباعهم الأروبيون أن يستقروا في أرض الأفغان، وظهرت نقاط صراع أخرى في جنوب الصحراء (مالي)، تتهدد أكبر مشاريع الطاقة لديهم (مشروع خليج غينيا). ومنطقة القرن الأفريقي لم تعد نقطة سيطرة كاملة، بعد فشلهم في الصومال، والأثيبيون لهم حسابات خاصة، وليسوا أتباعًا على كل حال، وجنوب السودان ذاقوا المر من الأمريكان بعد أن تركوا لهم دولة بلا موانئ يصدرون منها البترول ويتحركون للعالم الخارجي، وبعد أن ورثوا الحدود المشتعلة مع الجيران؛  والخليج في طريقه للتمرد، أو بالأحرى للتغيير، والتغيرات من الداخل أكثر من الخارج، فلن يزحف المصريون والشوام على الجزيرة بثورة، وإنما: دارت عجلة التغيير في الخليج بالفعل، وما يحدث الآن هو استراحة على منحنى الصعود. والبقعة الصهيونية الاستيطانية الاستعمارية في أزمة حقيقية الآن، فبعد أن كانت تمارس سياسة "شد الأطراف" بأن تلهي الدول العربية في صراعات داخلية وخارجية مع دول الجوار الخاصة بكل دولة، أصبحت الآن في ورطة حقيقية بعد أن تجرأ عليها (الإخوان) من غزة، وجاءهم السلفيون المقاتلون من الشام، وفشلوا داخليًا في إيجاد صيغة مجتمعية واحدة تصلح للبقاء وإن في "جيتو" واسع.

 

إننا الآن نشهد نهاية الأمريكان بيد الإخوان، ولكن: في المشهد معطى آخر يجب أن نقف معه طويلًامفاده أن الإخوان لا يواجهون، ولا يلعبون إلا حين يضمنون الربح، كما إيران، والأمريكيون يفهمون هذا، فإن ضغطوا (الإخوان) ولم يجدوا مخرجًا تنازلوا، واستجابوا، ولذا : يبدو لي أن علينا الآن:

أولًا: أن نضغط نحن أيضًا على الإخوان والأمريكان، فنحن خيار مرفوض للأمريكان، وكلما علا نجمنا اقتربوا من الإخوان ورضوا بهم، تمامًا كما حصل في أحداث الثورة، رضوا بهم في المجلس بعد أن شبت أحداث محمد محمود واشتدت، ورضوا بهم في الرئاسة حين رأوا أبو إسماعيل يجتاح.

ثانيًا: أن نستعد من الآن لمرحلة ما بعد الأمريكان، ولا أعني انتهاء دولة الأمريكان كلية، وإنما نزع الهيمنة الأمريكية ولو جزئيًا، ندخل لبناء الدولة، والعمل من خلال الدولة، ونقضي كلية على مرحلة الجماعات. ويحتاج هذا الأمر لإعداد كوادر متخصصة في إدارة شئون البلاد من الآن، فلو أننا جاهزون ما ضاع وقتنا كهذا للآن.