نوح عليه السلام ومحمد مرسي

نوح عليه السلام ومحمد مرسي

محمود القاعود

[email protected]

بادئ ذى بدء: سبق وأن عارضت الرئيس محمد مرسي يوم أشار عليه وزير الثقافة اليساري صابر عرب بدعوة "النخبة"المزعومة بزعامة محمد سلماوى وشركاه من أساطين العلمانية والليبرالية، وتصدير اللقاء على أن الرئيس التقى "المثقفين" ، وكنت أحد الموقعين على بيان يندد بلقاء الرئيس بهؤلاء الذين عاشوا يطبلون لـ حسني مبارك وزوجته ونجله ، وكتب عدة مقالات فى هذا الشأن أرفض تحت أى مسمي لقاء الرئيس بهؤلاء الذين لوثوا الماضى والحاضر والمستقبل وبرروا الظلم والإرهاب والقمع ، وزينوا الطغيان والاستبداد والجبروت، وقلت يومها أن الشاب الذى قامت مدرعة شرطة بتحويله إلى عصير وهشمت رأسه لم يخرج فى الثورة حتى يتم تكريم يوسف القعيد وجمال الغيطانى ومحمد سلماوى وإقبال بركة وعبدالناصر حسن وبهاء طاهر وأحمد عبدالمعطى حجازي ورفاقهم من المخلصين لحظيرة "روءة" ، واستنكرت استبعاد المثقفين الأصلاء الذين تفانوا فى الدفاع عن الوطن ولم يرهبوا الديكتاتور المخلوع فى أوج سطوته وإجرامه.

انتقدت الرئيس وعارضته بقوة ولازلت أطالبه بتطهير وزارة الثقافة والإتيان بوزير إسلامي يعرف أنه وزير ثقافة دولة مسلمة وليس وزيرا  لقهوة "ريش" أو أحد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني .

وعود على بدء: أحسب أنى أكتب ما يمليه علىّ ضميرى من أجل ديني ووطنى وليس من أجل أشخاص أو أحزاب لا أبتغى منصباً ولا مالا، ولذلك فإن الحملة الظالمة على الرئيس محمد مرسي من قبل سدنة النظام البائد وحزب " أبجنى تجدنى"  لا تعد نقدا أو نصيحة بحال من الأحوال، وإنما ابتزاز رخيص ، وتحريض على الاقتتال وتخريب البلد ..

ما يحدث الآن فى الصحف والفضائيات لا يمت للمعارضة بصلة ، وإنما هى خسة لا نظير لها فى أى مكان بالعالم ، وصفاقة لا نظير لها على الأرض، فأنى يجرؤ خدام النظام البائد من سدنة الإفك والبهتان أن يلبسوا "قميص" الثورة ويؤصلوا لفكرة  أنهم " ثوار أحرار" و "وطنيون" يرفضون التدخل القطرى، وهم الذين صوروا خيانة حسني مبارك وانبطاحه أمام الغرب على أنها حكمة وحنكة وبعد نظر ، حتى أطلق عليه أحد رؤساء تحرير الصحف القومية لقب " طائر الحكمة" و "حمال الهموم" وبكى آخر وقال " مسكين عزيزي الرئيس مبارك محروم من تسبيكة المحشة وطشة الملوخية" ! هذا هو حال من يدعون البطولة الزائفة والعنترية الفارغة، ويمارسون البذاءة فى أبشع صورها وأحط أشكالها، بزعم المعارضة والحرص على مصالح البلد.

 عصابات "البلاك بلوك" المنتشرة فى الفضائيات والصحف تؤصل لقطع الطرق وهدم مؤسسات الدولة وحرق المنشآت والمبانى والمصانع والشركات والفنادق،وتعتبر ذلك عملا ثوريا يستحق صاحبه المكافأة ، بل تحول قتلى الإجرام والسلب والنهب الذين يدمرون البلد، تحولهم إلى شهداء ورجال قلما يجود الزمان بأمثالهم !

حالة بشعة من التربص بكل ما يفعله الرئيس محمد مرسي، وسخرية فجة من شكل الرئيس وحديث الرئيس وأسرة الرئيس ، واستهزاء بكل ما يصدر عنه .. تماما كما فعل المكذبون مع سيدنا نوح عليه السلام .

يحكي الحق سبحانه وتعالى ما قاله نوح عليه السلام لقومه " أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ " فيأتى الرد : " فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" ويستمر نوح عليه السلام فى توضيح الحجة: " قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ" ( الآيات : 26- 31).

كأنى بهذه الآيات الكريمات تكشف  منهج المكذبين الضالين فى كل زمان .. " وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" .. نفس الحجة التى يروجها أعداء الأوطان والحقيقة فى كل زمان ، يعتقدون فى نفسهم السمو والعلو ويصنفون أنفسهم أنهم "نخبة" ، وهذه "النخبة" التى كانت تعيش فى عصر نوح عليه السلام تستنكر أن يكون هناك نبى يتبعه فقراء وبسطاء ، تماماً كما يدعون أن الإخوان يشترون الفقراء بالزيت والسكر !

يحكى الله تعالى استكبار هؤلاء الفجار  "وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالا" ( نوح:22).

لا تذرن آلهتكم .. لا تتركوا مكاسب النظام البائد .. دافعوا عن المخلوع ونظامه ، وهاجموا من يريد القضاء على الفساد ..إنهم أناس يتطهرون .. نفس المنطق الذى استخدمه قوم لوط وتمارسه نخبتنا المزعومة.

يقول تعالى: "وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ "( هود: 38).

قوم نوح تعمدوا إهانة سيدنا نوح والسخرية منه ، وكانوا يرون فى صنع باخرة مادة للتندر والسخرية من نبى الله الكريم ، فكيف تسير الباخرة فى صحراء جرداء ؟ منعهم الكبر والعناد من فهم دعوة نوح عليه السلام ، واستكبروا واضلوا كثير من الناس بسخريتهم حتى أغرقهم الطوفان .

البرامج الفضائية الهزلية التى تسخر من الرئيس وعلماء الإسلام وتهون من كل إنجاز يصنعه الرئيس وتطالبه باجراء انتخابات رئاسية مبكرة ... إلخ الموشح الهزلى الفج.

لا أملك إلا أن أتوجه للرئيس سوي بما توجه به سيدنا لقمان عليه السلام وهو يعظ ابنه " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" ( لقمان : 17).

اصبر على ما أصابك يا فخامة الرئيس .. فالموعد الله .