على أعتاب، أو بين أحضان الحلول السياسية
على أعتاب، أو بين أحضان الحلول السياسية
عقاب يحيى
قرابة عامين على قيام الثورة السورية وما يزال السؤال مطروحاً : كيف يمكن تحقيق الانتصار..؟. بأية آلية ؟.. ومتى ؟؟....وهليمكن أن يتمّ السقوط تفاوضيا ؟، أم لا سبيل سوى الإسقاط بالقوة ؟؟..
لا شكّ أن التقديرات اختلفت بمرور الشهور، إن كان لجهة الخلاص النهائي عبر العامل الذاتي : الثورة والعمل المسلح، أو من خلال تدخل خارجي ـ متفاوت الأشكال ـ لمن راهن عليه، ودعا له .
ـ لقد تقدّمت المقاومة المسلحة كثيراً، وأحرزت انتصارات بالجملة حررت فيها مناطق واسعة، لكنها، ولأسباب متداخلة، يقع في مقدمها حجب دعمها بالسلاح النوعي، وتوزعها، لم تتمكن من الحسم المنتظر، في حين أن تماسك بنية الطغمة ـ حتى الآن ـ وعدم وقوع انهيارات كبيرة فيها، ومستوى الدعم الكبير، والمتنوّع الذي تتلقاه من إيران على الخصوص، وروسيا بوجه العموم، وعدم وجود قرار دولي حاسم يترك مفاعيله على تلك الطغمة..
كل ذلك عومل مهمة تجعل إطالة المعركة احتمالاً رئيساً، بكل ما يتحمله الإطالة من تدمير وقتل وخراب ، ومن محاولة الدفع نحو حرب طائفية طاحنة، أو استقدام التدويل بثقل التدخل المباشر ..
ـ اليوم، وعبر توجه، ومسار الوضع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، تبدو الحلول السياسية هي المعطى الأساس الذي تؤمن به تلك الدول، وتحاول فرضه بطرق كثيرة .
ـ بالأصل فإن المعارضة السورية، بمختلف أطيافها، وبالرغم من تباين مروحة سقوفها وطروحاتها السياسية، إلا أنها كرست في مواقفها، وأدبياتها قبولها بالحل السياسي مخرجاً، وطريقاً للتغير والخلاص، وفي مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية جرى الاتفاق بالإجماع على جوهر الحل السياسي القائم ـ شرطاً ـ على أساس تنحية رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين بالقتل إلى المحاكم، للبدء بعملية تفاوضية، وليست حوارية، لانتقال السلطة، ودخول المرحلة الانتقالية التي اتفق على مرتكزاتها وتوجهاتها(بالرغم من محاولة بعض الطراف المعارضة التنصل من الاتفاق على هذا الشرط بحجة تسجيل التحفظات في مؤتمر القاهرة، والتي لم تك عليه بالقطع) .
ـ اليوم هناك اتجاهات ثلاث تخصّ الموقف من المآل :
1 ـ اتجاه يرفض الحلول السياسية بالقطع، استناداً إلى عاملين متداخلين : بنية الطغمة غير القابلة بأي حل سياسي، والغارقة بالدماء والإجرام إلى درجة تحريم فتح أي شيء سياسي معها، وتقدير وجهة العمل المسلح بقدرة الحسم المتدرج، القادم، وبالتالي اعتبار أي قبول بالحلول السياسية عملاً مشيناً، وقد يرتقي إلى مصاف خيانة الثورة والتضحيات والشهداء ، عند البعض .
2 ـ اتجاه يرى أن اتفاق جنيف، والدول الكبرى كافيان للقبول والشروع في عملية تفاوضية لا تشترط لا رحيل رأس النظام، ولا كبار رموزه، ويعوّل بعض المقتنعين بهذا الاتجاه على نصّ يقول ب"تشكيل حكومة مطلقة الصلاحية"، والتي يفسرونها على أنها ستفضي إلى إنهاء النظام، والشروع في المرحلة الانتقالية.
3 ـ اتجاه يقرّ بضرورة الحل السياسي إن توفرت مقوماته، وأولها، ومدخلها : شرط تنحية رأس النظام وكبار رموزه.. للشروع في عملية تفاوضية مع أشخاص من النظام غير ملوثة أيديهم بالدماء، وفقاً لسلسة من البنود .
ـ الذي لا شكّ فيه أن أي حل سياسي بالنسبة للثورة، هو تحصيل حاصل ميزان القوى على الأرض، بما يقتضي تدعيمه أساساً، ونخصّ به تقوية وتسليح الجيش الحر، والعمل على وحدة الكتائب المسلحة في إطاره، والنهوض بالأعباء الكثيرة في المناطق المحررة، وإزاء شعبنا المنكوب، وتكريس قانون المصالحة والسلم الأهلي الذي يرفض نهج الثأر والانتقام والاجتثاث، ويدعو جميع المواطنين، بمن فيهم الشرفاء في أجهزة الدولة والبعثيين وغيرهم للإسهام في بناء وطن هو لجميع مواطنيه .
الحل السياسي الذي حددت الهيئة السياسية الاستشارية المؤقتة للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ينطلق من قاعدة أساس لا يمكن تجاوزها : تنحية رأس النظام وكبار رموزه، والعمل مع جميع دول والجهات المعنية بالشأن السوري لإقناعها بهذا الحل الذي لا يمكن دون توفره ولوج أي عملية تفاوضية .
ـ إن حقن دماء السوريين، وتجنيب وطننا العزيز ويلات الدمار والخراب والحرب الأهلية التي يفعلها نظام الطغمة الفئوي، ويستدعي بأفعاله التدخلات الخارجية .. هي المحرك الرئيس للحل السياسي، وبالوقت نفسه فإن الركون إلى الثقة بالطغمة، أو بما يدعى " ضمانات"، وتطمينات" المجتمع الدولي عبر صيغة جنيف، وتشكيل " حكومة مطلقة الصلاحيات" رهان محفوف بكل أنواع المخاطر والتجويف، يمك أن يكون لغماً خطيراً ينفجر وسط الثورة، ويشعل فتيل الاقتتال الداخلي . مع التأكيد على أن الشرط الواضح بتنحية رأس النظام وكبار رموزه يُفترض أن يكون ثابتاً، وغير قابل للمساومة والتمييع ..