أوباما ودبلوماسية أن يقول ما يرضي الجميع...
أوباما ودبلوماسية أن يقول ما يرضي الجميع...
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
زيارة اوباما لم تحمل أي بشارة انفراج في المسألة الفلسطينية. كان واضحا أن بيبي نتنياهو لم يعد رئيس حكومة إسرائيل، بل أصبح رئيس حكومة المستوطنين ، الذين بدأوا الاستيطان في الحكومة واحتلال السياسة الإسرائيلية. من جهة سارع بتلبية طلب ( أو أمر) اوباما بالاعتذار لتركيا عن حادثة سفينة المرمرة والاستجابة للطلب التركي بدفع التعويضات لعائلات الضحايا. أما حول القضية الفلسطينية فاكتفى بالقول انه من اجل حل دولتين، دون أي التزام بتغيير في سياسة الاستيطان والحصار ومنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حريته في وطنه.
لم أسجل بالصدفة المفارقة بين الاستجابة لإوباما حول تركيا وعدم التحرك قيد أنملة بالاتجاه الفلسطيني. السياسات الأمريكية من الاحتلال والاستيطان لم تتغير، لكنها ظلت مجرد مواقف تقال دون ممارسة ضغط للتنفيذ، بدل ذلك التزام أمريكي بتوفير الغطاء السياسي الدولي للممارسات الإسرائيلية، حتى التي لا تقبلها الولايات المتحدة.
لماذا استجاب نتنياهو بهذه السرعة لطلب اوباما في الموضوع التركي واتصل باردوغان معتذرا وموافقا على تعويض العائلات التركية بعد أن كان الموقف الإسرائيلي متعنتا يرفض أي اعتذار ، لأن الاعتذار اعتراف ضمني بالمسؤولية على ارتكاب تجاوز قانوني دولي هو بمثابة جريمة حرب!!
اطرح هذا الموضوع بالارتباط بالموضوع الفلسطيني لنفهم بعض محركات السياسة الإسرائيلية والأمريكية ومتى يفرض السيد الأمريكي رأيه على شريكه الشرق أوسطي.
لا يمكن فهم سرعة اعتذار نتنياهو من اردوغان إلا بربطها بالموضوع النووي الإيراني.. وبموضوع المشروع التركي لاحتلال المكانة الاقتصادية والسياسية الطليعية في الشرق العربي.
ليس سرا ان إسرائيل تملك (أو كانت تملك... وعلى الأغلب لم يتغير الحال) قواعد ووسائل تجسس الكتروني على حدود تركيا مع إيران وربما مع سوريا والعراق أيضا، أهميتها انها عيون دقيقة لرقابة ما يجري في الشرق الأوسط وخاصة في إيران.
جانب آخر: تشكل تركيا قوة شرق أوسطية عظمى، وقاعدة أطلسية، في أي عملية مرتقبة ضد إيران أو سوريا.. وأعتقد أن موضوع النووي الإيراني هو الأمر الحاسم الآن، طبعا بدون نفي الامتداد التركي في العالم العربي وكيف يمكن أن يخدم السياسية الإسرائيلية والأمريكية بنفس الوقت ، هذه الظاهرة يمكن أن نلاحظها تاريخيا أيضا مع انحسار الاستعمار التقليدي ، حيث تسللت إسرائيل إلى الدول التي تحررت من الاستعمار في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. وآخرها الجنوب السوداني!!
تركيا أيضا غير معنية بسلاح نووي إيراني يجعل من إيران القوة الشرق أوسطية الأولى.
خلال الفترة الماضية جهدت تركيا لتحتل مكانة متقدمة في الشرق الأوسط. هذا لن يتوقف، ولكنه لم يتطور كما كانت تتوقعه تركيا لتشكيل قوة اقتصادية في مواجهة السوق الأوروبية المشتركة التي ترفض انضمام تركيا إليها.
إذن إسرائيل أمنت الساحة التركية ، تمهيدا للتطورات في المسالة النووية الإيرانية.
فلسطين لا تشكل الآن تحديا أمام الإدارة الأمريكية. الأمريكيون يعرفون أن الاحتلال والاستيطان هم عائق كبير على أمن حليفتهم إسرائيل في المستقبل، الآن العالم العربي يتمزق، وهو أصلا كان ممزقا وضعيفا في مواجهة التحديات ووضعه لا يتحسن ، بل يسوء أكثر. لذلك الطرح الأمريكي اكتفي بإعلان رؤية وإعلان اهتمامه بضمان التفوق النوعي لإسرائيل، مع تعهد أمريكي لا اخلاقي انها لن تسمح بهزيمة إسرائيل أو غرقها، حتى في ظل تنفيذها سياسة لا يقبلها الأمريكيون.. ومعادية للشعوب العربية برمتها، ولا تقبلها المجموعة الدولية أيضا.
اذن هل من سبب ان تتحرك اسرائيل لحل سلمي يعني انسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني على جزء صغير من وطنه التاريخي؟
خطاب اوباما كان نشارا لأذني نتنياهو وحكومة المستوطنين ، من ناحية أخرى يمكن رؤية خطاب اوباما ردا بطريقة ذكية ودبلوماسية ماكرة على خطاب نتنياهو أمام مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين في أيار 2011 حيث رفض نتنياهو بخطابه، الذي استقبل وقتها بعواصف من التصفيق من مقرري السياسات الأمريكية، مشروع اوباما بحل على أساس حدود العام 1967.
ليس بالصدفة ان اوباما ألقى خطابه من قاعة في القدس وليس من منبر الكنيست التي تتميز انها أكثر كنيست يمينية واستيطانية بتاريخ إسرائيل.
اوباما طرح في خطابة اقتراحا أميركيا قديما ، مضمونه الوصول إلى اتفاق فلسطيني – إسرائيلي حول الأرض والأمن يوضح المناطق التي ستكون ضمن السيادة الفلسطينية والمناطق التي ستكون تحت السيادة الإسرائيلية في إطار حل نهائي ينهي إشكالية الاستيطان. في رام الله قال: القضية الجوهرية الآن هي كيف يمكننا الحصول على السيادة للشعب الفلسطيني وضمان الأمن للشعب الإسرائيلي.. وأضاف: إذا تم حل هاتين المشكلتين، ستحل مشكلة المستوطنات.
لا بد من ان نلاحظ ان اوباما لم يكن حادا في رفضه الاستيطان كما فعل ذلك في خطاب القاهرة بعد انتخابه الأول.
قبل وصوله نُشر من اطراف امريكية حسنة الاطلاع، ان المشروع السعودي ( مشروع الأمير عبدالله ملك السعودية اليوم) الذي تبناه مؤتمر القمة العربية في بيروت (2002) وأصبح مشروعا عربيا، طرح من جديد من الإدارة الأمريكية، من منطلق ان أمريكا ترى أهمية ان تتحول إسرائيل إلى مركز تجاري ومالي وعلمي لكل الشرق الأوسط، وهذا يتطلب اعتراف عربي واسلامي باسرائيل، سيجعل اسرائيل القوة العظمى في الشرق الأوسط بما تملكه من طاقات اقتصادية وعلمية وادارية، طبعا بإندماج أمريكي مع اسرائيل، يعيد بناء المصالح الإمبريالية بطريقة وجهها انساني ومضمونها استغلالي بشع، لذلك إمتدح في خطابه الإبداع الإسرائيلي الاقتصادي والعلمي بشكل بارز لدرجة اعترافه ان المركبة الأمريكية التي أنزلت على سطح المريخ هي من تصميم إسرائيلي وأن إسرائيل أدخلت تطويرات تكنولوجية كثيرة على طائرات الفانتوم الأمريكية. من هنا أيضا أهمية إسرائيل الكبيرة للولايات المتحدة!!
لنفهم الصورة افضل ، الولايات المتحدة بعد اكتشاف حقول النفط الجديدة ستتحول في عام 2017 الى أكبر منتج للنفط في العالم، أي ان سلاح النفط والأهمية الاستراتيجية للنفط العربي لم تعد على سلم الأولويات الأمريكية. بامكان العرب مثلا ان يهددوا صديقة اسرائيل ميكرونيزيا (108 الف نسمة) بنفطهم. اذن العالم العربي يفقد سلاحا هاما لم يطرح اصلا في السياسة العربية او في استغلال النفط في احداث نقلة اقتصادية واجتماعية وعلمية تنقل العالم العربي الى القرن الحادي والعشرين وتجعله قوة تُحسب وتؤثر دوليا في السياسة والإقتصاد والعلوم.
هل ترك اوباما لوزير خارجيته جون كيري العمل الأسود في محاولة جر اسرائيل لفهم استحالة استمرار الاحتلال وضرره على مكانتها ومكانة حاضنها ؟
السؤال ما هو حل الدولتين حسب حكومة نتنياهو الاستيطانية؟ هل سنشهد تطورا يتجاوز الهشاشة التي تعودنا عليها في مواقف نتنياهو من كل العملية السلمية مع الفلسطينيين ؟
ليس سرا أن نتنياهو رفض استلام الخارطة الفلسطينية التي قدمها الجانب الفلسطيني للتفاوض على حدود الدولة الفلسطينية ورفض نتنياهو من جهته تقديم أي خارطة إسرائيلية بديلة.
كان خطاب اوباما من وجهة نظر معظم الإسرائيليين مثيرا ، مقنعا ومليئا برسائل واضحة حول التزام أمريكي بأمن إسرائيل وربط ذلك بقوة بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية تعطي للشباب الفلسطينيين الحق في التطور والتعلم والعمل.
كان كلامه أمام الشباب في القدس أعمق من مجرد علاقات عامة وحديث عن الأخلاق في التعامل مع الآخرين (الفلسطينيين).
كان واضحا في خطابه انه يحث الجيل الجديد على إجراء التغيير المرجو، عدم الاستمرار على نهج الجيل القديم المليء بالشكوك والأفكار القديمة. انتقد بحدة السياسيين المهنيين الذين لا يستطيعون الوصول إلى اتفاق بينهم، وعلى ضرورة العبور عنهم والتحدث مباشرة إلى الجيل الشاب.
في إسرائيل رأى بعض السياسيين اليمينيين ومنهم وزير أساسي في الحكومة، ان اوباما يدس لهم السم بالعسل، فقالوا ان "الشعب في أرضه ليس محتلا" كما صرح الوزير بينيت بتجاهل كامل لما طرحه اوباما عن خطر الاحتلال على إسرائيل نفسها وعلى تأكيده على امن إسرائيل بشكل لا يفسر على وجهين، مؤكدا ان الأمن لإسرائيل لا يتحقق بمساعدة الجيش والأسلحة المتطورة تكنولوجيا فقط، إنما يتحقق أولا بفضل السلام العادل، المبني على قاعدة دولتين لشعبين، بدون احتلال وبدون طرد، بإطار اتفاق يدين الإرهاب ويعطي أملا للآباء والشباب على جانبي الحدود وينهي العزلة السياسية المتزايدة ضد إسرائيل في العالم.
لا شك ان بعض ما جاء في خطابة لا يقع جيدا على آذاننا نحن أبناء الشعب الفلسطيني، لأنه يضمن أيضا استمرار العنجهية الإسرائيلية بحماية سياسية وعسكرية أمريكية ، حتى لو استمرت إسرائيل برفض النصائح الأمريكية.
ما هي حدود الصبر الأمريكي؟ أو الأصح متى يكون للعرب كلمة في عالم لا يرحم المتخلفين والضعفاء، بعد ربيع عربي اعادنا الى الخلف حتى الآن؟!
السؤال الذي يهمنا الآن: هل سيكون اوباما حاسما في مواقفه التي طرحها أم ستذروها الرياح ، كما ذرت كلمات خطابه السابق في القاهرة؟