سورية ومالي.. مغادرة المربع السياسي
سورية ومالي.. مغادرة المربع السياسي
وليد فارس
تدخلت فرنسا في مالي بناء على طلب من الحكومة المالية في تخوف من “الإرهاب” ولحفظ مصالحها في المناطق الإفريقية، فهذه المنطقة عمق استراتيجي للمصالح الفرنسية الدولية في إفريقيا, لقد كان التدخل سريعاً وهدفه الحسم، ولن تترك فرنسا مالي إلا وهي منتصرة في معركتها ومحققة أهدافها كما صرح الرئيس الفرنسي ومسؤولين في الجيش ومسؤولين دبلوماسين.
المجازر التي ترتكب في سورية كانت حجج عدم التدخل لإيقافها هو أن إسلاميين قد يستفيدون من هذا التدخل للوصول للحكم، مما يشكل خطراً على الدول التي ترغب بالحسم, ومع أن النظام تجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعها له العالم بما فيها خط الغاز السام، إلا أن هذه الخطوط كانت تتحرك دائماً ولم يبقى إلا لون الدم فقط هو الأحمر في سورية، وكل شيء أصبح مسموحاً مادام لا يضر بمصالح هذه الدول أو مادام يكفل إنهاء التمدد المتسارع للكتائب التي قد يكون لها مستقبل غير مرغوب به من وجهة نظر المجتمع الدولي.
اليوم يصرح الرئيس المالي بجرأة كانت تتوارى الدول المساعدة له عن ذكرها فيقول: “نعد بأن نربح الحرب على الإسلامية الدولية”، وبالتالي فإن أي تفكير إسلامي عابر للحدود هو تفكير مرفوض وسيتم محاربته في المستقبل، ومن الممكن أن تقبل هذه الدول بإسلام حبيس الدولة ولا يفكر أبعد من قضاياه القطرية.
المشكلة مع هؤلاء هي في الإسلام نفسه, فالإسلام لا تسجنه الحدود، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم أرسل للعالمين وبعث للجميع بغض النظر عن كونه ابن جزيرة العرب، ولم ينحصر الفكر الإسلامي بما فيه الفكر المتسامح -وأفكار المتصوفين أيضاً- لم تنحصر بدولة ما طيلة الألف وأربعمئة عام السابقة، فقد التحق الإمام أبو حامد الغزالي الذي كان ينشط في الشرق مثلاً بيوسف بن تاشفين في حربه في بلاد المغرب، وكان الإمام الشافعي قد تنقل من بلد إلى أخر وكذلك الخوارزمي والرازي وغيرهم، وجميع هؤلاء المفكرين لم يضعوا أفكاراً أو مناهج لبلد معين وكانت مسألة عالمية الإسلام مبدأ رئيسي عندهم.
عندما وضعت الولايات المتحدة الأميركية جبهة النصرة على قائمة الإرهاب كان السبب الرئيسي هو منع هؤلاء من استغلال ظروف السوريين وحصاد جهدهم للوصول للحكم كما وضح البيان، والحقيقة كانت هي التخوف من أن هذه الجماعة تحتوي على أفكار عابرة للحدود كما سماها الرئيس المالي “إسلامية دولية”, ومن المعروف أن هذه الجماعة قدمت وتقدم للسوريين الكثير -حيث يتخلف العالم- بل تقدم شبابها في عمليات استشهادية على مذبح الموت في حين يتأخر العالم بمد السوريين حتى في الجوانب الإنسانية.
لقد ناور السوريون في المربع السياسي كثيراً، وبقيت العلاقة التي تحكم حوارهم وتعاملهم وصداقتهم والعتب عليهم أو الرضى عنهم بقي كل ذلك ضمن الخانة السياسية، فكانوا ينظرون إلى الغرب بأن مصالحه لا تسمح بالتدخل هنا أو أن القضية أو الملف السياسي الفلاني غير مكتمل من الناحية الفنية، وأيضاً قضايا حقوق الإنسان والحكومة والحدود والتنظيم والترتيب والمنشقين السياسيين والتعاون والتحالف على أساس المصالح المشتركة وهكذا, واليوم الغرب يحاول أن يجر الجميع باتجاه المربع الأخر وهو مربع العقيدة والمبادئ التي تحكمهم ويؤمنون بها، فيتدخل في مالي صراحة من أجل محاربة فكرة عالمية الإسلام ويترك السوريين للمجازر والقتل تحت كل أنواع السلاح وبأبشع المجازر. من أجل نفس السبب تصنف جبهة النصرة، وهي الجماعة الوحيدة التي تملك سلاحا غير مادي وليس موجودا مع الغرب، وقد يحدث فرقا كبيرا في الحرب مع النظام وهو العمليات الاستشهادية التي قد تقلب الأمور رأساً على عقب وتخرج الأمور من يد الغرب، ولا يجب أن يكون هناك أسباب غير موجودة بيد الغرب ليمنعها عنا أو يعطينا إياها وقت يريد.
الدول الغربية مخطئة للغاية ولدرجة عالية بالانتقال نحو هذا المربع في تعاملها مع السوريين بشكل خاص, نحن في النهاية من جنس واحد ولدينا مصالح العيش في عالم جميل يتسع للجميع ويكون عادلا وظروفه مناسبة للجميع. أيضاً ليس من أخلاقيات الغرب المعلنة أن يتجاوز المبادئ التي يؤمن بها مليار ونصف مسلم في العالم ولا يجب أن تكون طبيعة العلاقة مبنية على تجاوز المبادئ وعدم احترام الأسس الثقافية للعالم المسلم, أعتقد أن لدى الغرب فرص أخرى لمراجعة حساباته وأتمنى على الجميع أن لا ينجر للعمل ضمن المربع الذي يناور فيه الغربيون حالياً، لأنه سيسبب مشاكل للجميع وسيفرض حالة من عدم الرضى الواسع.