شيء عن إيران ..

عقاب يحيى

مازالت إيران تبحر في العميق، فلا ترى ما يجري في سورية سوى أحداث داخلية.. لا علاقة لها بثورة ولا بمطالب شعب تواق للحرية ,,

إيران تغوص في مشروعها الفئوي القومي، وبؤبؤ العين لديها أكبر من الشعب السوري، كيف لا وسقوط الطغمة يعني كسر حلقة مركزية في مشروعها الذي عرف انتشاراً واسعا السنوات الماضية، وكان نظام الطغمة جسراً رئيساً فيه، انتقل من محاولة أن يكون شريكاً أيام الطاغية الأكبر إلى تابع صغير على يدي الوريث يستجدي الحماية والمعونات، وحتى الحراسة ..

ـ إيران انتشت سنوات غياب المشروع النهضوي العربي، فعلى أرضية فشله، وخيانته من قبل من رفعوا راياته وداسوا عليه، وامتطوه لصالح نرجسياتهم ومصالحهم، ومزقوه إرباً، نجحت في تبني القضية الفلسطينية وهي تعرف أنها قضية مركزية يُجمع على تأييدها كافة العرب ـ على خلافاتهم ـ والمسلمين، فتقدمت الصفوف في الشعارات النارية التي تعيدنا لمرحلة الستينات.. يوم كان الذهن العربي الصاعد والمتحمس يعتقد أن التحرير قضية أيام، ويتحدث عن سحق الكيان وإزالة الدويلة من الوجود.. ونجحت أكثر في دعم ظاهرة حزب الله الذي تسيّد المقاومة واحتكرها، وأحرز نجاحات مهمة وضعته، وزعيمه في المقام الأول بين العرب والمسلمين، حتى بات حسن نصر الله في مرحلة من المراحل الزعيم الذي تُجمع عليه أطياف اليسار والإسلاميين وغيرهم.. وباتت توجيهاته للانتفاضة الفلسطينية بمثابة النصائح والدروس واجبة التعلم والتنفيذ ..فصال المشروع الإيراني وجال في عموم الأرض العربية.. يحمل معه حملات تشييع اعتبرت جزءاً من زوادته.. ثم بدأ النقار والصراع .. وأخذت النار تشتعل تحت سطح الأحداث على شكل تناحرات مذهبية تقسيمية تعيدنا إلى تاريخ اعتقدنا أنه مضى ولن يعود..فانتشرت الحسينيات، خاصة في سورية، وحركة التشيع، واقدم النظام على منح الجنسية لآلاف الإيرانيين الذين باتوا رقماً مهما في الواقع السوري، ووصل الأمر إلى بلدان المغرب العربي، والسودان، وحتى الصومال ..

***

ـ لكن معيقات بنيوية كانت تقف كالشوكة في حلق ذلك المشروع، اهمها تلك الازدواجية الملغومة بين المشروع القومي والديني، حيث بدت، لسنوات، وكأنها مندمجة، أو متوارية، وأن الجوهر ديني وليس قومياً.. وفي التدقيق، وعبر تتبع المسار كان الباحث يضع يده على البعد القومي، والفارسي بالتحديد في ذلك المشروع المتلطي خلف الحالة الدينية الجاذبة .

ـ في الجانب المذهبي.. حدثني أحد الأصحاب المطلعين على النسخة الأولى من الدستور الإيراني بأنه ورد فيبه حرفياً، وهو يضع مهام الحرس الثوري : " نشر مبدأ حاكمية المهدي في جميع أنحاء العالم حتى تسود"، وقال أن النسخ التالية، خاصة المترجمة للعربية جرى حذف هذه العبارات لما لها من مداليل صارخة في عمليات التشييع العصبوي، وما ينتج عنها من احتمالات الاقتتال والصراع . وأهمها : فضح جوهر المشروع الإيراني كمشروع قومي غارق في المذهبية .

ـ إشكالية أخرى في صلب المشروع الإيراني نابعة من ذات اليافطة الدينية المحمولة كمرجعية واديولوجيا.. وهي الحالة المذهبية، فالمشروع الإيراني لم ينجح في أن يكون إسلامياً عاماً يتوجه للأغلبية الإسلامية ـ السنية ـ بخطاب معتدل، وسطي، بعيد عن الفئوية، بل كشف أغطيته تماماً بأنه مذهبي بنكهة إيرانية أوجدت صيغة ولاية الفقيه كمرجعية وفلسفة لا يمكن تسويقها إسلاميا، ناهيك عن مخزون الفئوية والحقد.. والموقف الحاقد من عديد الصحابة والخلفاء الراشدين، وبعث الكربلائية نهجاً ورأس حربة في التجييش والاستعداء كمحاولة للرجعة إلى ايام الاقتتال التقسيم.. فكانت ردود الفعل الطبيعية حادة.. وعمّت التقسيمات المذهبية التي تشرخ المجتمع عمودياً.. وهو ما يقع في جوهر الاستراتيجية الصهيونية إزاء الوطن العربي.. التي تستند من زمان على هذا التقسيم ونتائجه .

****

سياسياً فضحت أحداث احتلال أفغانستان، ومن بعدها غزو العراق وتدمير الدولة العراقية، وتطييفها، ورسم تخوم التقسيم فيها ..

لقد تقشّرت وسقطت كافة الشعارات السياسية عن الشيطان الأكبر في أفغانستان، ووقوفاً في أرض العراق المستباحة.. حين كات التواطؤ الإيراني مع الأمريكان جلياً، وحين مدّوا نفوذهم في العراق لدعم جماعاتهم الفئوية، والحكم الطائفي الذي يبعث أحقاد التاريخ ليحييها ويصدرها بتلاوين التخلف ..

*****

إيران النظام الحالي تدرك مدى الخسارة التي ستلحق بها بسقوط" بؤبؤ العين" نظام الطغمة، لذلك كانت ضد الثورة، ولذلك لم تعترف بحق الشعب السوري بالحرية والكرامة، ولذلك مدّت الطغكة بكل أشكال الدعم اللوجستي وغيره، ولذلك تطرح" مبادرات" فاقدة للروح، تنهل من ذلك النسغ المذهبي المحقون بالانحياز المحاصر في كهوف الخوف من فقدان جسر مهم.. لذلك، ايضاً، تراجع المشروع الإيراني، ومعه شعبية حزب الله وزعيمه.. المسجون في انتمائه، وعصبويته، والعاجز عن الخروج منهما ..