حديثٌ حول مقتلِ الشيخ البوطي

حديثٌ حول مقتلِ الشيخ البوطي

محمد عبد الرازق

بعد أن أفضى الشيخ البوطي إلى ربّه؛ فإنّ ما كان يقال عنه من كلام يقدح في سمعته لم يعُد من المناسب فيما أرى أن يتمّ تداوله لاحقًا؛ غير أنّ الذي يمكن أن يقال الآن هو: ماهي الأمور التي دعت إلى قتله ( توقيتًا، و مُبررات ).

إنّ ممَّا عوّدنا عليه نظام الأسد أنه مع كلّ حدث يتعلّق بالشأن السوري، تنوي الأطراف العربية، أو الدولية القيام به تجاه سورية؛ نجده يسارع إلى افتعال حدث محليّ يخلط فيه الأوراق، و يشوّش فيه على المهمة التي تنوي هذه الأطراف القيام بها.

 و هذا أمرٌ ألفه السوريون بدءًا من لجان المراقبة العربية، و مرورًا بمهمة عنان، و الأخضر الإبراهيمي من بعده. و هو ما اعترفت به عناصر من النظام أمسك بها الجيش الحر، و كانت على اطلاع على التفجيرات التي نفذت حينها.

و بهذا تأتي عملية مقتل الشيخ البوطي متزامنة مع التحقيق الذي تزمع الأمم المتحدة إجراءه حول استخدام الأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر في سورية؛ و بهذا فإنّ توقيتها يثير الشكوك في الدوافع من ورائها، و في الجهة التي تقف خلفها؛ استنادًا إلى ما عوَّدنا عليه الأسد في مثل هذه الحالة.

ثمّ إنّ هناك مستجدات محلية، و إقليمية قد حدثت متزامنة معها، حريٌّ بالمتابع أن يتوقّف عندها؛ لأنّ فيها ربطًا للأحداث بما يساعد بقدر كبير على تفسيرها نوعًا ما.

فقبل يومين سبقا تمّ اختيار ( غسان هيتو ) رئيسًا لأول حكومة مؤقتة، ستشكلها قوى المعارضة السورية؛ الأمر الذي يعني سحب الشرعية الدولية من حكومة الأسد، في حال نفذت الدول تعهداتها بالاعتراف بها.

و كما هو معروف فإنّ رئيس هذه الحكومة شخصية كردية يعيش في أمريكا، و يحظى باحترام غالبية أطراف المعارضة السورية؛ الأمر الذي يعني حسم مواقف بعض القوى الكردية نحو تأييد الثورة السورية.

و في اليوم نفسه الذي كان فيه مقتل الشيخ البوطي الكردي الأصل، كان إخواننا الأكراد في تركيا يحتفلون بعيدهم القومي ( يوم النيروز )، و هو اليوم ذاته الذي قام فيه زعيم حزب العمال الكردستاني التركي ( عبد الله أوجلان )، بإرسال رسالة قرأها النواب الأكراد في البرلمان التركي، في تجمع جماهيري سلمي حاشد، تشهده محافظة ديار بكر لأول مرة بهذه المناسبة، و أعلن فيها وقف العمليات العسكرية بين حزبه، و بين الحكومة التركية؛ الأمر الذي لاقى صدى طيبًا من لدن الحكومة التركية، و جماهير الحزب نفسه، و هذا يعني خسارة نظام الأسد ورقة طالما راهن عليها في تهديد الاستقرار في تركيا؛ كون حزب العمال الكردستاني الحليف الاستراتيجي على مدى سنوات خلت، و يشكل حزب ( يكتي ) الكردي السوري امتدادًا له في سورية، و هو حليف وثيق للأسد في المناطق الكردية ضد الحراك الشعبي الكردي.

إن مقتل الشيخ البوطي يأتي متزامنًا مع انفضاض نسبة كبيرة من الطبقة البرجوازية في دمشق عن دعم النظام، و هم يعدّون من تلامذة الشيخ البوطي الخلّص؛ الأمر الذي أزعج الأسد، فأراد من خلال ما حصل للشيخ البوطي أن يوجِّه لهم رسالة شديدة اللهجة.

و يأتي أيضًا بعد أيام قليلة من مقتل حفيده في قصف تعرّضت له مدينة عربين؛ الأمر الذي كما يروي مقربون منه، أنه قد ترك أثرًا كبيرًا في نفس الشيخ، فجعله يعجّل من أمر المراجعة التي كان يجريها حول موقفه المؤيد للأسد، بحسب ما نقل عنه عددٌ من مشايخ دمشق.

 ثمّ إنه قد ذُكِر أنّ عددًا من أسرته قد وصل إلى تركيا مؤخرًا تمهيدًا للموقف الذي سيعلنه في خطبة الجمعة ( 22/ آذار )، التي سبقها حادث مقتله.

و يبدو أنّ النظام قد استطاع أن يعرف عن الشيخ هذه النوايا من خلال أجهزة التنصت المزروعة في محيطه؛ ممَّا جعله يبادر إلى قتله في هذا الوقت، و لاسيّما أنّه جاء متزامنًا مع الأمور التي أشرنا إليها (دوليًّا، و محليًّا، و إقليميًّا ).

و لعلّه من نافلة القول أن نذكر أن جامع الإيمان الذي يلقي فيه الشيخ دروسه، و خطبه في حيّ المزرعة بدمشق أشبه ما يكون بثكنة عسكرية؛ حيث يخضع مُرتادوه إلى عملية تفتيش دقيقة؛ و عليه لا يُعقل أن يقع فيه أيّ عمل كالذي روّج له النظام.

ثم إنّ الصور التي نقلتها أقنية النظام الإعلامية لم تظهر فيها أيّة آثار تشي بحدوث انفجار في داخل الجامع، فهذه الساعة خلف منضدة الشيخ ما تزال في مكانها على الجدار، و كذا المروحة السقفية التي فوقه، لا بل حتى المنضدة نفسها لم تتحرك من مكانها. هذا فضلاً على أنه قد لوحظ أن القتلى الذين ظهرت صورهم بدى واضحًا أنهم مصابون بطلق ناري في الرأس، و ليس هناك أمارات عملية تفجير عليهم؛ ممَّا يعني أنّ الأمر لا يبعد أن يكون عن طريق الطلق الناري المباشر، و أنّ أمر التفجير الذي سُمِع متزامنًا مع الحادث قد يكون خارج المسجد للتغطية على حقيقة ما حصل في الداخل كما أشرنا.

و بغض النظر عن تبادل التهم نقول: إنّه ليس ثمّة مصلحة للمعارضة في هكذا عمل؛ إذْ ليس من ديدنها أن تقوم بتصفية خصومها من رجال الدين، فهذه شنشنة للنظام، و قد كُشف قبل حين أمر مقتل (سارية ) نجل المفتي أحمد حسون، بعد أن تاجر النظام في مقتله، و نسبه إلى المعارضة، و تبيَّن أن الأمر كان من تدبير فرع المخابرات الجوية ابتداءً، و انتهاءً.

إنّ الأيام حبلى بمفاجآت حول مقتل الشيخ البوطي، ستجعل النظام في ورطة ممّا أقدم عليه، و هو الأمر الذي بدأت بعض حيثياته تتكشف شيئًا فشيئًا، و هناك المزيد من الأمور التي تعهّد رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة ( الأستاذ أحمد معاذ الخطيب ) بكشفها في الوقت المناسب، حول تورط نظام الأسد في مقتل الشيخ البوطي.