لمثل هؤلاء تصنع التماثيل ..!
شاكر فريد حسن
لكل مهنة اسرارها وخفاياها ، ومهنة ماسح الاحذية ينظر اليها البعض كمهنة بسيطة وهامشية لا تحتاج للخبرة والتجربة والدراية ، بالرغم من اهميتها ، لكن الحقيقة انها تحتاج الى موهبة وذوق وخبرة .
وقد انتشرت هذه المهنة في مدن وبلدان العالم ، وخاصة عالمنا العربي وتخصيصاً في لبنان وسوريا ومصر ، حيث كنا وما زلنا نجد عدداً من ماسحي الاحذية على الارصفة والطرقات والازقة ونواصي الشوارع والاماكن المزدحمة بالناس ، بانتظار من يطلب مسح وتلميع وطلاء حذائه . وهنالك من ذاع صيته من ماسحي الاحذية فاصبح مقصداً للرؤساء والاطباء والمحامين والموظفين والمهندسين واساتذة الجامعات ومعلمي المدارس .
وبالرغم من تراجع عدد الزبائن في العقود الاخيرة ،وذلك لتغيير نوعية الاحذية ، ونتيجة اقبال الناس على انتعال الاحذية الرياضية بدلاً من الاحذية الجلدية ، التي لا تحتاج الى تلميع ، فهنالك ممن لا يجدون عملاً يلجأون للتكسب من هذه المهنة الشريفة .
انني اسوق هذه المقدمة لكي اصل للحديث عن مواطن امريكي يدعى البرت ليكسي ، يعمل في تلميع الاحذية ويكسب قوت يومه من عرق جبينه ، قرب مستشفى للاطفال منذ اكثر من ثلاثين عاماً ، ويتقاضى خمسة دولارات عن كل حذاء يقوم بطلائه ، لكن ثمة العديد من زبائنه كانوا يعطونه البقشيش ، وبدوره كان يجمع هذا البخشيش ، الذي يتراوح بين خمسة اوسبعة دولارات ، ويتبرع به لمعالجة الاطفال الذين لا يقدر اهلهم من دفع تكاليف المستشفى ، وقد بلغت قيمة تبرعاته على مدى 32 عاماً الـ (200) الف دولار .
وهذا الامر ان دل على شيئ فيدل على كرم وسخاء انساني واخلاق عالية وطيبة عظيمة ،قلما نجدها في هذا الومن الرمادي الاصفر ، الذي تلاشت فيه المحبة، وغابت القيم والاخلاق، وتراجعت اعمال الخير والمساعدات الانسانية.
ان هذا المواطن الامريكي البسيط الكادح ، الذي يجلس الساعات الطوال على ارصفة الطرقات والشوارع تحت اشعة الشمس الحارقة والامطار الغزيرة بانتظار من يرغب بتلميع حذائه ، وكسب قوت يومه ، قد قام بهذا العمل الانساني والخيري العظيم يستحق منا التقدير والاحترام .
اننا اذ نحني رؤوسنا وهاماتنا احتراماً واجلالاً لهذا الانسان الشريف والبسيط السخي والمعطاء ، صاحب القلب الرؤوف والاحساس الصادق ،ونقول :لامثال هؤلاء الناس البسطاء والشرفاء تصنع التماثيل !