لماذا يتأخر النصر؟
هيفاء علوان
عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام
عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية
إن الشر يعمل جاهدا ليطفئ نور الحق ، وإن قوى الضلال ما تفتأ تتآمر وتتعاون مع الظلمة لتمحو قوى الخير من الوجود ، فقلوبهم تتقطع مع كل نصر أو نجاح يكتبه الله لهؤلاء المؤمنين ولكن الله دائما مع عباده المؤمنين
( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )
بل إن الظلم مهما علا وتجبر فهو غثاء وسيبقى أتباعه دائما في الحضيض وما هم بقدرين على أن يطفئوا نور الله ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )
وإن هذه المعركة بين قوى الخير وقوى الضلال قائمة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان على مدى الأيام والأزمان .
ومن المعلوم أن الباطل ولحكمة يريدها الله قوي ماديا ، وغالبا ما تكون له السلطة المطلقة وتؤازره قوى الشر والضلال ، تشد على أياديه لأنه يكفيها حرب الهدى والإيمان ، دون أن تظهر عداءها الذي لا يخفى علينا – نحن المسلمين ــ
إن هذه الفئة الضالة تفتك بنا ، وتتربص بنا الدوائر ، وتتحالف مع شياطين الإنس والجن فلا يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار إلا إذا أصابتنا البأساء والضراء واستحكم بنا البلاء، ولكن خالقنا حاشاه أن يتركنا في هذه المحنة فهو معنا في كل حين وآن . و لا يريد سبحانه لنا أن نتلقى البطش والفتنة ونحن عزلا وأعداؤنا مؤججون بالقوة والعتاد ، بل أرشدنا سبحانه إلى خير سلاح ألا وهو تقواه ، ومحبة من والاه والعمل بما أنزل عز وجل وبما أوحى إلى مصطفاه .
فإذا أرضى المؤمن مولاه وعادى الشيطان و من والاه ورضي بحكمه ومقتضاه فإن الله سيدافع عنه قال تعالى :
(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير )
إذن فالله عز وجل لن يترك أحباءه في محنهم التي ما أكثرها بل هو معهم كفيلهم وناصرهم ، هو يطمئنهم ويزرع في نفوسهم الثقة والطمأنينة بأنه لن يتركهم للفتنة إلا بعد أن يستعدوا تمام الاستعداد لملاقاة أعداء الله ويتمكنوا من وسائل الجهاد المادية والمعنوية .
عند ذلك فقد ضمن لهم أن يدافع عنهم ومن يدافع الله سبحانه عنه فهــــو منصور حتماً وقاهر لعدوه أيضا .
ولكن قد يسأل سائل : مادام الله يدافع عن الذين آمنوا وهو ناصرهم فلماذا يطلب منهم الجهاد ويمتحنهم بأقسى المحن من قتل وجرح وتضحيات وآلام
مع أنه سبحانه على نصرهم لقدير ، فما الحكمة من قتالهم لعدو الله وعدوهم مع ما يلاقونه من عنت ومصائب ؟ ! !
الحقيقة أن حكمة الباري عز وجل هي أسمى مما نعرف وأبلغ مما نتصور فالله لا يريد من عباده وأحبائه أن يكونوا إمعات كسالى يتنزل عليهم نصره بكل يسر وسهولة ، ينالونه وهم يضطجعون على الأرائك يلهــــــون و يتسامرون .
إن النصر إذا كتب للمتكاسلين النائمين دون جهد ودون عناء ، يعطل كل ما لديهم من طاقات وإمكانات ، عدا عن أنه يسهل زواله فهو رخيص مبتذل لم يبذل فيه تضحيات ولا دماء لذ تراهم لا يتحفزون للدفاع عنه ، ولا يبالون
فالأمر هين لذا تراهم متفرقون كل يغني على ليلاه ، لا يربط بينهم رابط الإيمان وليس توحدهم العقيدة والأهداف
ولا توحدهم الآمال ولا الآلام ولا المواقف .
لذلك ومن أجل أن يوحد خالقهم كلمتهم ويشحذ همتهم ومن أجل أن لا تفل عزيمتهم ولحكمة يريدها جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ، ولم يجعله هبة تقدم لهم على أطباق من ذهب .
قد يتأخر النصر لأن الأمة لم تحشد كل ما لديها من طاقات ، ولم تستعد بعد الاستعداد الكافي لنيل أغلى أمنية ألا وهي التمكين والنصر على الأعداء .
وقد يتأخر النصر حتى تبذل الأمة كل ما لديها من قوة ومن رباط الخيل لترهب عدو الله وعدوهم .
وقد يتأخر النصر إذا كانت لدى الأمة قناعة بأن النصر إن حصل فبما جنت يديها وكان بما قدمت هي أي الأمة من مال وتضحيات ، ونسيت أن حقيقة أن النصر إ نما هو من عند الله هو الذي يتكفله و يكتبــــــــه على العباد فهم عليهم إعداد العدة والعتــــاد والباقي على رب العبـــاد ، رب الأربــــــاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب .
وقد يبطئ النصر إذا لم تخلص النفوس لخالقها ، إذا كان يشوبها رياء وحب للسمعة وللمفاخرة وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم لما سئل متى يكون جهاد المسلم في سبيل الله ؟ ؟
قال صلى الله عليه وسلم ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) .
وقد يتأخر النصر لأن الأمة لا يزال فيها بقية خير أو في هذه الأمة المباركة فئة تخاف الله تعالى وهي مغلوبة على أمرها أو قد يكون السبب أن الباطل يخادع ويخاتل ولم ينكشف زيفه بعد ولم يتنبه الكثيرون إلى ضلاله وخداعه عند ذلك قد تجد الفئة المؤمنة بعد النصر من يكيل لها العداء جهلا أو تحاملا فيتكالب عليها مع الأعداء .
وهنا يتساءل المرء : هل النصر هو آخر المطاف ؟ !
ألا تحتاج الأمة المسلمة إلى تكاليف تتمسك بها وتعض عليها بالنواجذ حتى تحافظ على هذه المنة والنعمة العظيمة ؟
لابد لكل ناجح من همة وعمل ، ولا بد بعد الفوز من تبعات يتحتم على الفائز من التمسك بها لكي تدوم نعم الله عليه .
ولابد لنا في هذا المقام أن نتعرف على صفات المؤمنين الذين يستحقون نصر الله ؟ !
قال تعالى :
( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكـــاة وأمــــــروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )
إذن فالنصر لمن ؟
للذين يقيمون الصلاة بخشوعها وأركانها يقيمون الصلاة قولا وفعلا وهم بعد الصلاة من خير العباد قال المصطفى
( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا )
والنصر أيضاً لمن أدى الزكاة وكان قمة في التعاطف والتراحم والتـــواد كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
قال تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم )
وهؤلاء أيضا الذين يستحقون النصر من صفاتهم أنهم يبادرون دائما إلى فعل الخير لعباد الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم ، لا يقلقون هل يرضى الناس عنهم أم لا إن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر .فرضى الناس غاية لا تدرك . إن هؤلاء يستحقون النصر المؤزر، هم نصروا دين الله ومنهجــــه وحــق لله أن ينصرهم ويظهرهم على عدوهم .
( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز )
اللهم امنن علينا وعلى عبادك المؤمنين بالنصر المؤزر على أعدائك وأعدائنا أعداء الدين إنك سميع قريب وبالإجابة جدير.