لأننّي إخوانيّ .. حوار
عبد الرحمن الشردوب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال لي صديقي يحاورني متسائلاً : لمَ أراك منشغلا في نشر فكر الإخوان والدفاع عنهم ؟!
قلت : الإخوان جماعةٌ تدعو للإسلام كما يفعل غيرها من الجماعات ، وأنا أدعو للإسلام كما يدعو غيري ، فلماذا تلومني ، ولا تلوم غيري ؟!
قال : صحيح ، ولكن السلفيّ مثلاً يدعو للإسلام وأنتم تدعون للجماعة !
قلت : هو يدعو للإسلام حسب فهمه ومنهجه ، وأنا أدعو للإسلام حسب فهمي ومنهجي ، فكلانا يدعو للإسلام !
قال : أصبت ، لكن غيركم يجاهد في سورية وأنتم لا تجاهدون ، وتكتفون بإرسال المال لأجل الولاءات !
قلت : أولاً : الجهاد ليس فقط بالسيف ، ومع هذا فمن الإخوان المسلمين مقاتلون ، وشهداء ، والكثير منهم يدعم الثورة بالمال والسلاح ، ويعملون على كافة الجبهات كغيرهم سواء بسواء .
قال : وضّح أكثر ؟
قلت له : أنت صديقي وتعرفني وعلاقتك بي قوية ؛ وتعرف صدقي ؟
قال : نعم ، لا والله لا أكذبّك ؛ ولكنْ أسأل ليطمئنّ قلبي .
قلت : دعني أبدأ بك أنت لا بغيرك ، هل تذكر أنني قدمت ما استطعت عندما سألتني مرة مبلغا للكتيبة الفلانية فقلت أنّها مخلصة ولها انجازاتها ، وللمخيم الفلاني الذي تقوم على خدمته ، فهل دعمتك ؟
قال : نعم ، أكيد ..
قلت : حسنا ، هل طلبت منك أن يكون الدعم باسم الإخوان ، أو اشترطت توزيعه باسمهم ، أو طلبت انتماءك للإخوان ؟
قال : لا لم تشترط شيئا
قلت : فإذا كنت أنت الذي خالطت رجلاً عرفتَ صدقه تتّهمه وإخوانه به بغير ما فيهم ؛ فكيف بغيرك الذي لا يعرف أحدا منهم ؟!
ثمّ سألته : ألا تعرف شبابا من الإخوان جاهدوا أو استشهدوا في سورية ؟
قال : بلى، إنني أعرف ، ولكنّهم قليلون .
قلت : وهل الإخوان كثيرون بالنسبة إلى الشعب السوري ! ، ثمّ ألا تذكر عندما كنت أسألك أتحتاجون إلى مقاتلين فتقول: لا نحتاج إلّا إلى دعم بالمال أو السلاح .
قال : بلى.
قلت : حسنا ، وقد قمنا بما نستطيعه بذلك على قلّة إمكاناتنا الفردية ، وأنت تعلم كم سورية كبيرة ، وحجم المساعدات التي تحتاجها كبير ؛ فمهما فعلت من أجلها فستكون مقصرا .
قال : نعم ؛ ولكنّكم تميّزون بالدفع !
قلت: أفإن كان معك مبلغ من المال وأحببتَ أن تقدمه للمجاهدين فلمن تعطيه؟
قال : لمن أثق به ، وأراه يقاتل من أجل إسقاط النظام ومن أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله
قلت : وهل يقول المجاهد السلفيّ أو من جبهة النصرة أو غيرهم بغير هذا ؟!
قال : لا ، هكذا يجب أن يكون الدعم .
قلت : فلمَ ترضى لنفسك أن تميّز وتنتقي من تدعمهم وتصطفيهم ما لا ترضاه للإخوان الذين يدعمون من يرون من الكتائب أفضل من غيرها ولاءً للإسلام وحُسن تنظيم وأفضل بلاءً ، خاصة وأن مصادر دعمها محدودة من جيوب أبنائها ؟ ولا تنسَ أن المقاتلين على الساحة كثيرون لا يمكن أن تتعامل معهم جميعاً؟ .
ثم قلت له : ألم أدعُك مرة إلى دورة تدريبية تربوية ، وقلت لك رشّح من تراه مناسبا لها على أن يكون صادقا ومخلصا يحبّ بلده دون شرط انتسابه للإخوان ؟
قال : نعم ، صدقت
قلت : فإن كنا نقاتل كغيرنا ، وندعم بالمال إغاثيا وعسكريا ، ونربي وندرّب ، ونفعل كما يفعل غيرنا فلماذا كل هذا اللوم ولمَ هذا العتب؟!
قال : ولكنّ الهجوم عليكم شديد !!
قلت : هل رأيتَ كيف تهاجمنا كما يفعلون دون تفكير ولا تمحيص!؟ وهكذا معظم من ينتقد .
وأردفتُ : ليس كل ما يقال صحيح ، فهناك من يبحثون في الثورة عن الثروة ، وهناك أعداء للوطن ، وأعداءٌ لحكم الإسلام ، وأتباعً للنظام ولأجندة أجنبية ليس لهم هدفٌ إلا ضرب مصداقية كل صادق في الوطن ، ثم إنّه ليس أحدٌ منا بمعصوم من الخطأ ؛ فإن أخطأ بعضنا في تصرّفات تخالف منهجنا وأخلاقنا فإننا لا نقرّه عليها ، ولا تنسَ أيضاً أن كلّ من يعمل يتّهم ، خاصة وأن الاحتياجات في الداخل كبيرة ، والناس في حاجة شديدة لكل إغاثة ؛ وأي خدمة تقدّم لهم مهما عظمت فهي قليلة ، ولا نلوم أبداً صاحبها الصادق في لومنا على التقصير معه بها ؛ بل ونعتبر لومه لنا مسؤولية زائدة على مسؤوليتنا الدينية والوطنية ؛ لأنّ الذي ينشد دعمك يثق بك وبأنّك أهل للدعم .
قال : والهجوم الإعلامي عليكم ؟!
قلت : الإسلام محارب في كل مكان ، وأعداؤه يحاربون الكتائب الإسلامية المقاتلة ميدانيا لأنهم يخشون منها مستقبلاً ، ولأنها الأقوى على إرهابهم ، وتفضح تقاعسهم حيناً وانتماءات بعضهم لغير الوطن أحياناً أخرى ؛ فيتهمونها بالإرهاب زوراُ وبهتاناً وهي ما خرجت إلا من رحم وطننا لتحمينا ، وكذلك يحاربون الإخوان لأنّهم رأوا الشعوب اختارتها فحكمت في بلاد الربيع العربي ، ولأنها الأقوى والأكثر تصدي لهم سياسياً فيتهمونها باتهامات تضرب مصداقيّـتها كالإقصاء والسيطرة والفساد والعمل للحزب ، بل ويحيكون لها التهم والمؤامرات كي يضعفوا من شعبيتها ، وهي لم تفعل سياسيا أكثر مما فعله المجاهد ميدانيا من دعم الثورة بإخلاص وحمايتها من الالتفاف عليها واجهاضها.
قال : من وجهة نظركم كيف أكون إيجابيا في الثورة ؟
قلت : ضع هدفاً رئيسيا لك في الثورة ، وهو إسقاط هذا النظام ، وبناء بلد حر يحترم فيه رأي الإنسان ومعتقده وكرامته ، وضع يدك في يد كلّ من يؤمن بهذا، ويعمل له ، ويعمل لإعزاز " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فالإسلام دين الرحمة لكل البشر
قال : فقط ؟! أنا أقوم بذلك أيضا !
قلت : هذا هو الفرق الوحيد الذي أختلف به عنك ، فأنا مثلك في عملي وفكري واعتقادي ، غير أني أنطلق بالتفكير من منطلق العمل في جماعة لامنفرداً ؛ فالذئب يأكل من الغنم القاصية ، والله تعالى يقول : " ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير " وأعلم أن الباطل يحاربنا مجتمعاً و لا يقف في وجهه إلا العمل المنظم ذو الرؤية الواضحة والمنهج المستقيم ، ولأنّ جماعة المسلمين ليست قائمة الآن ، فعلينا جميعا أن نتوحّد لنعمل في جماعات لنقف في مواجهة الباطل القوي ، وأنا أرى في فكر جماعة الإخوان المسلمين ومنهجها الوسطي المعتدل خير منهج فألتزم به ولا أنكر على غيري انضمامه لأي جماعة .
قال: إن كنتم تدعون إلى الخلافة الإسلامية فلم لا تعلنوها من الآن ؟!
قلت : دعوتنا تبدأ بالتدرج في الخطوات بحلمٍ وأناة وصولاً إلى منهاج النبوة ، تبدأ بالتعريف بالإسلام ، ثم تكوين المجتمع المسلم بتنفيذ خطوات عمليَّة محكمة ، تبدأ في " الفرد المسلم "، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، ثم الحكومة المسلمة، ثم الخلافة الإسلامية على منهاج النبوَّة، ثم هداية العالم كله لرسالة الإسلام الخالدة، منطلقين من شعار : الله غايتنا ، وأسلوب " لين في غير ضعف ، وقوة في غير عنف ".
ولعلّ خير من يجيبك على هذا التساؤل مؤسس دعوة الإخوان الإمام حسن البنا إذ يقول عن طريق الخلافة : " إن هذا الطريق مرسومة خطواته، موضوعة حدودة، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين إما النصر والسيادة، وإما الشَّهادة والسعادة "
قال : جميل ، ولكن ألا أستطيع المساهمة في بناء المجتمع منفردا ؟
قلت : لا ننكر على أحد أن يعمل منفردا إلا أن العمل الجمعي أقوى وأكبر وأشمل، و يجب أن يكون في عنق كلّ مسلم بيعة لخليفة مسلم ؛ ولأن الخلافة الآن معطّلة فالبيعة عندنا بيعتان : التى تكون للإمام أو خليفة المسلمين؛ ولا معنى لها الآن بغياب الخلافة ، أما البيعة الثانية فهي جزئية وهى البيعة لجماعة الإخوان المسلمين وهي بيعة مؤقتة ، وفي حال وجد خليفة للمسلمين فإنها تنحل تلقائيًا وتصبح البيعة واجبة لخليفة المؤمنين .
قال : ولكنكم محاربون ، فلماذا لا أدعو إلى الله بدون قيود ؟!
قلت : تأثير الجماعات أقوى من تأثير الأفراد ، وما دمت تعمل للإسلام فستحارب حتى لو كنت فردا ، ولقد رأيت كيف كانت الأنظمة السابقة تضطهد كلّ داعية يغرّد بعيدا عن مرادها ، ويدعو إلى الإسلام الحقيقي لأنّه يفضح سوءاتها ويكشف عوارها ؛ ويجب أن تعلم أنّك ما دمت تدعو لهذا الدين ستحارب ، وتكذّب ، وتتهم بما اتهمنا به .
قال : وكيف سبيل النجاة من أعدائنا ؟
قلت : إن سرت في طريق الدعوة إلى الله ، وإلى الإسلام الذي علّمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم ، فاعلم أنّك على حق سوف تعادى وتحارب عليه ؛ فالزمه واصبر على تبعاته ، ولا تحد عن دربه ، وجاهد من أجله أياً كان مكانك وموقعك، واترك أي قضية جانبية تثار ضدّك ؛ فهناك من لا يريد لمرادك أن يتم ، وهناك من يرى في عودة أمثالك إلى الحكم منعا للباطل الذي يقتات منه ، وحداً لعربدة أهله ونشر قيمهم السلبية ، وأخلاقهم الوضيعة ، وإيقافا لفحشهم وفجورهم ، يقودهم أتباع إبليس الذي عاهد ربّه على غواية البشرية .
فإذا عرفت أنك مع الله الذي لن يضيّعك ، وأنّ عدوّك مع الشيطان الرجيم أقول لك : قد عرفت فالزم ، واصبر ، وكن مع الله ولا تبالِ.