القول الفصل في البوطي
القول الفصل في البوطي
عبد الله المنصور الشافعي
بسم الله ... اختلف الناس في شأن البوطي بين مترحم مشفق ولاعن مفحش والحق بين بين .وطريقة القطع بحال وحكم البوطي ترجع إلى تمييز حقيقة عمله .قرر الإمام الغزالي أن خطر عالم السوء أعظم من خطر الشيطان نفسه "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" "أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال الأئمة المضلين" أو كما قال . لم تختلف الأمة في حكم الخوارج كما قال الآجري وأنهم إذا دعوا إلى مذهبهم ومشوا به قتلوا وأنهم كلاب النار وشر قتلى تحت أديم السماء .فهل زاد البوطي على أن يكون في حقيقة فعله وخلاصة موقفه على أن يكون أحد أئمة الخوارج في دعوته لتقتيل المسلمين وأن قاتلهم كاد أن يبلغ رتبة الصحابة والصديقين!! إن مذهب الإمام أبي حنيفة وغيره ينص على أن الآمر بالقتل يقتل دون المباشر للقتل إذا توفرت عند الآمر نوع من السلطان العقلي أو الفعلي على المباشر فهل من سلطان على الإنسان أعظم من سلطان كلمة عالم ؟ فكم غرر البوطي وخدع من المسلمين السذج ؟ قال ابن فرحون اتفق العلماء أن الداعي إلى بدعة المفرق للجماعة يستتاب فإن تاب وإلا قتل .فما ظنك بداع إلى تقتيل أمة الإسلام واستئصال شأفة السنة في الشام ولمصلحة الكفر والشيعة والنصيرية !!؟ .لا ريب أن حكم البوطي كان نظير حكم أي رجل من طواغيت النظام ممن يأمر الجند بالقتل والتنكيل بل إن أمر البوطي أعظم خطرا لعلمه ومنزلته التي تعظم بها فتنته.
فبعد هذا أليس عجبا أن نرى أقواما تترحم على البوطي وقد خدم النظام منذ أيام المجرم الأب ونشر كتابه الجهاد بعد مجزرة حماه وصفنا فيهنحن أهل حماه بالمفسدين في الأرض وحكم علينا بأحكام البغاة وعذر الأسد وبرر له قتل أهل حماه ثم شهد كذبا ونفاقا للأسد الأب وابنه باسل بالجنان والصلاح ...فكفى عواطف مريضة...كفى سذاجة ورأفة في غير محلها فعباد الله أكياس عقلاء لا ينخدعون وحين رجم المسلمون ماعزا لعنوه وسبوه بناء على الأصل فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه تائب وأنه دفع حياته ثمنا لتوبته فشتان شتان بين من يضحي بحياته ليتوب الله عليه ومن ضُحِّيَ به لإرغام أهل الإسلام في الشام والمتاجرة بدمه لقد كان البوطي علينا حتى في مقتله وآخر قطرة من مهجتهوكان أغبن متجر في نفسه والله أعلم بخاتمته
إن الشيخ البوطي لا نشك بعلمه كما لا نشك بفتنته ونعتقد أن حساب العالم عند الله تعالى أشد من حساب غيره "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" والعياذ بالله.وإنما يحاسب المرء على قدر علمه فيرتفع به علمه أعلى الدرجات أو يهوي بسببه ومخالفته أدنى الدركات .فأمر البوطي إلى الله تعالى وحاشى أن نتألى على الله تعالى وقد قيل للحسن البصري إن الحجاج قال قبل موته
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا *** بأني امرؤ من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ؟ويحهمٌ *** ماعلمهم بكريم العغو غفار؟
فقال الحسن فما ظنكم ؟...ومع هذا فإننا نجزم بناء على قواعد الدين أن البوطي قد ارتكب من الآثام والعون على الولوغ في الدماء المسلمة المحرمة ومساندة الباطنية النصيرية وتأييد حكامها الكفرة الفجرة المجرمين ما لايعلم ضرره وخطره إلا الله تعالى. وكان حده وعقوبته القتل ومن قتل عقوبة وهو مصر عليها لا يستحق ترحما وإلا فارحمه بترك قتله .كما أذكر هنا بخطأ مقولة لا يستحق الميت غير الرحمة فهي من العوار والضلال بما يغني حكايتها عن تكلف الجواب عنها ويغني عنه الدعوة إلى تأملها وتذكّر لعنة الله على الظالمين والفاسقين والكافرين.
إن دين الله بين الإفراط والتفريط بين مذهب الخوارج والمرجئة والحق بين التجسيم والتعطيل والمتقدم عن الصف كالمتأخر عنه .ومع ذلك كله فإنا نمنع من أن يتألى بشأنه -البوطي- كفرد معيّن ومصيره على الله أحدا بلعن أو ترحم ونترك أمره إلى مالكه وخالقه سبحانه وتعالى ما كان لبشر أن يسبقه بقول أو يعقب عليه بأمر سبحانه تعالى اسمه وجل سلطانه وتقدست أسماؤه...(لقد كان في قصصهم عبرة لألي الألباب).