ساعتان مع سعود الفيصل
ساعتان مع سعود الفيصل
سمر المقرن
الجزيرة السعودية
11-2-2015
لست من النوع الذي ينشغل كثيرًا بالشخصيات، فأنا بطبعي أتجه دومًا إلى الأفكار، أحاول أن أفهمها وأحللها، دون أن أنشغل بأصحابها.
أعترف أن أشخاصًا أنجذب نحو شخصياتهم، أكون مجبرة لأنها المحدد الأساسي لطريقة تفكيرهم غير التقليدي، لا تعنيني العاطفة واتجاهاتها نحو هذه الشخوص، بقدر ما يعنيني محاولة التعرف على الآلية الفكرية التي أطلقت عبقريات تشد الانتباه بشكل عجيب. من أهم هذه الشخصيات وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي أثار العالم كله بعبقريته السياسية، كنت طوال حياتي المهنية وأنا أتمنى لقاءه، لم تسمح لي الفرصة على رغم أنه يفتح أبواب مؤتمراته الصحافية للنساء والرجال، إلا أن أيام عملي الميداني كان الزملاء الرجال يحصلون على أولوية اللقاءات السياسية، فكانت الفرص ضيقة أمامي كل تلك السنوات.
وأخيرًا، تحققت الأمنية، بل أكثر مما تمنيت، فلم ألتقِ به في مؤتمر صحافي، ولا في مناسبة سياسية، بل لقاء قريب من العقل والقلب في مكتبه الأنيق. فقبل ما يقارب الشهرين وصلني اتصال من رئيس الإدارة الإعلامية بوزارة الخارجية السفير أسامة نقلي، يُبلغني خلاله أن سمو وزير الخارجية سيلتقي بعدد من الكاتبات والكتاب واسمي مجدول بينهم، حزنت كوني خارج السعودية وقد فاتتني الفرصة، إلا أنه أكد لي بأن الفرصة ستتكرر مرة أخرى بعد شهر، السفير أسامة نقلي هو كذلك شخصية عندما تتعامل معها تشعر من خلاله بطريقة تفكير سعود الفيصل، وهو مدرسة تقدم نهجًا مختلفًا في الفكر الإعلامي لم أرَ هذا النهج في أي مكان آخر -وهذه كلمة حق عارضة- وبالفعل حصلت على فرصة مقابلة وزير الخارجية بتنظيم من جمعية كتاب الرأي وبترتيب مشترك ما بين الزميل عبدالعزيز السويد والسفير أسامة نقلي، ذهبت وقتها ويقودني حب الاكتشاف، في ساعتين مع الفيصل كنت أحاول أن أستشف منه عوالم كبيرة وعميقة من الذكاء والدهاء والحنكة والعبقرية وصفات كثيرة لا يمكن أن يتصف بها أحد سوى سعود الفيصل.
هذا الرجل بقدر وضوحه بقدر ما لديه من غموض، بقدر هدوئه وبساطته هو صارم نافذ الكلمة والعهد، قال لنا جملة في ذلك الاجتماع: (نحن نتعامل بصدق مع أعدائنا مثل ما نحن صادقون مع أصدقائنا.. يجب أن نكون صادقين مع العدو والصديق) هذه الجملة تتكرر بذهني إلى اليوم وتُعاد بصوته الصادق، جملة تدعو إلى كثير من التفكر والتأمل في نهجه السياسي الذي جعل الجميع يحترمه بما فيهم أعداؤه!
أول ما يلفت النظر تسامحه، برغم ما يُقال عن شراسته، إلا أن تصالحه مع الجميع يدعو لمعرفة الخارطة الفكرية لهذا الرجل، عندما سألته عن الإخوان المسلمين ومشاكلهم وأطماعهم، أجابني فورًا: (ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد) في حقيقة الأمر أقولها بكل صراحة، فبعد المعاناة التي بتنا نعيشها خصوصًا في مرحلة ما بعد الربيع العربي من هذه الجماعة، توقعت أن يكون سعود الفيصل أكثر تشنجًا في التعليق على سؤالي، لكنه بحق دبلوماسي بكل تفاصيل هذه الكلمة التي ليس كل من يحمل صفتها قادراً على أن يحمل أوصافها!.