ماراثون بيت لحم الدولي.. وماراثونات المجازر

أبو المعتصم بالله يوسف النتشة

ماراثون بيت لحم الدولي..

وماراثونات المجازر

أبو المعتصم بالله يوسف النتشة

[email protected]

يوم الأحد 21-4-2013 وبتميز واقتدار .. وتكامل الأدوار بين كل الجهات المعنية : المحافظة .. البلدية .. رجال الأمن والشرطة - تم ماراثون بيت لحم الدولي بنجاح تام وبكل المقاييس.. وعلى خير ما يرام ..

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .. فكل ما يهم البلاد والعباد على خير ما يرام أيضا..الأمن .. الرخاء.. الاستقرار .. البناء.. العدل الاجتماعي وحرية التعبير.. وأهم من ذلك كله كرامة الإنسان الذي هو أغلى ما نملك ... ثم يأتي الماراثون كنتيجة حتمية لكل ما ذكر..

 كل ما ذكر وما لم يذكر وما قد يذكر متوفر لدينا و الحمد لله بل إنه في عصره الحجري – عفوا الذهبي. لا فقر ولا جهل، لا قصور في التعليم ، فالكل سواسية في الحصول على نصيبه من التعليم المدرسي والجامعي، ابن الوزير وابن الخفير على مقعد واحد ،والعملية التعليمية تسيرفي أعلى مستوياتها على قدم وساق من أجل بناء الإنسان الواعي المنتمي لعقيدته وتاريخه ووطنه.

 وأما الخدمات الصحية فلكلٍ حقه في غرف الطوارئ والإنعاش ،فالعقل السليم في الجسم السليم وأبعد من ذلك حقه في غرف الموتى والقبور،إنه العدل مع الأحياء كما الأموات .. تصوروا لا فرق..!

 وأما في مجال حل مشاكل البطالة - والصياعة – فحدث ولا حرج .فالإعلانات في الصحف ووسائل الإعلام عن الوظائف الشاغرة تزكم الأنوف ولا متقدمين لها - ولا متأخرين –،لأن الجميع في مكانه الطبيعي ، فالرجل المناسب في المكان المناسب وذلك بفضل اتباع سياسة اقتصادية واجتماعية حكيمة وخطط رائدة متكاملة, استفادت من الثروة البشرية المتميزة لأبنائنا, ومن تدفق الأموال الداعمة لصمود شعبنا خلال السنوات العجاف – عفوا- السمان الأخيرة، حيث تم إنشاء المصانع لاستيعاب آلاف الأيدي العاملة، وإحياء الأرض الموات من خلال دعم المزارعين بقروض ميسرة،وكذلك تم دعم صغار المستثمرين أصحاب الأمعاء الخاوية – بعيدا عن دعم كبارهم من المرابين وأصحاب الكروش المتخمة- وصولا إلى كفاية الأسر ذوي الدخل المحدود وتوفير أكبر فرص ممكنة للعمل..

 وفي المحصلة فقد كان للتنسيق والتكامل بين عمل الوزارات المعنية كافة - أكبر الأثر في اضمحلال ظاهرة البطالة، فلم نعد نرى أو نسمع عن آلاف العمال المسحوقين ينتظرون أياما وأسابيع في مراكز إصدار تصاريح العمل، ويدفعون ألوف الشواكل لأرباب العمل اليهود للحصول على تصاريح دخول لوطنهم السليب، من أجل بناء المزيد من المستوطنات،ولم يعد أبناء تلك الشريحة الأكبر في مجتمعنا الفلسطيني يقفون في طوابيرطويلة ذليلة منذ ساعات الصباح الأولى على حواجز الاحتلال ،أو يعرضون حياتهم للخطر من أجل لقمة العيش..

 وفي اتجاه آخر وبعد أن كنا نرى مئات بل آلاف الخريجين يتزاحمون أمام مكتب التربية والتعليم – إما قاتل أو مقتول- من أجل الفوز بوظيفة واحدة شاغرة لمدرس أو آذن مدرسة في قرية نائية ، أصبحنا اليوم وبفضل التنسيق الجاد المتواصل بين وزارات التعليم العالي من جهة والصناعة والتجارة والعمل من كل الجهات - نفخر بأن أصبح لكل كائن حيّ مسماه الوظيفي قبل أن تنفخ فيه الروح ويكتب أشقي هو أم سعيد! (صدق أو لا تصدق)

 ولا يفوتنا أن نشيرهنا بل نؤكد على أكبر إنجاز تم تحقيقه من تلكم السياسات الناجحة وهو موضوع الرواتب، فبعد تلك الإنجازات الهائلة في الاعتماد على الذات أصبحنا اليوم نربأ بأنفسنا عن التسول أو التوسل بين مطرقة الدعم الخارجي المغلف بشروط مهينة , وسندان حجز مستحقاتنا المالية من قبل الاحتلال وإملاءاته ،وقد

كان لهذا الإنجاز أكبر الأثر في استقلال قرارنا،مما مهد الطريق للمصالحة بين أبناء الشعب الواحد وفق أجندة وطنية واحدة واضحة ,بعيدا – هذه المرة - عن الضغوط الإقليمية والدولية ...

 

 وعودة إلى الماراثون الدولي، فرغم التضييق الذي تعرض له الناس وإغلاق العديد من الشوارع والطرقات الحيوية في المدينة – مما أثر على ذهاب الطلاب إلى مدارسهم , وأخر وصول البعض إلى أماكن عملهم، فإن هناك رأي يقول بأن هذا الحدث الذي شاركت فيه أكثر من عشرين دولة ،والذي كان عنوانه -ألحق في الحركة- هو وسيلة لفضح الاحتلال وممارساته أمام المجتمع الدولي،خاصة أنه تم منع 26 مشاركا من غزة من المشاركة في الماراثون!

 ولأصحاب هذا الراي نقول هل سيكون تأثير الماراثون على ما يسمى بالمجتمع الدولي أبلغ في التأثيرمن مشاهد الدماروالضحايا المروعة نتيجة العدوان المستمر على غزة صباح مساء، وعلى سفن المتضامنين مع غزة،وعلى الأقصى وساحات الأقصى وأطفال الأقصى، وخنق الضفة الغربية بالجدار وتقطيع الأوصال وما نراه من ممارسات يومية أصبحت جزءا من حياتنا , ومثل ذلك كثير كثير, وأظهره للعيان اليوم ماراثون الاستيطان المدعوم بمباركة أو صمت دولي صارخ ؟ فهل يمكن لهذا الماراثون الرياضي أن يفعل فعله السحري في أولئك الذين نشأوا وأشربوا أصلا بالثقافة الغربية العنصرية والتي لا ترى المنطقة والقضية إلا بعين واحدة هي عين المستعمر الغاصب.

 وأستذكر هنا قصة وفد أجنبي زار بلدية بيت لحم قبل بضع سنين حيث كنت من ضمن مستقبليه كوني عضوا في المجلس البلدي حتى فترة قريبة، حيث ضم الوفد عددا من قناصل الدول الأوروبية بزعامة عميدهم – في حينه – القنصل البلجيكي.وقد عرضنا على الوفد سردا وافيا وشرحا مفصلاعن واقع المدينة المأساوي وأهلها المحاصرين، ووثقنا ذلك بالصور والأفلام والمحاضرات والزيارات الميدانية للمخيمات وللجدار الظالم ،وشاهدوا مظاهر الظلم والقمع بأم أعينهم ، وفي نهاية الزيارة استضفناهم في قاعة البلدية لنستمع لآرائهم - فقام كبيرهم متحدثا ليقول لنا ما خلاصته بأن أساس المشكلة هو العنف الممارس من قبل الشعب الفلسطيني ,وبأن أساس الحل الدائم يكمن في اسرائيل آمنة!

 وبعد .. فهل يمكن أن نضع هذا الماراثون وأمثاله من الأعمال في السياق الذي يرى المروجون لها من حيث مستوى التأثير- في خدمة القضية وفي التصدى لماراثون الاستيطان وماراثون القتل والأسر وتهويد المقدسات - أم أنها تلميع للواقع المرير وصرف للأنظار عن حقيقة الصراع وأبعاده , وعما يدور في بلادنا العربية والاسلامية من ماراثونات المجازر الدموية الرهيبة والعديدة ،وهل سيعطي هذا الماراثون دفعة للقضية للأمام أم للوراء...

أختم فأقول : مجرد وجهة نظرمن بيت لحم ..