جناية المطبلين والغافلين على غير الثائرين

محمد جلال القصاص

النظم الملكية امتصت موجة الثورات الأولى برشوة الشعب بالنقود، وبغض النظر عن أنها طالت موظفي الحكومة أكثر من غيرهم، وبغض النظر عن أنها كانت نقوداً ولم تكن وظائفاً، ومشاريعاً إنتاجية، فإن الخير يكون أكثر في إيجاد فرص إنتاجية يستفيد منها الجميع لا بدفع نقود تسبب تضخم (مطاردة كمية كبيرة من الأموال لعدد قليل من السلع، فتزيد الأسعار)، وبالتالي يتم سحب الأموال ثانية من خلال ارتفاع الأسعار وإضرار من لم ينله شيئ منها، وهو ما كان بالفعل، بغض النظر عن هذا كله، فإن تمرير الأزمة بنقود كان إيجابياً نوعاً ما واستفاد منه المواطن العادي بدرجةٍ ما.

واليوم تمرر الأزمة بعددٍ من الأمور التي تحول دون حدوث تطوير لواقع الناس اقتصادياً أو سياسياً، بل ودفعهم لأسوأ مما كانوا عليه.!!

وملخص الموضوع أن "النظم المحافظة" تحاول تفجير الوضع الداخلي في بلاد الثورات لتعطي رسالة لشعوبهم بأنه هذه هي ثمرة الثورات التي فرحتم بها، فهل تريدون أن تكونوا مثلهم؟!.

ومناقشة الموضوع تحتاج لاستحضار عدد من الأبعاد.

أولها: السياق الداخلي (في الدول الملكية التي لم تطالها الثورة): في هذا السياق يتم تهييج "المطبلين"، و"الغافلين"، و"المنتفعين" وقصيري النظر"  كل منهم يساعد في رسم مشهد منفر من تغيير الأوضاع الظالمة في الأمة المسلمة؛ فيأتي "أستاذ العقيدة" ليقول بأن الثورات أتت بالإخوان الذين شدوا الحبال مع الروافض أعداء الله، وكأن "النظم المحافظة" التي تسترقه قطعوا دابر الرفض من بلادهم،  فلم يتمادى الروافض في شرق الجزيرة وغربها وجنوبها وعلى أطرافها، وكأن "النظم المحافظة" يقاطعون إيران ويحاربونها ليل نهار، وكأن إيران لا تبيع منتجاتها في دول الخليج، وتدعم "شيعتها" في دول الخليج بل وفي الحرم، وتحتل أرض الجزيرة (طمب الصغرى والكبرى وأبي موسى)، وترغم القوم على تسمية بحر العرب ببحر الفرس، وتقيم لهم بقع قتالية نشطة تقض مضطجعهم وتستنزف جهدهم (أكبر ميزانية تسلح على مستوى العالم هي السعودية)، وكأن "أستاذ العقيدة" ومن حوله انتفضوا قضوا على كل متعدٍ على الدين وحرية الناس، من أمريكان وأوروبيين بل وشرقيين!!!

ويأتي "المطبلون" للنظم المحافظة يتحدثون بأن نعمة الله عليهم اليوم في الأمن الاستقرار تحت حكم هؤلاء.

إن هؤلاء "المطبلين" و"الغافلين" و"المنتفعين" يأكلون أموال الناس بالباطل، ويتسببون في إهانة الناس، فبدل أن كان ثمن سكوت الشعوب هو نوع من الرفاهية ـ وإنْ كانت محدودة ـ أصبح الثمن هو أن لا يصير حالهم كحال من ثاروا؛ وبدل أن كانت الأمور تسير إلى شيء من استرداد الشعوب حقها في مراقبة حكامها، أصبح من حق الحكام أن يتسلطوا على رقاب الناس حتى لا تكون "ثورة" تفعل بهم كما فُعل بغيرهم.

ثانيها: السياق الإقليمي، والسياق الدولي. ماذا تفعل دول الخليج تجاه الثورات؟، كيف تدار المعركة، بين النظم الملكية المحافظة، والدول التي ثارت؟

إن شاء الله تكون مداخلتي القادمة في إجابة على هذا السؤال.