مافيا المنصة
محمد حايك
أتلانتا، جورجيا
30-نيسان-2013
كثيرا ما سمعت بأناس يقومون بأعمال في سبيل الله، ولكن الوقائع كانت تشهد بأن كل يغني على ليلاه وفي الحديث: {قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه}. فالرجال لا تعرف من أقوالها، بل من وقائع أفعالها. فالمنصات في المراكز الإسلامية وفي مجالس التبرعات عبارة عن رقعة شطرنج تتقاسم أوقاتها افراد "مافيا المنصة"، الذين يسمون انفسهم بدعاة المسلمين، إلا من رحم ربك وهم قليلٌ من قليلْ. وإن لم يكن لكل فرد منهم حصة كافية على المنصة، شنت بينهم حرب كلامية دوت بين أفراد الجالية الإسلامية، إنه مرض الحسد والكبر }وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{ النمل:24. إنهم مجانين المنصة. إنهم اشباه الدعاة وليسوا بدعاة. ليسوا مستعدين للعمل الخيري إلا من خلال غاياتهم الشخصية. وإياك ثم إياك أن تنتقد تصرفاتهم في مناصبهم وسلطان حكمهم للجالية، وإلا تهموك بالفاسد الذي يريد ان يستولي على عرش حُكمهم، كما اتهم القذافي أفراد شعبه بالمخربين وبالغلاة المسلمين. فإما أن تسكت على غضض وتسمع لما يقولون، وإلا إياك أن تكون من الناقدين فستصنف في مجموعة المخربين }قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ{ غافر:29. فالجلوس على كرسي الحكم، والوقوف على المنصات أمام السامعين هو رداء يتفاخرون به، من أجل الاحترام والتبجيل. فقليل من الناس من يستطيع أن يصمد أمام فتنة إغراء السلطة وبريق الأضواء. ايها الناس، إن الحكم مسؤولية وليس بنعمة، فهو بلاء في الدنيا وحساب في الأخرة عقيم.
لقد أصبحت إدارة بعض المساجد في بلاد المهاجرين حكرا لنفوس المريضين من المصلين، فلا انتقاد ولا تعقيب، إنها السياسة الفرعونية التي خطها فرعون حين قال: }قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ{ غافر:29. لقد باعوا ضمائرهم، وامتلأت أفواههم بالكذب من أجل كرسي في أحد المراكز الإسلامية صغير، فكيف لو جلس أحدهم على عرش كرسي أحد البلاد كبير، لآهلك الحرث والنسل بمجرد انتقاد بسيط لنظام حكمهم. فتاريخ الإنسانية والمسلمين فيه نماذج كثيرة من الحكام المصلين العابدين الظالمين. فالعيش في بلاد الغرب لسنين طويلة، لم يشفيهم من ذلك الداء العضال، فإنه متأصل في النفوس والأبدان منذ أن يستنشق الوليد الجديد أول نفحة هواء. إنه مرض كل إنسان، إلا من رحم ربك. إنه مرض حب النفوذ والجلوس على كرسي السلطة. إنه الشوق الخفي إلى الكرسي. فأين هم من قوله تعالى }وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ{ الشورى:38، }ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُۥٓ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمْ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ{ الزمر:18. فلا مجال للانتقاد ولا مجال للنصح رغم أنهم يعيشون في بلد تعتمد سياسته وبنية حضارته على الجرح والتعديل والنقد والتوازن، فلا وجود فيه للحاكم الواحد القائم الآمر الناهي. وبدون انتقاد تتراكم الأخطاء. ولكن أمراض زمان ما زالت تسري في الأبدان، فمن شب على شيء شاب عليه. إنه مرض مزمن عضال امتلأ به تاريخ الإنسان، اسمه داء السلطان القائد إلى الأبد من عرش القذفي إلى حكام بني الأسد. نسأل الله أن يجعل الخير في ذريتهم التي نمت وترعرعت في هذا البلد. فتأثير البيئة الجديدة نقت قلوب أولادهم من نفاق أباءهم وأمراض أجدادهم. لقد سمعت بأطفال من يقال عن أباءهم بأنهم دعاة، تقول لأبويها "أنكم منافقون، لأنكم تقولون للناس شيئا ثم تفعلون شيئاً أخر"، }يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿3﴾{ سورة الصف.
دخل أبو مسلم الخولاني يوما على معاوية بن أبي سفيان، وكان خليفة المسلمين، فحيَّاه بقوله: السلام عليك أيها الأجير، فقال بعض الجالسين لأبي مسلم الخولاني: قل: السلام عليك أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: أيها الأمير. وهنا تدخل معاوية قائلا: دعوا أبا مسلم، فإنه أعلم بما يقول. فقال أبو مسلم: إنما أنت أجيرٌ، استأجرك ربُّكَ لرعاية الأُمة.
وفي كتاب فريكونوميكس Freakonomics يتكلم عن رجل أسمه باول فيلدمان يحضر الدكتوراه في الإحصاء في جامعة (أم أي في بوسطن) ويعمل بأحد الشركات في آن واحد. قرر باول يوما أن يعتزل عمله وبيع معروك (خبز على شكل كعكة) مع الجبن للمكاتب. فكان يضع كعك المعروك في المكاتب صباحا وبجانبها صندوق ليجمع فيها المال من كل من يأخذ معروكة، كما يحدث في كثير من مكاتب الموظفين في أمريكا التي تضع المعروك وحلويات الدونات والقهوة في الصباح. وجد من خلال إحصاءاته للمبيعات أنه هناك نسبة من الغش بين مكاتب الموظفين تختلف حسب عوامل عديدة. ولكن ما شد انتباهه أن نسبة الغش تكبر كلما علت رتبة الموظفين بالإدارة رغم رواتبهم العالية. وكان تحليله لهذه الظاهرة الغريبة أن المدراء عندهم ميول للغش وللخداع أكثر من باقي الناس، وهذا هو السبب في حصولهم على مراتب عالية من بين باقي الموظفين.