ومثالية ابتدعناها...

ابتهال قدور

[email protected]

إن افتراض المثالية في شخص، أو جماعة  أو أمة هو ابتداع...

وكأي ابتداع يتنافى مع السير الطبيعي لأمور الكون، تأتي نتائجه خطيرة...

من أبرز الأخطار ماينتج عن تلك المثالية المبتدعة ما سأطلق عليه "أحادية الأحكام"...  بمعنى عدم امتلاكنا الصلاحية أو القدرة على تجزيء الكل وتقييمنا له، و عدم تقبلنا لحقيقة أن  إصدار حكم على جزء، لايعني بالضرورة أن هذا الحكم ينطبق على الكل...

وهذا يعني أن "النقد" بأبحاثه الواسعة وأبعاده الإنسانية البناءة، وبدوره الحضاري التجديدي قد غدا في دائرة الخطر، وأمة تموت فيها روح النقد الواعي هي أمة تنتحر...

فعندما نقول أخطأ شخص أو جماعة في هذا الأمر...فإن هذه جملة مفيدة، صحيحة، واقعية، إنسانية، لاغبار عليها...

وعندما ننتقد جوانب معينة في شخص أو جماعة فهذا لايعني بالضرورة أننا نسفنا كل ما امتلكوا من حسنات...

اقترحت بالأمس على صفحتي على الفيسبوك أن يتم تغيير شعار جماعة الإخوان المسلمين، لأنه شعار غير ذكي في هذه المرحلة، لا السيفان ولا القرآن ولا الألوان تتناسب مع تطلعات الجماعة و أهدافها المعلنة، وحراكها السياسي...

تلقيت على ذلك عتبا، ومانقدي إلا للبناء، وماكان إلّا في قضية ظاهرة غير سرية : الشعار !!!

أدركت أننا مازلتا لم نتقدم خطوة إلى الأمام في قضية النقد الذاتي، وفي قضية تقبل النقد من الآخر...

و منذ أيام ذكرت بني أمية في حيثية كانوا فيها ظالمين، جاءني من الرسائل ما جعلني أشعر أن بني أمية هم الملائكة الذين مشوا على الأرض...

بينما الحقيقة هي أن بعض حكام بني أمية ارتكبوا أخطاء قاتلة، ولكن هذا لا يعني نسف كل إنجازاتهم ولا إنكار المدنية التي أقاموها، ولا تجاهل الفتوحات التي جرت على أيديهم، ولا الجحود بالعلوم التي ازدهرت إبان حكمهم...

وفي ذات الوقت فإن الحديث عن أخطائهم، بهدف الدراسة والنظر في الأثر، لايعني اصطفافاً أو انتماء أو تأييداً لأعدائنا الذين قد تتقاطع بيننا وبينهم الرؤية عند نقطة معينة...العقل يجب أن يكون حاضراً هنا، وبتركيز شديد...ولا ينبغي أن يكون حبنا لقوم أو انتماؤنا لهم، عبارة عن ردود أفعال غير واعية، تخفي عنا الحقائق التاريخية المثبتة، هنا ندخل في دائرة ظلمنا لأنفسنا، وهل من ظلم أقسى بنتائجه على المرء أن لا يبصر مواقع تقصيره ومواقع خطئه؟!

الآن وفي خضم الثورات الحاصلة، وفي وفاء لهذه الثورات على الأرض، جميل أن تواكبها ثورات داخل العقل والنفس...

وأولى مراحل هذه الثورات الذاتية، أن نقوم باستحضار ماعلق في أدمغتنا، بهدف غربلته...

وأن نعيد النظر في الذي تحول إلى المركز المعتم في عقولنا، لأن ماسكن هناك في تلك الزاوية المعتمة هو ماصار يعمل على إطلاق المفاهيم والأحكام، وهو ماراح يوحي إلينا بالتعامل معها كمسلمات لاينبغي الاقتراب منها...

مامن بديل على فتح العلب المغلقة داخل أدمغتنا وتحريكها، وإعادة ترتيبها وصياغتها...

"النقد" وإحياؤه ودراسة أهميته الحضارية، ليس من أفعال الترف الفكري، إنها من صميم وجوهر وروح الحراك الإنساني المتجدد...