حَلْفَايَا: خُبْزٌ، و دَمٌ على وَقْعِ زيارةِ الإبراهيمي

حَلْفَايَا: خُبْزٌ، و دَمٌ على وَقْعِ زيارةِ الإبراهيمي

محمد عبد الرازق

كعادته في استقبال المبعوثين، و المراقبين الدوليين بضرب المناطق الليِّنة في كلّ زيارة لهم إلى سورية، يستقبل الأسدُ السيّدَ الإبراهيمي هذه المرة على وَقْعِ صاروخين أطلقتهما طائرة ميغ روسية الصُّنع على حشد من المواطنين، تجمَّعوا أمام الفرن الآلي ( فرن البلدية ) في مدينة (حَلْفَايَا ) في محافظة حماة.

لقد وقعت مجزرة اليوم ( الأحد: 23/ 12/ 2012م )، عندما كان أكثر من (500) شخص معظمهم من هذه المدينة، و بعضهم الآخر من قرى و بلدات مجاورة كانوا قد لجؤوا إليها بعد تحريرها؛ هربًا من القصف على مناطقهم. قد تجمَّعوا للحصول على الخبز بعد أن قدمت هيئة الشام الإسلامية مادة الدقيق للمدينة بعد تحريرها مؤخرًا.

و عندما توجه الأهالي إلى المخبز البلدي، و وقفوا في صفوف متراصة؛ انتظارًا لأرغفة الخبز بعد انقطاعه عنها لما يزيد عن عشرة أيام، حيث توقفت المخابز عن العمل، ولم يعد في المدينة رغيف واحد. فاجأتهم هذه الطائرة بأربعة صواريخ (جو ــ أرض ) استهدفت الفرن، و المنطقة المحيطة به؛ الأمر الذي أدَّى ـــ حسب حصيلة أوَّليّة ـــ إلى استشهاد أربعة و تسعين شخص على الفور، معظمهم من الأطفال و النساء. و العدد مرشَّح للمزيد؛ بسبب وجود الكثير من الجرحى، الذين عجزت مشافي المدينة عن تقديم الاسعافات الضرورية لهم؛ بسبب نقص في المواد الطبية في المشافي الميدانية، و في مقدمتها: أكياس الدم، و مستلزمات العمليات الجراحية اللازمة.

و غير بعيد عن فظاعة هذه المجزرة التي ارتكبتها كتائب الأسد بحق أهلنا في مدينة ( حَلْفَايَا )، تأتي قضية استخدامها غازات سامة مُشِلَّة للأعصاب في حيي: البياضة، و الخالدية في حمص؛ ممَّا أدّى إلى إصابة ثلاثين شخصًا، و وفاة شخص واحد من جرَّائها.

 هذا هو الردّ السريع على الخطة الأمريكية ـ الروسية، رقم ( أ ) التي يحملها الإبراهيمي إلى الأسد، و قد أماطت صحيفةُ ( لوفيغارو ) اللِّثامَ عن بعض تفاصيلها. و هي الخطة التي من المتوقَّع أن ترفضها المعارضة السورية لعدة أسباب، منها:

1ـ أنها تعطي مهلة للأسد للبقاء في السلطة حتى نهاية فترته الرئاسية؛ تمهيدًا لحل سياسي. ترى قوى المعارضة أن التحركات الميدانية قد تجاوزته.

2ـ أن الثقة معدومة بين الطرفين؛ و بالتالي لا يُستبعد أن يستجمع الأسد قواه: الأمنية، و العسكرية و ينقض على المعارضة، و عندها لن تنفع الأخيرة عبارات الشجب و الاستنكار من لدن المجتمع الدولي.

و عندها يكون الطريق مُمَهَّدًا للانتقال إلى الخطة رقم ( ب )، التي تقضي بإرسال مراقبين دوليين؛ للفصل بين الأطراف المتقاتلة، و لاسيما في المناطق ذات التداخل الطائفي: السُّني ــ العلويّ. و هو الأمر الذي تدندن عليه كلٌّ من أمريكا، و روسيا؛ من أجل الوصول إلى عدة أهداف تبغيها من وراء ذلك، من أهمها:

1ـ قطع الطريق على الثورة في تحقيق أهدافها كاملة في تفكيك أهمّ مؤسستين يقوم عليهما النظام؛ الأمر الذي يعني الحفاظ على التركيبة العسكرية، و الأمنية للنظام بعد سقوط شخص الأسد؛ كونهم قد خبروا خدماتهما على مدى سنوات طويلة.

2ـ التواجد الميداني للقوات الأمريكية ؛ ممَّا يساعد في رسم ملامح المشهد في المرحلة القادمة؛ من خلال فرض رُؤى سياسية معينة تحافظ على مصالحها، و مصالح دولة إسرائيل من قبلها.

3ـ الحؤول دون هيمنة التيار الإسلامي على مفاصل الحياة في سورية في ظل المرحلة القادمة؛ كونه الجهة الأكثر تنظيمًا، و يحظى بالقبول لدى السوريين عمومًا. و هي لا تريد تكرار السناريو الليبي، و المصري في سورية عندما سيطر الإسلاميون على المشهد السياسي فيهما.

إنَّ ما يحمله معه الإبراهيمي من مقترحات لحلحلة القضية، لا يعدو أن يكون سعيًا في الوقت الضائع؛ ذلك أن الأمور على المستوى الميداني قد تجاوزت المنطق الذي يفكِّر به: هو، و الخبراء الأمريكان، و الروس في اجتماعات ( دبلن، و جنيف ).

و لذلك نتوقع أن تتأخر ساعة التوقيع على نهاية النظام عندهم؛ بانتظار الإتيان على ما تبقَّى في سورية من مقدَّرات عسكرية، و وضع اليد على مخازن ( الأسلحة الكيمياوية ) للحؤول دون استخدامها من قبل كتائب الأسد؛ من خلال التدخُّل المباشر عن طريق ضربات جوية خاطفة لمراكز القيادة في الربع ساعة الأخيرة قبل سقوط النظام. ز

و بذلك تظهر أمريكا في صورة المخلِّص للشعب السوري من شرٍّ مستطير كان يمهِّد الأسد لاستخدامه ضده؛ الأمر الذي يجعلها في موقع فرض رؤيتها في المشهد السوري في مرحلة ما بعد الأسد.