أيهما أشد إجراما .. فرعون موسى، أم بشار أسد؟
أيهما أشد إجراما ..
فرعون موسى، أم بشار أسد؟
الطاهر إبراهيم
تابعت مثل الملايين من السوريين وغيرهم على مدى 22 شهرا، المسلسل الدامي الذي تجري فصوله المفجعة في سورية من إبادة جماعية للسوريين على أيدي أجهزة بشار أسد وشبيحته. لا يقال إن مايجري في سورية اقتتالا، لأن الاقتتال عادة ما يكون بين جيشين بينهما بعض التكافؤ بالعَدَد والعُدَد. أما ما يجري في سورية فإبادة بشرية تقترفها وحوش كاسرة أفلتها بشار أسد من حظائره لتفتك بأناس عزّلٍ من السلاح، والأمثلة على ذلك كثيرة: من "الحولة" إلى "القبير" إلى "داريا" إلى "تفتناز" إلى "جسر الشغور" إلى ما يصعب حصرها لكثرتها وكثرة من قتل فيها. كما يخرج عن صفة الاقتتال قيام أجهزة بشار وشبيحته بقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وما تندى له الجباه حين يتم اغتصاب النساء ثم قتلهن والتمثيل بمن يقتل من الرجال والنساء.
تستدعي الأذهان أحيانا من التاريخ صور مجرمين كثيرين مروا على البشرية، لمقارنة ما كانوا يقترفونه من جرائم مع جرائم بشار وجنده، فلا تكاد تجد عبر التاريخ: من هولاكو إلى جنكيز خان إلى ستالين إلى هتلر وغيرهم شبيها لبشار أسد وجنده. حتى فرعون لم يصل بجنده للدرك الذي وصل إليه بشار وجنده وهم يقتلون النساء والأطفال. حفظ لنا القرآن الكريم أن فرعون قال في حق بني إسرائيل: "سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم". اليهود الذين هدد فرعون بتقتيل أولادهم ليسوا من شعب فرعون. أما بشار وجنده فقد قتلوا الأولاد والشيوخ والنساء المفترضين أنهم مواطنون لبشار وجنده.
عندما نستدعي من التاريخ فرعون موسى، لنضرب به المثل على ما يرتكبه بشار أسد وجنده، لا نرتكب مخالفة دينية ولا وطنية. فالنبي "محمد" صلى الله عليه وسلم عندما نقل له ابن مسعود رضي الله عنه أن "أبا جهل" قال وهو يلفظ أنفاسه في معركة "بدر": "أبلغ صاحبك أني مازلت على عداوته"، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: " فرعوني أشد من فرعون موسى"
فرعون ادعى الألوهية فقال مخاطبا قومه:"ماعلمت لكم من إله غيري. كذلك فإن الشبيحة كانت تؤله بشار أسد أيضا. حفظت لنا مقاطع "اليوتيوب" أن الشبيحة يقولون للمعتقلين: "بشار ربكن". الأقل تطرفا كانوا يضعون صورة بشار وينحنون أمامها ثم يغنون: "مطرح ما بتدوس نطخي ونبوس"، أي أنهم يسجدون أمام الصورة ويقبلون الأرض التي يقف عليها بشار.
بشار أسد وشبيحته كانوا أشد إجراما من فرعون وجنده. موسى كان يحاور فرعون فيما جاء من أجله، ثم يخرج من قصره من دون أن يمسه فرعون بالأذى. أما بشار وأزلامه فيحاورون المعارض بالقتل أو الاعتقال. نقل القرآن الكريم حوارا بين موسى وفرعون، ما كان حافظ أسد وبشار يتحاوران بمثلها مع معارضيهما، لنقرأ الحوار التالي:
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ (49)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ (51)
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
وفي ختام الحوار يطلب فرعون من موسى المناظرة:
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59). (الآيات سورة "طه").
هذا الحوار كان بين طاغية مصر الذي يضرب بإجرامه المثل، وبين النبي موسى عليه السلام. فكيف كان الحوار بين بشار أسد وبين الشعب السوري على مدى 22 شهرا، وما يزال؟
في مقال سابق لي رأينا كيف أن حافظ أسد أحنى رأسه للعاصفة بعد تظاهرة حلب في آذار عام 1980.عندما تمكن حاور الشعب السوري بالقانون 49 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإسلام، كما حاور حماة وأهلها بالمدافع والدبابات عام1982. أما وريثه بشار أسد وعلى مدى 22 شهرا فكان يحاور الشعب السوري بأشد مما فعل أبوه، والولد سر أبيه. كان الحوار بالقنابل "البرميلية" التي تزن 200 كيلوغراما من قنابل عنقودية محرمة دوليا، تقصفها الطائرات فوق رؤوس المدنيين السوريين. كما قصف بشار أحياء دمشق بمدفعية الميدان بعيدة المدى نشرها حافظ أسد على قمة جبل "قاسيون". كما قصف بشار أسد دير الزور بصواريخ سكود على بعد 800 كيلومتر من قمة قاسيون في دمشق.
فرعون الذي حكم بإعدام يهود: "سنقتل أبناءهم و نستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون"، ركب فرسه ولحق بموسى عندما جاوز ببني إسرائيل البحر. أما بشار أسد الذي أستخدم القانون 49 لتقتيل الشعب السوري، كان يختبئ في زوايا قصره ولا يكاد يظهر خوفا من الجيش الحر.
فرعون ليس المثال الوحيد للمقارنة بجرائم يقترفها بشار أسد وجنده. فقد مر في الوطن العربي والإسلامي طواغيت كثر حاربوا العرب والمسلمين، لكنهم لم يفعلوا ما فعله بشار في السوريين . "هولاكو" قائد التتار مثلا، كان يذبح الجنود في بغداد لكنه لم يقتل امرأة واحدة.
أخيرا: إذا كانت واشنطن تراهن على إنتاج طاغية آخر يخرج من عباءة نظام القتل في دمشق لتحرم الإسلاميين من قطف ثمار النصر، فهي تثبت أنها تقرأ في دفاتر مزقها السوريون. لأن الجيش الحر تعلم كيف يموت لتحيا سورية، لا لكي تنفذ واشنطن أجندتها. أما موسكو وطهران فهما تجتران فشلهما، وقد بطل سحرهما عند السوريين. ويبقى التساؤل: أيهما أشد إجراما .. فرعون الذي ذبّح أبناء يهود، أم بشار الذي قتّل أبناء المسلمين ونساءهم؟ سيسجل التاريخ أن بشار أسد كان الحاكم الوحيد الذي قتل النساء والأطفال والشيوخ أثناء حكمه.