أحرقوا الوطن.. بددوا حلمه
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
ربما يرى البعض المشهد الحالي بأنه ردة عن طريق الثورة ، وربما يراه البعض الآخر محاولة يائسة من أعداء الثورة من الداخل والخارج لوئد الثورة ، ورغم أن قراءة المشهد توحي بأن الوطن يمر بمحنة بعد الإعلان الدستوري الأخير
وقد يستخدم البعض الأمر ويسوقه على أن هذا الإعلان قسَّم الوطن ، كما لو كان الوضع قبل الإعلان لم يكن فيه استقطاب حاد بين القوى السياسية ، وينسى البعض مليونية " مصر مش عزبة " والتي كانت في واقع الأمر تكريسا لمفهوم دكتاتورية الأقلية ، فعندما يرفض البعض ممن خسر انتخابات الرئاسة شرعية صندوق الانتخابات ، ويدير معركة يستخدم فيها كل ما هو مشروع وما هو غير مشروع من أجل إعادة الانتخابات الرئاسية بعد وضع الدستور
ولو علمنا أن السبب من انسحابات التأسيسية هو في الواقع تحريض صريح ومبطن من قبل التيارات العلمانية على إسقاط الرئيس المنتخب لا لشيء إلا لأنه من فصيل إسلامي ، هذه هي الحقيقة التي صرح بها رجال يقفون على الحياد من داخل التأسيسية
في حوار جمع أحد الرجال البارزين في التأسيسية وواحد من أبطال برامج التوك شو وهو إعلامي بارز ، سؤل الإعلامي : ما هو المخرج من أزمة الإعلان الدستوري ؟ أجاب : على من أحضر العفريت أن يصرفه ، وعلى الفور يعقب رجل التأسيسية : أن العفريت الحقيقي لدى النخب هو الرئيس لأنه من الإخوان
هذه الأزمة الحالية التي أسميها محنة أزمة كاشفة لعدة أمور :
أولا : سقوط الأقنعة عن بعض الرموز التي كان من الممكن أن تكون في الحكم ، أحد هذه الرموز البارزين وهو الدكتور البرادعي يصرح لصحيفة ألمانية أن الذين انسحبوا من الدستورية من الليبراليين لأن أعضاء في التأسيسية يحرِّمون الموسيقى ولا يؤمنون بالليبرالية ، ولا يؤمنون بالهوليسكوست ، وقد ذهب أبعد من ذلك عندما استنجد بأمريكا وأوربا للتدخل ، وعندما حرض الجيش على النزول لحسم الموقف ، وهي جميعا مواقف متناقضة مع مواقفه السابقة
ثانيا : أن المصلحة الشخصية للبعض طغت على أي مصلحة وطنية وبالتالي فإن دعاوى الوطنية تصبح دعاوى زائفة 00 يصرح أحد مرشحي الرئاسة الذي يمني نفسه بالوصول لمنصب الرئاسة لأحد أعضاء التأسيسية البارزين : لماذا لا تعاد الانتخابات بعد الدستور ، وكأن القضية انحصرت في ذلك ، وينسى أن مصر تحتاج إلى استقرار ، ولو كان صادقا في وطنيته لأجَّل حلمه أربع سنوات في سبيل استقرار الوطن ، وإنني أكاد أجزم أن أعضاء التأسيسية المنسحبين سوف يعودون فورا بمجرد إعلان أعضاء التأسيسية أنهم قبلوا أن تعاد انتخابات الرئاسة بعد وضع الدستور
ثالثا : أن المخطط الذي كان يدبر بليل لمصر - وليس لرئيسها المنتخب فقط - مظاهره بدت جلية ولا تحتاج إلى مزيد إيضاح ، هذا المخطط الذي توحدت فيه فلول النظام السابق ، مع بعض الرموز التي كنا نظن أنها ثورية ، وقد توزعت الأدوار ، الفلول تستخدم أدواتها السابقة في الفساد والبلطجة ، وتستعين بأموال الشعب المنهوبة والتي أضيف إلى رصيدها أموال قادمة من الخارج لتنفيذ المخطط ، والرموز يتولون الشحن الجماهيري وتستخدم الإعلام في ذلك 00 ولتكن بداية تنفيذ المخطط إحياء ذكرى محمد محمود بالتعدي على الداخلية بهدف وقوع ضحايا ، ثم حرق مقار الإخوان ، ثم صدور أحكام من الدستورية ببطلان الإعلان الدستوري السابق والصادر في أغسطس للرئيس المنتخب ، والنتيجة هي الإطاحة برئيس منتخب وعودة النظام السابق متمثلا في أحمد شفيق الهارب ، أو إعادة المجلس العسكري فنبدأ من جديد فربما تأتي الصناديق بحمدين صباحي أو عمر موسى
رابعا : أن تحول كثير من منابر الإعلام لخدمة مصالح بعينها ، مستخدمة في ذلك كل وسائل الكذب والتضليل ، وبث الإشاعات طوال الوقت لخدمة مشروع بعينه ، وبهدف تسويق صورة غير حقيقية عن الواقع ، وبهدف تضليل الرأي العام وشحنه ضد شرعية الرئيس المنتخب ، وهذا الدور ليس بجديد منذ أن وصل التيار الإسلامي إلى مجلس الشعب
كل هذا يوصلنا إلى حقيقة صادمة وهي أن هناك من يسعى لتدمير الوطن وإحراقه ، وإن اختلفت الأهداف ، فالفلول يصفون حساباتهم مع الإخوان ، والرموز يسقطون الرئيس ، والجرم الذي ارتكبه الإخوان أنهم وصلوا إلى الحكم في أول انتخابات حقيقية
ورغم كل ذلك فالجميع يدعي أنه يحب الوطن ويحرص عليه ، فهل هذا حب أم نفاق قد يحرق الوطن ؟
دعونا نستدعي آيات كريمة من كتاب الله قد تقدم لنا إجابة وتذكرنا بأن مجتمع المدينة كان فيه النفاق يمثل خطرا داهما على الوطن قال تعالى :
" لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(62) الأحزاب
إذا استبعدنا صورة نفاق العقيدة لأنه عمل يتعلق بقضية الإيمان ؛ والإيمان محله القلب ولا يعلم ما في القلوب إلا الله ، إلا أنه يتبقى صورا أخرى من النفاق ومنها ما يمكن تسميته بالنفاق السياسي والذي قد يتسبب في حرق الأوطان ، ويتبقى مرضى القلوب ، ويتبقى المرجفون أصحاب الكذب والإشاعات
فعندما يدعي البعض حب الوطن ثم يقدم مصلحته الذاتية ، وعندما يكون الكذب وترويج الإشاعات إحدى وسائل الانتقام ثم يدعي صاحبها أو يتصور بأنه يخدم الوطن ، وعندما تمتلئ القلوب بالكره والحقد لإخوة الوطن لأنهم صاروا في أول الركب ، عندما يكون كل ذلك يصبح الضحية هو الوطن الجريح الذي كان يرجى أن يستعيد عافيته لينطلق ، ويكون شعار المرحلة (احرقوا الوطن 00 بددوا حلمه ).