الإجماع الوطني لا يعني الجماع الوطني
يا دولة رئيس الوزراء!
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
عندما تصاعدت الأزمة بين (فخري كريم) مستشار الرئيس الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي إتهم الأول الثاني بالكذب وهذه الصفة(الكذاب) لم تطلق على المالكي جزافا ولأول مرة. بل ربما هي كلمة مخففة للصفة التي أطلقها مقتدى الصدر على المالكي وهي(أكبر كذاب) وكذلك اللافتات التي رفعها المتظاهرون في ساحة التحرير! فمن جملة التهم التي وجهها المستشار للمالكي هي الطائفية المقيتة وتهميش أهل السنة وإستهداف قياداتهم ورموزهم. وهذه ليست إتهامات بل حقائق له شهودها على الواقع فمحمد الدايني وطارق الهاشمي والمطلك والحبل على الجرار هم نماذج حية كضحايا المالكي. لقد أثبت المالكي من خلالها بأنه أفضل من يتقمص شخصية الذئب البشري على الواقع وليس تمثيلا. فالذئب هو الحيوان الوحيد الذي لا يروض ولا يؤتمن جانبه، ومن طبعه الغدر والتنكيل بضحيته وتمزيقها شر تمزيق، وهذه قواسم مشتركة بين المالكي والذئب.
تأتي أحداث مداهمة وزارة المالية السيادية من قبل وزارة الداخلية السيادية في بلد يفتقر أصلا إلى السيادة لتؤكد ان رئيس الوزراء هو رجل الأزمات فعلا. ويبدو إن له برنامج متسلسل من الأزمات فقبل أن تنتهي الأزمة- أية أزمة- يكون قد أكمل إخراج الأزمة التي تليها. واحيانا يعرض الأزمتين في وقت واحد كما يجري حاليا! حيث يعرض حلقته مع البرزاني متزامنة مع حلقة العيساوي. مفرزة أمنية تقتحم وزارة سيادية وتلقي القبض على حماية الوزير وتقتادهم كالخراف بدون أمر قضائي ودون معرفة الوزير نفسه! حسنا هذه مسألة قد فهمناها! أما أن تقوم القوة بتحطيم كرافانات الحماية وما تحتويه من أثاث وتعبث بحاسبات الوزارة فهذا ما لا نفهمه!
دعك من وزارة سيادية وغير سيادية فهذا حديث تافه، فقط وزارات حزب الدعوة هي السيادية حتى لو كانت وزارات ظل وما دونها سيادتها حلقة في إصبع المالكي، سيما اذا كان الوزراء من أهل السنة لا حول لهم ولا قوة! فضعف أهل السنة وخوار قياداتهم وتشرذم احوالهم هو الذي فرعن المالكي عليهم. فهو فرعون على السنة فقط! وهذا ما يجب أن يفهمه أهل السنة!
أنظر الى السجون اكثر من 98% من المعتقلين هم من أهل السنة! أنظر لقيادات السنة من الدايني والهاشمي والمطلك والنجيفي وكيف يتعامل معهم المالكي بإحتقار! هل هناك دولة في العالم يخاف رئيس برلمانها من رئيس الوزراء ويرتعد أمامه كالجرذ؟ انظر الى قادة الفرق العسكرية والمدراء العامين ورؤساء الأجهزة الأمنية ومدراء السجون وموظفي مكتب رئيس الوزراء والجيش والشرطة ومنتسبي الأجهزة الأمنية ومدراء المؤسسات وحتى المدارس ستجد 95% منهم من الشيعة! إذن أين حكومة الشراكة والتوافق السياسي و الإجماع الوطني في دولة القانون؟
لسنا بصدد الدفاع عن الهاشمي والعيساوي والمطلك وبقية شراذم الإحتلال الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن أهل السنة دون ان ينهق أي منهم نهقة واحدة في وجه دولة الذئب. فهؤلاء العملاء لا يقلوا نذالة وخساسة عن نظرائهم الشيعة في الحكم والعمالة. لكننا نحاول أن نضع النقاط على الحروف. فهذا المالكي قد بسط نفوذه على السلطتين التشريعية والقضائية فجعلهما مداسين على حجم قدميه. وأخطر ما تحدثنا عنه كانت محاولته الناجحة للسيطرة على قضاء مدحت المحمود الذي عرض مفاتنه طوعا للمالكي وصحبه بكل قناعة ورضا إلى مخدع القضاء دون أن يشعروا النواب الخصيان بالغيرة من خصمهم أو بشيء من الخوف والرهبة عما سيئول إليه الوضع في المستقبل.
لقد سلموا بحماقة وجهل لجامهم للمالكي فملك بذلك امضى سلاح بيده ضدهم. لذا لا نستغرب في يوم قادم لا محالة من إعتقال حماية النجيفي أو هو نفسه بتهمة المادة/4 (سنة)! عندما هاجمت قوة المالكي الوزارة فأول عمل قام به هو أغلاق هواتفه! تصوروا رئيس وزراء يرفض أن يجيب على مكالمات رئيس مجلس النواب ووزيره للماليه! ألا خسئتم وثكلتكم أمهاتكم يا سفلاء الأمة هل هناك عار أشد من هذا!
وعندما طلب آمر فوج حماية العيساوي مذكرة القضاء تبين بأنه لم تكن هناك مذكرة أصلا! بل كان هناك قيدا كبل به جحش العيساوي وخرافه وأقتيدوا إلى الحظيرة بكل خضوع ومهانة رغم القوة التي بعهدتهم! مفرزة ميليشياوية كما سماها رافع العبثاوي تلقي القبض على (200) عنصر مدجج بالسلاح من حمايته دون أن يجرأ أي جرذ منهم على مقاومة عناصر الميليشيا! يا للعار فأنتم حقا خيبةالخيبات! أية حماية هذه؟ الا يخجل العبثاوي من نفسه؟ كيف يحمي الضعيف طائفته طالما هو عاجز عن حماية نفسه؟ والطريف أنه بعد إشارة العيساوي في كلمة تلفازية مقتضبة بعدم وجود مذكرة قضائية للمفرزة المداهمة. سارعت سلطة مدحت المحمود بإصدار المذكرة كي تتدارك الفضيحة! إنه اللعب على القانون وليس على آلة القانون في دولة القانون.
تصوروا! حتى رئيس مجلس النواب لم يسمح له بدخول منزل العيساوي للتضامن معه إلا بعد مشادات وتوسلات مع القوة المحيطة بمنزل الوزير! كأنه بيدق على الشطرنج وليس قلعة التشريع. الغريب ان مكتب المالكي ذكر بخجل بأنه لا يعلم شيئا عن القوة لمداهمة! ولا يعرف إلى أية جهة تنتمي؟ سبحان الله! رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية والمخابرات والاستخبارات والأمن لا يعرف شيئا عن قوة تحت قيادته أقتحمت إحدى وزارته! والأنكى منه ما جاء في تصريح مكتب المالكي عقب الحادث مباشرة " عدم علم مفارز وزارة الداخلية بأن الدار يعود لمعالي(بالأحرى مخازي) الوزير". هكذا يستهينون بالوزراء السنة ويتعاملون معهم في دولة القانون. وهم يستحقونها فعلا!
ويبدو ان مكتب رئيس الوزراء أحيط علما بتجاوزات القوة المداهمة وتحطيم الكرافانات والأثاث واجهزة الحاسوب. لذا فقد جاء في التصريح" بأن الوزارة إتخذت إجراءات قانونية واحترازية وقائية بحق بعض أفراد القوة". إنتظروا تكريمهم من قبل رئيس الوزراء وليس تأديبهم.
الأطرف في المسألة إنه بعد هذا كله ظهر الذئب بفروة خروف! فقد إتهم المالكي جماعة العيساوي بمحاولة" العزف على الوتر الطائفي لتحقيق أهداف ساسية أو شخصية. حيث إن بعض السياسيين إعتاد على إفتعال الأزمات السياسية". لقد قلب الطاولة على النجيفي والعيساوي والمطلك كأنهم هم الذين داهموا مكتبه وليس العكس. من جهة أخرى جاء في مذكرة وزارة الداخلية بأن" عدد المطلوبين للقضاء(8) مطلوبين، في حين تم إعتقال العشرات". وهذا يؤكد عدم وجود مذكرة قضائية بل تم الإعتقال عشوائيا. وبعد المداهمة والإعتقال صدرت المذكرة القضائية. وقد أكد المتحدث بإسم وزارة الداخلية بأن القوات المداهمة تجاوزت بإعتقال غير الثمانية ولكنهم كانوا أقل من(200) شخص! وليس كما روجت وسائل الإعلام وإدعى العيساوي نفسه. ربما(199) وليس(200) مطلوب!
أستمعوا لتصريح النائب القرقوز(مظهر الجنابي) لتعرفوا مكانة النائب السني في دولة القانون" صدر توجيه من مكتب القائد العام للقوات المسلحة إلى السيطرات الأمنية في مداخل العاصمة بغداد بمنع دخول نواب العراقية إلى بغداد إلا بعد أخذ تصريح أو موافقة من مكتب القائد العام". يضيف النائب بلا حياء" وهذا الحال إنطبق معي وتم منعي من الدخول من إحدى السيطرات في جنوب بغداد رغم كوني عضو لجنة الأمن والدفا في البرلمان ونائب عن محافظة بغداد". سيطرة أمنية من جنود أمعيين تمنع نائب بحصانة خراسانية من دخول بغداد! وقبلها منع المالكي أياد علاوي رئيس القائمة العراقية من دخول المنطقة الخضراء! إلا تفوا عليكم وألف تف!
الأسئلة التي تتبادر الى الذهن:
الم يسبق المداهمة تهجم من بعض الأقلام المالكية والمواقع المأجورة لحزب الدعوة على الوزير العيساوي وإتهامه بالفساد المالي والإداري لغرض تسقيطه سياسيا وأخلاقيا؟ الأمر مبيت له إذن.
الم تشر الأنباء قبل الحادث إلى وجود مشادات كلامية بين العيساوي من جهة ووزير التعليم العالي علي الزندي(إيراني الجنسية/ حزب المالكي) على ضوء تعديل ملاكات وزارة الزندي وفق رؤية طائفية، ورفضها العيساوي ولم تناقش في مجلس الوزراء؟ فكان لحزب الدعوة أن يثأر لأحد قواده!
ما هي مدى صحة إجتماع المالكي وعدد من أركان حزبه العميل مع المتصهين هنري كيسنجر وجورج نادر لتصفية بعض رموز السنة ممن يمكن أن ينافسوا المالكي على موقعه في الإنتخابات القادمة وإعادة سيناريو طارق الهاشمي.
ما مدى علاقة الحادث بالجلطة الدماغية التي تعرض لها الرئيس الطالباني والتي انهت دوره السياسي وقد طرح إسم العيساوي كأحد المرشحين للوزارة؟
لماذا لم تداهم لحد الآن قوة أمنية أية وزارة شيعية؟ أو تعتقل حماية وزير شيعي بما فيهم المفسدين والذين صدرت بحقهم مذكرات إعتقال كوزيرة التجارة السابق فلاح السوداني.
لما لا يجرؤ المالكي على مداهمة وزارة كردية أوإعتقال حماية وزير كردي كما فعل مع الوزراء السنة؟ وقد لمح خلال مشاداته الكلامية مع البرزاني بأنه يمتلك أدلة على تورط وزراء ومسؤولين كبار من الأكراد بأعمال إرهابية؟ بل هدد بعض الوزراء الاكراد علانية بأنهم سيقاتلون مع البيشمركة ضد جيش المالكي في حال حدوث صدام مسلح بين قوات الطرفين!
هل يعتمد المالكي إستراتيجية جديدة وهي(ضرب السنة بالسنة ولنا الأجر والثواب)؟ سيما ان هناك همس بأن الوشاية حول تورط أعضاء من حماية المالكي بالإرهاب قد جاءت من نائبين من أهل السنة.
هل يعزف المالكي على الوتر الطائفي في مرحلة ما قبل الإنتخابات القادمة لإستمالة الشيعة من خلال التنكيل بأهل السنة وقياداتهم؟ حيث يبدو إن المطلب الإنتخابي الرئيس لشيعة العراق هو التنكيل بأهل السنة. وقد فهم المالكي المسألة ويعمل بموجبها. والدليل على ذلك إننا لم نسمع صوت شيعي رسمي أو حوزوي أو شعبي يستنكر فعلة المالكي الأخيرة.
وهل سترجع ريشة أحمد أبو ريشه مؤسس الصحوات إلى موقعها بعد أن أبعدتها زوبعة المالكي بعيدا عن رأسه وداس عليها المالكي بمداسه؟
هل يظن المالكي بأن إفتعال هذه الأزمات هي أفضل طريقة لإبعاد العراقيين عن واقعهم المؤلم؟ حيث تشير آخر الإحصائيات بأن عدد فقراء دولة المليارات (8) مليون، وعدد الأميين أكثر من(5) مليون، ناهيك عن أزمة الماء والكهرباء والوقود الأمن ومشكلة النفايات وعدم توفر الخدمات الصحية والتعليمية والفساد الحكومي المالي والأخلاقي.
علاوة على مشكلة البارزاني مع قوات دجلة، والفراغ الرئاسي بتفاقم صحة الطالباني، وفضحية عمليات التعذيب والإغتصاب في السجون التي أعترفت بها السلطة القضائية وأنكرها المأبونون والعاهرات في جلسة البرلمان. بالإضافة إلى تكرار المطالبات الدولية لوقف احكام الإعدام العشوائية وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلد المنكوب ومشكلة نهب ممتلكات معسكر أشرف. وصفقة الأسلحة الروسية والاوكرانية الفاسدة. وشراء طائرات نقل امريكية بأضعاف سعرها، وهروب وزير الدفاع السابق عبد القادر العبيدي لموطن الوزير السوداني(لندن). هل غلف المالكي هذه الأزمات بورقة العيساوي.
ألم يدرك المالكي بعد بأن العراق الصامد أختصر بكلمة( فلوجة) مع إحترامنا لمحافظات الموصل وديالى وصلاح الدين وبغداد وكركوك. ألم يدرك بعد بأن الفلوجة هي خط احمر وجب الحذر منه. وأن من لم تسطيع قوات المارينز بأساطيلها وطائراتها وتقنياتها التسليحية من الوقوف أمام هدير الفلوجة. فهل ستقف جرذان المالكي أمامها؟ ألا يعلم بأن نساء الفلوجة مصنع لإنتاج الأبطال ولن يعقرنٌ أبدا؟
المالكي فاته شيء مهم! فقد وحد بمداهمته وزارة وبيت العيساوي صفوف السنة. وجعلهم يفقهون جيدا بأن عملية ترويض الذئب غير ناجحة. وإن من همشهم خلال الحقبة الماضية لا يمكن أن يؤمن بالشراكة الوطنية أو يعيد لهم حقوقهم ومكانتهم. هذا رجل يؤمن بالجماع الوطني وليس الإجماع الوطني يؤمن بالشراكة السريريه وليس الشراكة الوطنية!
من جهة أخرى، إذا كان تعامل قوات المالكي مع وزيره للمالية قد تم بهذه الطريقة المبتذلة والدنيئة فما بالك بتعاملهم مع المواطن العراقي العادي؟ كان الله في عون العراقيين.
ثم هل ادرك العرب محنة أهل السنة في العراق وحقيقة المظلومية التي يتعرضون لها في دولة القانون الصفوية؟ وهل سنسمع من الشرعية الدولية موقفا متضامنا مع سنة العراق مثلما فعلت من الشيعة والأكراد؟ وأين منظمة العفو الدولية ومراقب حقوق الإنسان من هذه الإنتهاكات البشعة؟ وهل سينقل العميل الدولي كوبلر الى الأمين العام الأمم المتحدة حقيقة ما يجري في العراق ومأساة أهل السنة أم سيتسلم كالعادة صكا مليونيا مقابل سكوته الفاضح؟
كل الدلائل تشير إلى أن المالكي يمشي على طريق بشار الأسد وهو ما توجسه بنفسه سابقا. ويبدو إن كلاهما يعجل بحفر قبره بيده. فبئس المصير. وعليكم لعنة السماء والأرض، فأنتم لستم رجال دولة بل ذئاب بشرية.
كلمة أخيرة للمقاومة الوطنية الباسلة تاج رؤوسنا، وهي عدم تفويت هذه الفرصة الذهبية، فقد بلغ السخط الشعبي الزبى. وأمسى الوقت ملحا لتوجيه ضربات قاصمة للحكومة الصفوية وأقزام ملالي إيران. فالعراق أمانة في أيديكم الشريفة ولم يبق لنا بعد الله غيركم. إضربوا بكل قوة فهذه الطفيليات القذرة لا تفهم غير منطق القوة. ووجهوا ضرباتكم القاصمة الى رؤوس الأفاعي الصفوية فهم مصدر بلاءنا ومحنتنا الحالية. لا ترحموا الظالمين فقد لعنهم الله ورسوله. نصركم الله وسدد خطاكم على طريق النصر الأكيد. العون من الله ولكن على أيديكم.