الأسعد: ساقٌ ستشفعُ له عند الله، و الأخرى سيركلُ بها الأسدَ

الأسعد: ساقٌ ستشفعُ له عند الله،

و الأخرى سيركلُ بها الأسدَ

محمد عبد الرازق

لمَّا أسفرت نتائج اجتماعات أكثر من خمسمائة ضابط من كوادر الجيش الحر، اجتمعوا في تركيا قبل أشهر عدة، على تشكيل هيئة الأركان المشتركة برئاسة العميد سليم إدريس؛ لتكون بديلاً عن هذه القيادات الثلاث ( العقيد رياض الأسد: مؤسس الجيش الحر، و العميد مصطفى الشيخ: رئيس المجلس العسكري للجيش الحر، و اللواء محمد الحاج علي: قائد الجيش الوطني ).

ذهبت كثيرٌ من الظنون إلى أنَّ ثمَّة اعتراضًا سيواجه هذه الهيئة، و قد يتطوَّر إلى تمردٍ من لدن ( العقيد الأسعد )، المؤسس الأول للجيش للحر؛ إلاَّ أنَّه بتواضعه الجمّ قد فاجأ الجميع، فلقد تقبَّل الأمر بنفس رضيَّة، و عرَفَ أنَّ فضل السبق له في تأسيس الجيش الحر، لا يعني أنْ يبقى على رأس هرمه طيلة عمره.

فهو جنديٌّ نذرَ نفسه لخدمة هذه الثورة المباركة، و لسبب ما رأى رفاقُه من الضباط أن يُعاد النظرُ في هيكلة الجيش الحر، بعيدًا عن هذه القيادات الثلاث؛ فكان أنْ نزلَ إلى ساحات العمل في الداخل السوري، ليثبت لإخوانه من الضباط أنّه جنديٌّ ملتزمٌ بما يمليه عليه الواجب.

لقد أصبحنا نراه من خلال مقاطع الفيديو: مرةً في جبل الزاوية، و أخرى في حلب، و ثالثة في درعا؛ إلى أن جاءت نوبةُ الميادين: حيث حدث له ما لم يكن يخشاه.

إنّ الأسعد بما هو عليه من الخُلُق العظيم، و بما تربّى عليه ابتداءً في حضن أسرته ليثبتُ لمُحبه، و مُبغضه أنّه أكبر من سفاسف الأمور، و أنّ همّ انتصار الثورة عنده يعلو على كلّ همٍّ آخر.

إنّه بساقه التي فقدها في سبيل الله من اجل انتصار هذه الثورة المباركة؛ ليكون قد جعلَها تسبقُه إلى الله عزَّ و جلَّ شافعةً له عنده، و اللهُ سبحانه قد أبقى له الأخرى؛ ليركلَ بها الأسدَ إن شاء الله في وقت ليس ببعيد.

و هو في ذلك خليقٌ أنْ يكون خَدَنًا للحاجب المنصور (محمد بن أبي عامر المعافري: ولد سنة 327 هـ في جنوب الأندلس، و توفي سنة 392هـ، حكم الأندلس من سنة 300حتى 350هـ ).

 و كان الحاكم الفعلي للخلافة الأموية في الأندلس في عهد الخليفة الأموي المؤيد بالله، أسس الدولة العامرية، و لقب نفسه الحاجب المنصور، و قد بلغت الدولة الأموية ذروة قوتها في عهده. 

و لمَّا مات فرحت أوروبا كلها بموته، و جلسوا على قبره يرقصون، و يعبُّون كؤوس الخمر مُترَعةً، و جاء القائد أُلفونسو، و نصب عليه خيمة كبيرة، و فيها سرير من الذهب، و نام عليه بصحبة زوجته، يملؤهما نشوة موت هذا الخصم القوي، و هو يقول: ( أما تروني اليوم قد ملكت بلاد العرب، و المسلمين، و جلست على قبر أكبر قادتهم؟ ).

 فقال له أحد الحاضرين: ( و الله لو تنفس صاحبُ هذا القبر لما ترك منَّا واحدًا على قيد الحياة، و لما استقر لنا قرار ).

فغضب ألفونسو، واستلَّ سيفه، فأمسكت به زوجته، و هي تقول له: ( لقد صدق هذا؛ أَيفخرُ مثلُنا بالنوم فوق قبره! والله إنَّ هذا ليزيده شرفًا؛ فهو حتى بموته لا نستطيع هزيمته. و التاريخُ يسجل انتصارًا له و هو ميتٌ. قُبحًا لنا بما صنعنا، و هنيئًا له النوم تحت عرش الملوك ).

لقد أُثِرَ عنه رحمه الله أنَّه كان يجمع غبار ملابسه بعد كل معركة يخوضها، و بعد كل أرض يفتحها، و يضعه في قارورة، و قد أوصى أن تدفن معه؛ لتكون شاهدة له عند الله يوم يعرض للحساب.