الثورةُ السورية، وحديثُ الانتخابات

الثورةُ السورية، وحديثُ الانتخابات

محمد عبد الرازق

سؤالٌ بريء ألقاه عليَّ قبل أيام أحد الأصدقاء، بعد شرح قدمته عن مُجمَل الوضع السياسي و الميداني في سورية:

ـ لماذا ترفضُ الثورةُ السورية القبول بالاحتكام إلى نتائج الانتخابات الرئاسية، و التشريعية؛ من أجل الخروج من الأزمة التي تمرُّ بها سورية؟

: إنَّ الانتخابات من حيثُ المبدأ أمرٌ مُرَحبٌ به، و لا يتمارى في ذلك اثنان؛ بيدَ أنَّ المرامي التي يريدها أصحاب المشاريع، و المبادرات التي كانت من قبل: بدءًا من مؤتمر جنيف ذي النكهة الروسية، و ما تمخَّض عنه في تحركات كوفي عنان، و من بعده الأخضر الإبراهيمي. و وصولاً إلى مبادرتَي فاروق الشرع، و إيران في هذه الأيام هو ما يسترعي الوُقوفَ عنده.

إنَّ عالَمَ السياسية عند هؤلاء يقوم على المبادئ المكيافيلية البحتة؛ فما من خطوة يخطونها، أو مسعى يُروِّجون له، أو مبادرة يطلقونها، لحلحلة الوضع في سورية، إلاَّ و يغلِّفونها بالحديث عن الانتخابات كسبيل للخروج من حالة المراوحة، و الجمود التي تعيشها سورية.

إنّ السوريين هُمْ أَخبرُ الناس بهذه الفذلكة السياسية، التي تطوَّرت لدى حزب البعث، و من ثَمَّ لدى نظام الأسد( أبًا، و ابنًا )؛ لتصبح بعدها استفتاءً على شخص الرئيس الأوحد. فخمسون سنة خطَفَ فيها البعث الحياة السياسية في سورية (أربعون منها تسلَّط فيها آل الأسد على رقابهم بالحديد، و النار) جعلتْهم من أَنْبَهِ الناس خبرة، و دراية بالمهازل، التي ستسفرُ عنها نتائج الصناديق المُعبَّأة سَلَفًا في مقرَّات الأمن، و بأصوات الأموات قبل الأحياء.

لقد أصبحت نسبة الثلاث تسعات، التي تأتي بها صناديق الاقتراع في سورية من أظرف النُّكات التي يتندَّر بها العَالمُ من حولهم؛ و عليه  فإنَّهم ما عادوا يُطيقون صبرًا أن يُصبحوا حديث المجالس في هذا الأمر ثانية، بعد أن أخذوا يتعافَوْن من هذه اللّوثة ( البعثية ـ الأسدية ) التي صدَّع به النظامُ رؤوسَهم.

فإذا بها تُعاد ثانيةً على لسان حلفائه في طهران، و موسكو؛ لا بلْ حتى على لسان الرفاق الصينيين، حيث لا تعرف الانتخابات إلى بلادهم طريقًا. و الأَطرفُ من ذلك كلِّه أن يعاود النظام تسويقها على لسان فاروق الشرع.

لقد أدركَ حلفاءُ الأسد ما حلَّ بصاحبهم من طوارق الجيش الحر( جمع طارق: ما يأتي ليلاً )، و باتوا يَرَوْن تسارع الأحداث رأيَ العين، و تيقنوا أن ثورة الشعب ماضية في طريقها، غير عابئة بما تحمله المبادرات الهزيلة من حلول لا تواكب التطورات الميدانية؛ فأرادوا أن يقطعوا على السوريين الطريق في مطالبهم بالتغيير الكُلّي، و الشامل لكلّ مفاصل النظام ( سياسيًّا، و أمنيًّا، و عسكريًّا )؛ فكان أن تفتَّقت أذهانهم، و عبقرياتهم السياسية بالقول بوقف القتال، و الاحتكام إلى نتائج صناديق الانتخابات التي تحدِّد ملامح المرحلة السياسية القادمة في سورية.

لقد أدرك السوريون قد أدركوا أنَّ العالم الذي تخلى عنهم على مدى عشرين شهرًا، لا يريد لهم أن يبلغوا غاياتهم كاملةً؛ و لذلك يرِوْنه يُلِحُّ جاهدًا في التسويق لمثل هذه المبادرات لأمور عدة، منها:

1ـ السعيُ للحفاظ على التركيبة العسكرية، و الأمنية للنظام بعد سقوط الأسد؛ كونهم قد خبروا خدماتها على مدى سنوات طويلة.

2ـ رسم ملامح المشهد في المرحلة القادمة؛ من خلال فرض رُؤى سياسية معينة تحافظ على مصالحهم، و مصالح دولة إسرائيل من قبلها.

3ـ الحؤول دون هيمنة التيار الإسلامي على مفاصل الحياة في سورية في ظل المرحلة القادمة؛ كونه الجهة الأكثر تنظيمًا، و يحظى بالقبول لدى السوريين عمومًا.

بالطبع: كلُّ ذلك مرهون بما تشهده الساحة من تطورات ميدانية، تتسابق مع هذه الحلول و المبادرات السياسية التي تنسج خيوطها بشكل مباشر في العواصم الغربية ما بين روسيا، و واشنطن، و بحضور أممي ( من خلال الإبراهيمي )، و بشكل غير مباشر في دول الإقليم ما بين طهران، و تركيا، قطر.