نقيب الصحفيين والإجرام الإعلامي !
أ.د. حلمي محمد القاعود
من حق نقيب الصحفيين الحالي أن ينتمي إلى الفكر الذي يريد والعقيدة التي يهواها ، فقد كان والده من كبار رجال الحزب الوطني وعينته السلطة عضوا بمجلس الشورى بسبب هذا الانتماء ، وهو نفسه ينتمي إلى فكر يفترض أنه ضد الحزب الوطني وهو الفكر اليساري ، وكان عضوا بحزب التجمع اليساري ذي القيادة الشيوعية، ولما كانت الانتخابات قد أتت به نقيبا لواحدة من أهم نقابات الرأي والتعبير ، فقد كان علينا نحن الجمهور الذي يتلقى ما يقدمه الإعلام والصحافة من أخبار وآراء وتصورات ، أن ننتظر من النقيب الجديد أن يدافع عن المهنة ، ويرفع من شأنها ، ويعالج ما قد يتسلل إليها من شوائب تنافي الدستور والقانون العام وتصب في دائرة مخالفة للسياق الاجتماعي والخلقي والمهني .
أتصور أن مهمة النقيب الحالي صعبة ، فهناك كلام كثير أن النقيب الحقيقي شخص آخر في مجلس النقابة يحرك الأحداث وفق هواه ، ويستطيع بمعاونة أنصاره الذين لا يغادرون النقابة وشاشة الفضائيات إلا نادرا ، هؤلاء بتأثيرهم القوي كما يشاع ، يحدون من سيطرة النقيب المنتخب ، ويحولونه إلى صورة خارجية يتحركون من خلالها . وأرجو ألا تكون هذه الشائعة حقيقية ، لأنها لو صحت فنحن أمام كارثة حقيقية ، وكل ما أرجوه أن يكون النقيب موجودا في ميدانه ، مدافعا عن المهنة ، معنيا بشئونها وقضاياها الحقيقية لا الحزبية والسياسية .
إن المستوى الذي وصلت إليه بعض الصحف والصحفيين اليوم يشير إلى كارثة خلقية ، ربما لم يسبق لها نظير في تاريخ الصحافة المصرية ،فهناك صحف مأجورة يصدرها وينفق عليها لصوص من ذوي الياقات البيضاء ويسرقون بالقانون ويعملون بالقانون ويعيشون بالقانون وهو القانون الذي صيغ في زمن الفساد بأرقام مختلفة على مدى ستة عقود من الحكم الاستبدادي الفاشي الذي سقط رأسه ولم تخلع جذوره . هذه الصحف لا تنتمي إلى مهنة الصحافة بسبب وإن ظهرت في ألوان وورق أبيض – مصقول أحيانا – فهي تكذب وتفبرك الأخبار ، وتلونها بالرأي لتحقيق أهداف غير خلقية ، وإيذاء غيرها والدفاع عن اللصوص من أصحابها أو من يدفع لها . ثم هناك من الصحفيين من تربى في ظل الفاشية المستبدة وأجهزتها الأمنية ، وكان يظن نفسه في فترة ما قبل الثورة في مأمن من المؤاخذة والحساب مهما كذب وافترى وفبرك وتطاول على عباد الله ، ونلاحظ اليوم أن لغة هؤلاء وأمثالهم قد وصلت إلى دركة من الانحطاط والبذاءة والفحش غير مسبوقة لأنهم لا يحاسبون ، ومن أن العقوبة فقد أساء الأدب . تأمل ذلك المعجم القبيح الذي يتداوله هؤلاء ضد مخالفيهم والمسئولين الذين ليسوا على هواهم .
كي لا يكون الكلام مرسلا سأقدم بعض ما جاء في صحيفة يومية خاصة من عناوين تعد من أخف العناوين صياغة ويمكن نشرها على الناس ولأخبار ولا أدرى إن كانت تتفق مع مهنة صاحبة الجلالة أو إن مكانها هو النيابة العامة ، ويكفي أن هذه الصحيفة نشرت في شهر مارس الماضي فقط واحدا وستين خبرا كاذبا من مائة خبر ، وفقا لجهات مراقبة المهنية الصحفية :
(دراسة أمريكية تكشف : الولايات المتحدة دعمت الإخوان "لخلق بديل لتنظيم القاعدة .. و38 اجتماعا جاءت بالجماعة إلى الحكم – تقارير غربية : سيناء أخطر ثقب أسود في الشرق الأوسط .. والجيش الإسرائيلي : أرض بلا صاحب – مرسي : " القرد مات " .. والقضاء : " نائبك اتخلع " – القضاة والنيابة يحتفلون بإبعاد " طلعت " والإنقاذ: سنرد بقسوة إذا لجأ الإخوان للعنف –جهات سيادية تتلقى تقارير عن محاولات لتفكيك المخابرات وإنشاء أجهزة موازية – رسالة إلى محمد مرسي : كن رجلا واقتلنا – لقاء مرسي في قطر .. للأهل والعشيرة فقط - سلفي يغني للرئيس : اضرب حاصر أي فساد – بابا زعيم سياسي : كل ظالم له نهاية .. ولو كان "إخوان " - مصرية تتهم نجل شقيقة " هنية " :رفضت تأسيس شركة للتجارة مع غزة .. فحاول قتلي – قانونيون : خسرنا 21 مليار جنيه بسبب " طلعت " .. وجميع قراراته محل طعن – شاهد إثبات يؤكد اتصال خلية الإمارات ب" بديع والشاطر والقرضاوي ".....).
قبل أيام ذكر الأستاذ فهمي هويدي في مقال له بعنوان " مهنة في خطر " أن سبعة من المحررين والمحررات زاروه ، كي يعبروا عن حيرتهم ويبحثوا عن حل لمشكلة اتهامهم بأنهم من الإخوان لمجرد أنهم يحاولون أداء عملهم المهني بصورة متوازنة وغير منحازة. وقد أكدوا له وأقسم أحدهم بالثلاثة على أنه لا علاقة له بالإخوان ولم يلتق أحدا منهم فى حياته. وقد طلب منهم رئيسهم مجموعة من المطالب المعادية للحقيقة منها : التركيز على أن الإخوان معتدون وأن الآخرين ضحايا ــ تصوير اللافتات التي تندد بالرئيس مرسى وتتحدث عن حكم المرشد ــ التأكيد على عدم شرعية الرئيس وبطلان تعيين النائب العام ــ الإشارة المستمرة إلى بطلان الجمعية التأسيسية والتركيز على أن الدستور وضعه فصيل واحد ــ المبالغة فى نطاق مظاهرات الأقاليم وفى تقدير أعداد المشاركين فيها ــ التركيز على استحواذ الإخوان على السلطة وتغلغلهم فى مفاصل الدولة ــ اضطهاد الإخوان للأقباط وعداؤهم للمرأة ــ الإلحاح على وجود أزمة بين الرئاسة والجيش والمطالبة بنزول الجيش إلى الشوارع وتوليه للسلطة ــ .. إلخ .
ألا يستحق هذا من نقيب الصحفيين أن يعقد مؤتمرا لإنقاذ المهنة بدلا من الاهتمام بالوقفة الاحتجاجية لمد سن المعاش حتى 65 سنة وتضامنا مع صحفيي الصحف القومية الذين أحيلوا إلى سن المعاش فى سن الستين وهو مطلب يتناقض مع المساواة التي أقرها الدستور ؟
ألم يصل إلى نقيب الصحفيين الخبر المفبرك عن استقالة رئيس مصلحة الطب الشرعي للتشهير بمن تكرهه الصحيفة ناشرة الفبركة ؟
أتمنى أن يكون نقيب الصحفيين إلى جانب الأخلاق – وهو من أصل صعيدي يؤمن بالأخلاق ويرفض العيب والبذاءة – كما آمل أن يعيد إلى المهنة تقاليدها العريقة في الصدق والموضوعية والبعد عن الإسفاف والتجريح ، لأن استمرار ذلك يجعل الناس تطالب بحبس الصحفي البذيء ومحاسبته مثل بقية من يسبون الناس ويعتدون عليهم بالقول واليد .هل يثبت النقيب الحالي انحيازه لقيم المهنة ، ويرفض أن يكون صورة لنقيب في الظل ؟