إرحل يا مالكي

إرحل يا مالكي

فقد سئمنا منك!

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

( لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)

من المعروف ان الكلاب تتحسس الزلازل الأرضية قبل حدوثها فتبدأ بالإرتباك والتخبط في تصرفاتها ثم الهروب الى أماكن غير مأهولة. ويبدو ان هذه الظاهرة تنطبق أيضا على كلاب الإحتلال الأمريكي- الإيراني في العراق! حيث ينتباها الخوف والإرتباك وتشرع في إستحضارات عملية الهروب عند حدوث الزلازل الوطنية الشديدة، وإنتفاضة الشعوب للمطالبة بحقوقها المشروعة. مع الإعتذار الشديد للكلاب عن تشبيه العملاء بها، فالكلاب تشرف العملاء بما تمتلكه من صفات يفتقرون إليها كالأمانة والوفاء والقناعة وحبها لصاحبها وعدم التخلي عنه في الشدائد. وربما يصلح هنا رأي برنارد شو مع تحوير كلمة الناس" كلما زاردت معرفتي بالعملاء زاد إحترامي لكلبي". والحقيقة ان العميل لا يجرأ على أن يكون شريفا حتى في احلامه. إنه نطفة قذرة ولدت كمسخ وتموت كمسخ.

من الأمور المساعدة لكلاب الإحتلال على الهروب هو إمتلاكهم جنسيات أجنبية تؤمن لهم الحصانة من الملاحقة القانونية، رغم إن القانون بحد ذاته مسيس وفي خدمتهم. علاوة على إحتضانهم من قبل الدول الأجنبية والمجاورة التي تجندهم استخباريا لخدمتها فتوفر لهم مناخ الراحة عناء خدمتهم لأجندتها. يضاف إلى ذلك الملايين والمليارات التي امتصوها من دماء الشعب العراقي التي تجعلهم مستثمرين كبار تستقطبهم معظم دول العالم لثرواتهم. أو كمبذيرين ومسرفين ينفقون أموال السحت في علب الليل والقمار. وكما يتحدث المثل العراقي" مال اللبن للبن، ومال الماء للماء" وقصته معروفة للجميع. لكنه مال الشعب وهنا تسكن العبرات!

فقد إعترف النائب العراقي حيدر الملا بحديث متلفز يمكن الرجوع اليه بسهولة في المواقع الألكترونية بأنهم- أي السياسيون الذين يديرون أفشل وأفسد دولة في العالم- قد" رتبوا أمورهم، وأمور عوائلهم للهروب إلى الخارج" عند حدوث ما لا يحمد عقباه. أي عندما يزول تأثير أفيون المرجعية الدينية من بدن الشعب المخدر، ويعود إلى رشده. وهذا مما يلوح في الأفق القريب بعون الله. فإنتفاضة الأنبار أشبة بطقطقة اصبعي منوم مغناطيسي لمريضه ليوقظه من نومه ويعيد له وعيه المسلوب.

 إن الهروب الذي يحدثنا به الملا هو خيار الجبناء والخونة والجواسيس. ونسأل الملا وبطانة البرلمان والحكومة: لماذا رتبتم أموركم وأمور عوائلكم للهروب؟ الإنسان الشريف والمؤمن والنزيه وصاحب الحق لا يهرب من الميدان. الجبان الرعديد وغير الشريف هو الذي يهرب ساعة الحساب! وفي هروب زعيم حزب الله (واثق البطاط) متنكرا بزي إمرأة خير شاهد على قولنا. ولنفترض إنكم هربتم من غضب ونقمة الشعب كمن سبقوكم كفلاح السوداني وايهم السامرائي وبقية شلة العملاء. لكن هل ستهربون أيضا من غضب الله ويوم الحساب؟ يا لخفة عقولكم وقصر نظركم يا سفلة السفلاء وجهلة الجهلاء!

لقد امتلك السياسيون في الحكومة والبرلمان خلال السنوات العجاف الماضية الملايين من الدولارات، حيث تجاوزت ثروة بهاء الأعرجي( رئيس لجنة النزاهة البرلمانية) السبعة مليارات دولار على شكل عقارات وشركات وقصور ويخوت واسهم وسندات ونقود مودعة في مصارف عربية وأجنبية. هذا رئيس لجنة التزاهة في البرلمان فما بالك بالآخرين! والطريف ان زعيمه مقتدى الصدر طالبهم بكشف ما في ذممهم بعد مرور عشر سنوات! لكن هل لديهم فعلا ذمم؟

بالطبع هذا الأعرجي ليس نموذجا فريدا في بابه! بل إن معظم أعضاء البرلمان والوزراء ورؤساء الكتل السياسية الذين كانوا حفاة وشحاذين يتسكعون على عتبة المخابرات الأجنبية أو يعيشون على معونات اللجوء، اصبحوا في العراق الديمقراطي من أصحاب الملايين! إنهم يزدادون غنى في الوقت الذي يزداد الشعب فيه فقرا. وكما وصف الملا الخزاعي وزير التربية السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي تلك المزايا العجيبة الخاصة بأتباع آل البيت" إنها بركة آل البيت"! ولا نفهم لماذا تحل بركة آل البيت على العملاء والمجرمين واللصوص والمزورين والفاسدين؟ ولماذا لا تحل على الناس الخيرين الشرفاء المؤمنين الذين يخشون الله ورسوله. إنه أمر محير فعلا! أين يكمن الخلل يا ترى في مانح البركة أو في من يتلقاها؟ وهل هناك فعلا بركة تحل على العباد سوى بركة ربٌ العباد يا مله خزاعي؟ 

أشار آخر تقرير لهيئة النزاهة بأن مجموع مبالغ معاملات الفساد ل(6000) من الأسماك الحكومية وليس الحيتان الكبيرة بلغ (بترليون و335 مليار و74 مليون و667 ألف) دينار عراقي! وفي نفس اليوم أضيف للمبلغ(9) مليار دينار بهروب معاون رئيس دائرة إصلاح السجون مع هذه المليارات! وإذا أضفنا لها مبالغ الفساد في قضية البنك المركزي، وصفقة الطائرات الاوكرانية، وصفقة الأسلحة الروسية. وصفقة المدينة الرياضية في البصرة وغيرها مما يخص الحيتان الكبار لتحول الفساد من مصيبة إلى كارثة.

لذا لم نستغرب التحقيق الذي نشرته صحيفة(ديلي ميل البريطانية) تحت عنوان(النواب العراقيون هم الأفسد في العالم) وهي شهادة مضافة إلى شهادات العراق الجديد كأفسد وأوسخ وأفشل دولة وقائمة السلبيات طويلة ومعروفة للداني والقاصي. فالنائب العراقي يكلف خزينة الدولة(1000) دولار عن كل دقيقة. وهذه نتيجة مذهلة لا أعرف كيف غَفلت عن إدراجها مؤسسة(غينيز للأرقام القياسية) في كتابها السنوي؟ المصيبة لا تنحصر في هذا الجانب فحسب! بل إن من مجموع(325) نائب عراقي لم نسمع بأن عدد الحضور للجلسات البرلمانية منذ تشكيل البرلمان ولحد الآن قد زاد عن(225) عضوا كأعلى حد وفي جلسات بعدد أصابع اليد! فأين بقية النواب؟ هل هو تيمن بالمثل العراقي" إسمك بالحصاد ومنجلك مكسور"!

الأنكى منه ان النواب الغياب عن الجلسات- ومعظمهم من الأحزاب الإسلامية الحاكمة- يتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم كاملة رغم غياباتهم! عجبا! اليس هذا هو السحت أم غيره؟ وهناك رؤساء كتل ونواب لم يحضروا سوى جلسات محدودة جدا، ومع هذا لم يجردوا من عضويتهم ويفصلوا من وظيفتهم حسبما ينص الدستور! إن بعوض البرلمان والحكومة يمتص دماء الشعب العراقي بلا هوادة ولا رحمة، فالمليارات من الدولارات ضاعت بين حانه البرلمان ومانه الحكومة. والشعب آخر من يهمه حقوقه في ثرواته، إنه الجهل المقصود الذي جعل 1/6 الشعب العراقي من الأميين والجهلة. والجاهل لا يعرف حقوقه ومنها حقه في ثروة بلده.

الفساد الحكومي نبته غريبة زرعها الحاكم المصفوع حذاءا( بول بريمر) في العراق وانضجتها مرجعية النجف(ستصفع لاحقا). السياسيون والبرلمانون والمراجع الدينية يأكلون ثمارها ويرمون بنواتها كعلف للشعب العراقي يأكله بقناعة ورضا، طالما يمنحونه فرصة عاشوراء الذهبية في البكاء واللطم والتطبير. إن الشعب الذي يلطم هو الشعب الذي لم يُفطم بعد. لأن الشعوب الراشدة لا تلطم رجالها كالنساء الثكالى! فاللطم عيب ومثلمة على النساء فكيف بالرجال؟ إن الشعوب المثقفة الواعية المدركة لحقوقها ومصالحها تعمل وتشقى وتتقدم وتنظر بعين التفاؤل للمستقبل، وإنها لا ترضى بالذل والقهر والإستعباد، بل تثور وتنتفض كالنسور على الظالمين والطغاة،. فحقوقها خط أحمر لا تسمح بتجاوزه مطلقا.

يطالبنا البعض أن نغض النظر عن بعض الظواهر وننظر الى الايجابيات ولا نتوقف عند السلبيات فقط؟ ربما لهم بعض الحق في ذلك! ولكن من حقنا ان نجيب بأنه لا يمكن تجاوز السلبيات بالقفز عليها! فذلك غبن وظلم وانتهاك لحقوق الشعب. هناك اكثر من مليون قتيل ومليارات مسروقة من ثروات الشعب وفساد يعج بكل مؤسسات الحكومة، وتلاعب بعقول الناس وضحك على ذوقنهم. فكيف نغض النظر عنها ولمصلحة من؟ علاوة على إننا لم نشهد محاولات جدية لتصحيح المسارات وإن كانت هناك اصلاحات طفيفة كما يزعم البعض. فان عود ثقاب واحد غير كاف لإضاءة دهاليز وأقبية عديدة ومتفرعة! إن خداع الشعوب خطيئة وليس خطأ يمكن أن يُغفر بتلك السهولة والبساطة؟ فالمواطنة الصميمية لها  فروض ثابتة ومقدسة كالأديان. لا يمكنك أن تمارس فرضا واحدا وتترك بقية الفروض!

عندما تُسيج الحكومة فسادها بجدران سميكة وعالية ومحكمة، ولا تسمح للشعب بالإطلاع عليها، ولا يُحاسب المفسدون في دولة القانون بل يمنحون الحصانة. فمن حق الشعب أن يسيء الظن بها وينتفض ضدها في ثورة عارمة صارخا(أين حقي)؟ نعم! لا بداية صحيحة بلا مكاشفة صريحة، ولا علاج شافي بلا تشخيص كافي، ولا رؤية لصواب إلا بعد إنقشاع الضباب. وما أكثف الضباب في العراق المنكوب.

عندما يسير مركب الوطن الى الهاوية ونحن جميعا على ظهره، لا بد من تصحيح المسار وتنبيه القبطان بأن هناك عطل في بوصلته وان المركب سيجنح حتما، وأنه المسئول الأول عنه وعن مصير الركاب! المسؤولية مرآة عاكسة للحقوق والواجبات معا. وهذا كان أول الشعارات التي رفعها الأنباريون لتنبيه الحكومة وتحذيرها من مغبة التمادي في الظلم والطغيان والتهميش والإقصاء، وكانت النتيجة المتوقعة" لقد أسمعت لو ناديت حيا  ولكن لا حياة لمن تنادي". فالطائفية السوداء معشعشة في عقول المالكي ورهطه الفاسد.

الحكومة الوطنية التي تراعي حقوق شعبها ليست بحاجة الى رهط من المتزلفين والمداحين والمطبلين! بل إلى من يُقوم إدائها، وينبه على أخطائها، ويذكرها بوعودها؟ فالنوايا الحسنة شأن بين الرب وعباده لأنه أعرف بما في داخل النفوس، وليس بين الحكومات وشعوبها. وسلامة النية لا تكفِ إذا لم تصحبها سلامة الفعل والأداء. ومن المؤسف ان السلطة الثالثة(القضائية) قد روضها المالكي بسهولة وأدخل رجالها بخفة الساحر كالقطعان إلى حظيرته. أما السلطة الرابعة(الإعلام) فإنها خيبة الخيبات، حيث أمست كقرد الحاوي يقوم بحركات بهلوانية الغرض منها إضحاك الناس والحصول على مكسب.

لقد أثبت المالكي بجدارة فائقة فشله الذريع في تسيير كل قطاعات الدولة. رجل كسيح ربما يصلح كراعي زريبة حيوانات، ولكن ليس لقيادة أمة عريقة كالعراق. وعندما صرح السفير الأمريكي لرئيس البرلمان النجيفي بأن الأدارة الأمريكية لم تعثر لحد الآن على بديل يحل محل المالكي! تعقد الدهشة ألسنتنا!

 نقول لمعالي هذا الأبله: ربما هذا الأمر يصح في بلادكم؟ فقد فشلتم في العثور على رئيس من أصل امريكي ليرأس دولتكم فأتيتم برجل من افريقيا ليتزعمكم. وإن كان فعلا لا يوجد عندكم مثيل للمالكي وبمواصفاته الفريدة في بابها! فلماذا لا تستعيرون خدماته كمستشار لكم في إدارة البيت الأبيض؟ أنتم ترتاحون له، ونحن نرتاح منه. أي  مكسب مزدوج للجانبين.

 إن هذه الفكرة الامريكية العليلة بعدم وجود بديل للمالكي لا تصح في العراق مطلقا. فالعراق مهد الحضارات ولم يُعقم من الخيرين والشرفاء واصحاب الكفاءات العلمية والوطنية. لكنكم ايها السفير لا تبحثون عن زعماء شرفاء وإنما عن عملاء سفلاء لا يقلون عنكم سفالة.

انظر إلى رجالكم في العراق! إبراهيم الجعفري وعمار الحكيم وأحمد الجلبي وعلي السيستاني وإياد علاوي وحسين الشهرستاني ومله خضير الخزاعي وسعدون الدليمي وطارق الهاشمي وإنتفاض قنبر وعزت الشاهبندر وعبد الكريم السامرائي؟ أهؤلاء هم رجالكم؟ الا تف عليكم وألف تف على أشباه الرجال.

هل تعرف أيها السفير البليد ما هو عدد العلماء والمبدعين والأساتذة العراقيين في بلدكم قبل أن تثرثر علينا بترهاتك؟ وما هو عدد العلماء العرب والعراقيين الأعضاء في مجلس كبار العلماء في بلدكم؟ لقد قتلتم بالتعاون مع شركائكم الصهاينة والفرس(5000) عالم واكاديمي عراقي! ومع كل هذه الجرائم البشعة يبقى العراق زاخرا بعلمائه الجهابذة.

إن الرد على عميلكم المالكي في العراق يتلخص بعبارة موجزة تعكس رغبة الشعب العراقي، وقد وردت في تسمية جمعة الأنبارقبل الأخيرة(إرحل!).

نعم إرحل يا مالكي فأنت شخص غير مرغوب فيه.

إرحل لقد خبرناك وجربناك فكنت أسفل السافلين.

إرحل فرحيلك أصبح شرطا رئيسا لأي تغير إيجابي في العراق. لأن مع حكومتك الفاسدة وحمايتكم للمفسدين، سيبقى الشعب العراقي يتخبط في الدهاليز والأقبية المظلمة دون أن يرى بصيص ضوء يهتدي به.

إرحل فقد سئمنا منك، وعندما يُذكر إسمك. فإننا نستعيذ بربٌ الفلق من شر ما خلق.