المقارنة في بعض مجريات الانتفاضة الأحوازية
مع قريناتها الثورات العربية
لقد كان من المعالم الأساسية للنهوض السياسي العربي الأحوازي الصلاة الجماعية المشتركة لكلٍ من المرأة والرجل، الشاب والشابة، في منظومة مناجاة الله سبحانه وتعالى لنصرة المنتفضين الوطنيين، وكان ذلك تعبيراً عن الوعي السياسي الأحوازي الجمعي الذي يتجلى عملياً عند أفراد شعبنا، ويتضمن ذلك في أحد وجوهه الكفاحية حقيقة التناقض الأساسي بن عموم فئات وقوى شعبنا، من ناحية، والقوى الفارسية المحتلة لأرضنا والمنتهكة لأوضاع شعبنا كلها . . .
لقد شاهدنا بالصوت والصورة عملية التوحيد الديني والأخلاقي والعروبي في أرقى صوره حينما صلت الجماهير العربية المصرية في ميدان التحرير وكانت تدعو الله لنصرتها على الحاكم الطاغي مبارك، وكانت تلك الجماهير إنما تتكون في أغلبيتها المطلقة من الرجال فقط، فكان المصلون في ميدان التحرير والصور التي عكستها التلفزيونات والصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وكانت النسبة المئوية في غالبيتها المطلقة كانت للرجال فقط، إذ بلغت تلك الغالبية من حيث الرجال بنسبة أكثر من 90% في مصر، وكانت تلك الحقيقة تعكس أهمية الصراع الوطني والقومي مقارنة بمعية الصراع السياسي والاِجتماعي، وفي تونس أيضا ظهرت الصور والتآخي في الأداء الجماعي خلال بعض لحظات الصراع بين الجماهير التونسية الثائرة والسلطة الحاكمة للطاغية الظالم بن علي، والصلاة في شوارع المنتفضين بالرجال خلال بعض المراحل النضالية لسوريا أيضا، وأخيراً في العراق، بالرغم من قضية المرأة السجينة كانت أحد الحوافز الأساسية لاِشتعال الاِنتفاضة الشعبية المباركة .
ولكن الصور التي عكستها انتفاضة الأحوازيين هو أنهم لا يملكون أي حرية للعبادة في موطنهم المحتل مقارنة بالساحات العربية الأخرى المشار اليها أعلاه، وتعتبر الصلاة الجماعية ذات الطابع الاِحتجاجي على الأوضاع السياسية التي تسود الواقع الإيراني، تعد من المحرمات الدينية والقانونية المتبعة في الأحواز، خاصة، وفي عموم الكيان الإيراني، إلا بالتنسيق الأمني الكبير الذي يقدم إليه التبريرات ويشرعه الأمن الساوامي الإيراني، فما جرى في عيد الفطر بالاحواز الذي جاء بعد أشهر متواصلة لفعل الانتفاضة الشعبية الأحوازية 2005م، كانت الطلائع والجماهير الأحوازية قد خططت لعمل نوعي الجديد بهدف إذكاء روح التحدي وتجديد أساليب الكفاح الوطني ضد الاحتلال، وكانت تلك الطلائع قد اتفقت على أنَّ يؤم الإمام المجاهد (احمد الحيدري) إماماً لمئات والألوف من الأحوازيين في حي الثورة الباسلة، وبالرجال ((والنساء))، وهذا ما عدَّ على انه عمل نوعي ويحدث لأول مرة وبهذا الشكل، وهو ما لم نره في أي ساحة، لا عربية ولا عند الشعوب غير الفارسية، مما اعتبر على أنه نموذج يبين وحدة التكافل الاجتماعي القوي في العادات والتراث العربي الإسلامي الأحوازي،إذ كانت الجماهير قد رفعت الشعارات السياسية المتاحة والممكنة والقاسم المشترك عند عموم المصلين الأحوازيين من كلا الجنسين . . . لقد جلست جماهير المصلين لأكثر من ساعة وهي تناجي رب العالمين وتصيح ب الله اكبر ولا اله إلا الله، وأللهم انصرنا في تحقيق مطالبنا المشروعة . . . وهو درس تاريخي أفرزته التجربة الوطنية الأحوازية يجدر بالآخرين اِستلهام نموذجه في ميادين التطبيق التاريخي .
ثم كانت السلطات الأمنية قد رصدت كل ذلك التحرك غير المتوقع في تلك اللحظة التاريخية من الأحوازيين، سنة وشيعة وصابئة والمتشكلة من كل مكونات الشعب الاحوازي، فطوّقت حي الثورة وبدأت القوات الأمنية المسعورة بفتح نيران رشاشاتها ضد المصلين، فقتل البعض منهم وتم إلقاء القبض على الإمام المجاهد "احمد الحيدري" وتم الحكم عليه، بعد قضائه في السجن الانفرادي لمدة زادت على العام، بالسجن 8 سنوات وإبعاده إلى مدينة الدجل والشعوذة "قم" الايرانية بعد قضاء محكوميته الجائرة .
لقد كانت كل الشعارات والهتافات التي رفعها المنتفضون الأحوازيون تجسد رؤية عروبية قومية موحدة ووطنية شاملة وإسلامية مشتركة جامعة، فالإسلام والعروبة كانت تتجلى فيهما منظومات فكرية وسياسية قوامهما هتافات وشعارات وبيانات وممارسات لدى الجماهير التي وحدتها رؤية سياسية واضحة استطاع المبادرون لها التنسيق والعمل والمثابرة ليرسلوا رسالة إلى العالم كله بأن (العامل الذاتي) أيضا قد نضج نضوجا موضوعيا في هذه الثورة والانتفاضة الاحوازية، فكان فعل ولافتات وشعارات (حزب التكاتف الوطني الأحوازي) قد ملأ شوارع حي الثورة، ثم العمل المفاجيء الذي اقدموا عليه امام الكاميرات والجمهور الأحوازي المنتفض وذلك عبر حرقهم لصور خميني وخامنئي، التي عدَّت بادرة شعبية وجماعية تحدث بجرأة مشهودة ولأول مرة.
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=jGcZxoOSu5I
ويبقى أن لا أنسى التذكير بأن تلك (التجربة) التنظيمية او الحزبية لم يدع لها المجال العدو الفارسي ان تتكرر او تأخذ ابعادا تصاعديا في النضوج والتمدد، بل أقدموا على اجتثاث واقصاء اي شخص او مجموعات كانت ترتبط بهذا الحزب اي حزب التكاتف الوطني الأحوازي او بغيره من الفصائل الثورية الأحوازية، بغية مسح آثار أي تجربة موضوعية تنشأ في احوازنا الحبيبة، وهذا التطور السياسي هو الدافع وراء إقدام سلطات الاحتلال على بذل المحاولات لاِجتثاث الشباب تالياً وإقصائهم بسرعة مريبة وتوجه إجرامي عبر الإعدامات السريعة وإلقاء جثث المواطنين الأحوازيين الأبرياء من دون إجراء أية محاكمات في نهر كارون وهم مقيدو الأيدي، وفي ذلك تتجلى بشاعة ممارسات فعل السلطة الآثم والنظام العنصري الطائفي المحتل.