ملامحُ مَنْ شخصيَّةِ الأسدِ المَوْروثةِ عَنْ أَبيه

ملامحُ مَنْ شخصيَّةِ الأسدِ المَوْروثةِ عَنْ أَبيه

محمد عبد الرازق

جملةٌ هي الأمور التي تميَّزت بها شخصية بشار الأسد، بعدما تولَّى أبوه، و خاله محمد مخلوف تهيئته للحكم عقب موت أخيه باسل في حادث سيارة على طريق مطار دمشق في عام ( 1994م ). غير أنَّ من أهمها هاتين الخصلتين:

1ـ أنَّه نِصفُ إله، و على أتباعه أن يتعاملوا مع شخصه الكريم، و مع قراراته بشيء من القُدسيَّة.

 و هذا ما علِق به من لوثة العقيدة الباطنية؛ الأمرُ الذي يُفسِّر للمتابع مدى التعلُّق به من لدن هؤلاء، و لاسيَّما الشبيحة منهم على اختلاف أنواعهم، الذين لا يقبلون أن يدور في خلدهم فكرة رحيله عن السلطة، و لا يسمحون لأيٍّ كان أن يطرح هذا الأمر للنقاش؛ و لذلك نرى أوداجهم تنتفخ، و زعيقهم يعلو، و يخرجون عن حدود اللياقة المصطنعة أمام الكاميرات إذا ما ألقي عليهم مثلُ هذا الاحتمال للخروج بسورية من الحالة التي تمرُّ بها.

و لذلك لا غرابةَ أن نجد أنصاره الخُلَّص يسجدون لصورته في عدد من الفيديوهات المسرَّبة، لا بلْ يأمرون المعتقلين أن يفعلوا الشيء ذاته؛ و إلاَّ فإنَّ الدفن، و الحرق، و التقطيع مصيرُهم المنتظر.

و عليه فإنَّه لا مانع لديهم أن تذهب سورية في ( ألف داهية )، طالما أنّ الأسد باقٍ، و على السوريين أن يرهنوا مصير بلد ضارب في العراقة، و القدم بمصير رئيسهم الشاب الوسيم.  و هذا ما  قالوه صراحة، و ما كتبوه على الجدران في عموم أنحاء سورية: الأسد، أو لا أحد. الأسد، أو نحرق البلد. تموت البلد ليحيا الأسد. الأسد قائدنا إلى الأبد.

يأتي هذا الأمر ليبيِّن للمراقبين حقيقة المأساة التي تعيشها سورية. بلدٌ يحترق، و مؤسساته تنقض الواحدة تلوى الأخرى و يخرج علينا من الأبواق من يمُنَّ على السوريين، و على العالم أجمع أن الأمور ما تزال بخير طالما الأسد يرنو بنظراته بين الحين و الآخر على دمشق من أعالي جبل قاسيون.

2ـ تأجيل اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة إلى رُبع الساعة الأخيرة.

و هذا ما نراه حقيقة ماثلة أمامنا اليوم؛ فالبلد تحترق، و سياسةُ قضم الأطراف التي اتبعها الجيش الحر جعلت نفوذه محصورًا في أقلّ من عشرين بالمائة من الأرض السورية، و لا سيَّما في كبرى مدنها ( دمشق، و حلب ) اللتين طالما تغنَّى سحرةُ إعلامه بأنّ الأسد بخير طالما تقفان إلى جانبه.

لن نطيل في الحديث عن مآلات الأمور فيهما؛ بعدما باتت كلٌّ منهما بِنِسَبٍ تتجاوز الخمسين بالمائة خارج سيطرته. و لا أدلَّ على ذلك من أنّ المبعوث الأممي لم يجد حيلة للوصول إلى دمشق مساء ( الأحد: 23/ 12/ 2012م )للقائه الأسد سوى أن يهبط بطائرته في مطار بيروت، ليستقِلَّ بعدها سيارة توصله إلى قصر تشرين في أعالي قاسيون. و هي الطريق ذاتها التي سلكها فيصل المقداد مع معاونه عندما أرادا غَذَّ السير عصر اليوم ( الاربعاء: 26/ 12/ 2012م ) إلى موسكو؛ ليستطلعا من الروس عن حقيقة التفاهمات التي تمت مع الأمريكان بخصوص المرحلة القادمة، التي سمعوها من الإبراهيمي.

إنَّ الوقت ما عاد يُسعف الأسد حتى يطيل التفكير فيما ينبغي عليه اتخاذه من قرارات مصيرية.

إنَّ ما بات يقلق الأسد ما تناقلته وسائل الإعلام من أنَّ الروس أخذوا يفتشون لهم عن مخرج في سورية، يحفظ لهم مصالحهم المستقبلية؛ بعدما أدركوا أن الأمور سائرة على غير ما كانوا يخططون له في حال بقائه. فكتائب الجيش الحر في وضع مريح، و هي تتجه نحو تحقيق مكاسب ميدانية ستفوّت عليهم كثيرًا من مصالحهم التي ارتبطت ببقاء نظام الأسد، و قدرته على الحسم.

لقد ضاقت على الأسد دائرة الخيارات، و ما عاد أمامه في ربع الساعة الأخيرة سوى أن يسلك أحد هذه الخيارات:

أ ـ أن يقاتل حتى اللحظة التي يقتل فيها في ضواحي العاصمة دمشق على يد كتائب الجيش الحر.

ب ـ أن يولِّي هاربًا، طالبًا النجاة بروحه عندما تحيط به كتائب الجيش الحر؛ و عندها ستلحق به قياداته، وتصرعه ، و تتولى هي القتال بعده سواء في العاصمة، أو في حصون الطائفة في الساحل.

ج ـ أن ينتفض عليه بعض أعوانه في اللحظات الأخيرة، و يطيحوا به بانقلاب عسكري، يحفظ للطائفة بعضًا من مصالحها، و يقومون بعد ذلك بتسليم مقاليد الأمور لمجلس انتقالي مؤقت.

د ـ أن يقبل بنتائج التفاهمات التي تمت بين الأمريكان، و الروس عقب لقاءات ( دبلن ـ جنيف )، و يرحل بمعيّة ( 142 شخص ) من خلص أعوانه، و حاشيته إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية ( البرازيل، فنزويلا، الإكوادور )، و هي الرحلة التي تولَّى الترتيب لها فيصل مقداد قبل أسابيع، عندما طاف على هذه الدول، و كان من نتائجها أن رحّب رئيس الإكوادور بطلب الأسد اللجوء السياسي في بلاده.

غير أن المُرجَّح لدى المراقبين من خلال الاطلاع على التكوين النفسي لدى الأسد، أن يقاتل حتى تزهق روحه في دمشق؛ ذلك أنه، و حاشيته الخُلَّص قد استقرّ في قناعاتهم أنّهم منصورون لا محالة؛ لذلك ينصحونه بشنّ المزيد من الهجمات بالطائرات على أيّ وجه كان. إنهم ينظرون إلى ما يجري على أنه جرائم يرتكبها ثُلّةٌ من ( الكلاب، أو الإرهابيين، أو الإسلاميين، أو الوهّابيين ).

إنّه ــ و رغم حديثه عن الحوار ـــ لا يريد سوى أن يكون القائد الذي لا يفكِّر بغير النصر، النصر فحسب.