معركةُ قاعدة الدُّوِيْلَة الجوية
عندما تَتَّحِدُ الإرادات
محمد عبد الرازق
يرى الخبراء العسكريون أنَّه بخسارة النظام لها إلى جانب خسارته لقاعدة ( جبل الشيخ بركات ) من قبل؛ يكون قد فقدَ التوجيه، و المتابعة لطيرانه الحربي في المنطقة الشمالية بأكملها، فلم يعُدْ بوسعه متابعته و توجيهه إلاَّ من خلال المطارات التي ينطلق منها.
إنها قاعدة (الدُّوِيْلَة للرادار، و الدفاع الجوي )، بقيادة العقيد يعرب إبراهيم الدروبي، و معاونه العقيد منذر.
ـ موقعها:
تقع شمال غرب سورية في محافظة إدلب، منطقة حارم، ناحية سلقين، على بعد ( 80 كم) عن حلب، و ( 45 كم ) عن إدلب، على جبل (الدُّوِيْلَة ) المطل على بلدتي ( كفرتخاريم، و أرمناز )، و بارتفاع يزيد على ( 900م ) عن سطح البحر، و بإطلالة فيها سيطرة مطلقة على سهل العَمْق في لواء إسكندرونة ( تركيا ).
ـ أهميتها:
تكمُنُ أهميتُها في أنَّها عينُه الأمامية التي يتابع من خلالها حركة الطيران، و يراقبها وصولاً حتى أوروبا، إنها خامس قاعدة ( رادار، و دفاع جوي ) في عموم سورية.
تتكوّن من كتيبتين:
الأولى: كتيبة للرادار، و تضمّ ثلاث سرايا، و فيها ما يقرب من ( 80 ) عنصرًا، و من ضمنهم ( 12 ) ضابطًا.
الثانية: كتيبة للدفاع الجوي، و تضمّ ثلاث سرايا، مع كل سرية ( 6 ) رشاشات ( م 23)، إضافة إلى سرية مشاة فيها ( 30 ) عنصرًا، و فصيلة دبابات بواقع ( 3 ) دبابات. العدد الكلي لهذه السرايا ( 280 ) عنصرًا، و من ضمنهم ( 6 ) ضباط.
ـ بدء التخطيط، و التنفيذ:
كانت الالتفاتة الأولى لهذه القاعدة، و ما تمثله من أهمية لكتائب النظام، و خطورة على المنطقة الشمالية برمتها من جهة الطيران الحربي، من قبل العقيد ( رياض الأسعد: القائد العام للجيش الحر )؛ فهو الذي أعطى مخططَها، و إحداثياتها، و طلب من كتائب الجيش الحر، و لاسيَّما المنضوية منها تحت أجنحة لواء ( درع الثورة: بقيادة العقيد مصطفى عبد الكريم ) في المنطقة الشمالية متابعة الأمر، و تنفيذه.
إنَّ ما يميِّزُ هذه المعركة أنها حصلت بمؤازرة، و تكاتف من عموم ألوية الجيش الحر، و الكتائب المستقلة في المنطقة؛ فقد اشترك في الحصار الذي ابتدأ يوم ( الاربعاء: 10 تشرين الثاني-12 )، و استمرّ حتى يوم ( الجمعة: 2 تشرين الثاني-12 ) كلٌّ من:
· لواء درع الثورة، بقيادة العقيد مصطفى عبد الكريم ( كللي )، و رئيس المجلس العسكري و الثوري في محافظة إدلب، شارك في وضع خطة الحصار، و الهجوم، و قام بزيارات متابعة لسير العمليات ثلاث مرات. و كان في العملية من قادة اللواء كلٌّ من:
1ـ العقيد الركن فضل الله الحجي( كفر يحمول ): نائب قائد اللواء، و رئيس الأركان، كانت متابعته يومية.
2ـ النقيب أيمن دعديس ( كفر دريان )، قائد كتيبة أحرار الجبل، مكلف بعملية الاقتحام.
3ـ النقيب عبد الملك دياب ( كفر يحمول )، قائد كتيبة أبي حفص، مكلف بعملية الاقتحام بشكل أساسي، فهو أول من اقتحم الكتيبة، و له فضل تفكيك الأفخاخ الموضوعة في الرشاش ( م 23 )، الذي كان مُعدًّا لإطلاق بشكل أتوماتيكي، و بزاوية ( 360 درجة ) فور استخدامه من الكتائب المهاجمة؛ بما يؤدِّي إلى إطلاق النار عليهم، و مقتلهم بشكل كامل. إلاَّ إنَّ الأمر قد تمَّ الانتباه إليه من قبله، و فضلاً على ذلك قام باستخدامه ضدّ عناصر الكتيبة المتحصنين؛ فكان ذلك مباغتًا لهم، و مفاجئًا.
4ـ الرائد معتز الآغا ( كفر يحمول )، قائد كتيبة ( أمين الأمة: أبي عبيدة بن الجراح )، و أوكلت له مهمة الإسناد الأساسية.
· لواء ذي قار، بقيادة العقيد الركن عبد الباسط طويل ( كفر عروق ).
· لواء درع هنانو، بقيادة النقيب شادي بركات( كفر تخاريم)، و الملازم أول قصي إبراهيم ( بيرة أرمناز) .
· لواء التوحيد.
· كتائب أحرار الشمال، بقيادة الملازم أول بلال خبير ( سرمين ).
· كتائب أحرار الشام، بقيادة محمد طلال: أبي عبد الرحمن ).
· كتيبة الطليعة الإسلامية.
· كتيبة أحفاد الفاروق.
· كتيبة أحفاد حمزة، صيادي الأُسود.
· كتيبة الإيمان.
· جبهة النُّصرة.
بدأت عملية الهجوم يوم الجمعة ( 2تشرين الثاني-12)، الساعة الرابعة عصرًا، و استمرت حتى الحادية عشرة ليلاً. لتقوم بعدها الألوية، و الكتائب المهاجمة بجمع الغنائم حتى الساعة الخامسة فجرًا.
و في اليوم التالي قام طيران الأسد بقصف الموقع بشراسة شديدة؛ من خلال إلقاء البراميل المتفجرة، و الصواريخ ( جو أرض )؛ من أجل حرمان القوات المهاجمة من الاستفادة من الأجهزة، و المعدات التي يصعب نقلها، كالرادارات، و المعدات الثقيلة ( مولدات الكهرباء، و قاذفات الدخان )، و العربات ، و السيارات العسكرية، و الدبابات.
و بذلك يكون النظام قد أتى عليها بشكل كامل، و أبادها بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يعود إليها ثانية، و هذه سياسة يتبعها مع كل موقع يُدحَرُ منه من قبل كتائب الجيش الحر، و الأخرى المستقلة.
هذا و قد حاول النظام بذل أقصى ما يستطيع لفك الحصار المضروب عليها؛ فاستخدم القنابل العنقودية ( المحرَّمة دوليًّا ).
غير أن ذلك كله قد باء بالفشل؛ حتى إنه قد اضطر لإلقاء الأطعمة، و الذخائر لهم عن طريق المروحيات، و على علوٍّ شاهق؛ فكانت تسقط في كثير من الأحيان فوق المناطق المجاورة، كما حصل ذات مرة عندما وقعت ( 150 ربطة خبز )، و ( عشرة ألاف طلقة روسية: بقي منها صالحًا 800 طلقة فقط بسبب الارتطام بالصخور) فوق كفر تخاريم.
ـ الغنائم:
لقد كانت جملة الغنائم على النحو الآتي:
ـ صواريخ سام 7 عدد 6.
ـ رشاش م 23، مضاد طائرات، عدد 18.
ـ رشاش 7،12 ( دوشكا )، متعدد الاستعمال، عدد 3.
ـ رشاش ( بي كي تي )، مضاد أفراد، عدد 6.
ـ دبابات صالحة للاستخدام، مع قذائفها، عدد 3.
ـ خمسون ألف طلقة، مدفع م 23.
ـ قواذف ( آر بي جي ) مع حشواتها.
ـ قنابل يدوية متنوعة ( هجومية، و دفاعية ).
ـ ذخائر كلاشينكوف قليلة قياسًا بما هو مسجَّل في كشوف الاستلام التي عثر عليها في سجلات الكتيبة؛ ممَّا يشير إلى قيام الضباط، و العناصر ببيعها و التربح منها.
ـ أقنعة واقية من الغازات السامة.
ـ كلاشينكوف، عدد 187.
ـ عدد من سيارات الزيل.
ـ خسائر النظام البشرية:
أمَّا الخسائر التي لحقت بعناصر النظام فكانت على النحو الآتي:
ـ (31) قتيل، و فيهم نائب قائد الكتيبة ( العقيد منذر ).
ـ (19) أسير: (13) أسير في أثناء الاقتحام، و 6 تمَّ إلقاء القبض عليهم في اليوم التالي قرب الحدود التركية بعدما تمكنوا من الهرب ليلاً ).
هذا في حين تمكن الآخرون باللوذ بالفرار، و فيهم العقيد ( يعرب : قائد الكتيبة )، و ذلك باتجاه الحدود التركية، فمنهم من دخل إلى تركيا، و منهم من تسلل عبر الصخور إلى المناطق المجاورة و تمكن من الهرب خلسة بعد خلع ملابسهم العسكرية.
ـ ضحايا ألوية الجيش الحر، و الكتائب المستقلة:
لقد كانت جملة الضحايا التي لحقت بهذه القوات المهاجمة على النحو الآتي:
ـ (6 ) شهداء، في أثناء مرحلة الحصار . منهم: صلاح الدين أيوب ( كفر تخاريم ) تمَّ استهدافه برشقات من رشاش إحدى المروحيات. و محمد رأفت بن محمد فايز قوصوة ( لواء التوحيد: كتيبة سعد بن أبي وقاص ) تمَّ استهدافه بقذيفة دبابة.
ـ ( 7 ) جرحى في أثناء عملية الهجوم. ( زارهم قائد لواء درع الثورة برفقة عدد من أركان قيادة اللواء و قدموا الهدايا، و المساعدات العينية، و تمنوا لهم الشفاء).
إنّ هذه المعركة ستبقى شاهدة على بطولات كوكبة من أبناء هذه الثورة المباركة، من ريف إدلب ( الشمالي، و الغربي )، من ألوية الجيش الحر، و الكتائب المستقلة المتكاتفة معها. لقد تحقق لهم النصر بفضل من الله عزَّ و جلَّ أوَّلاً، ثمّ بفضل التخطيط المتقن لقيادة الجيش الحر ممثلة بالعقيد ( رياض الأسعد )، صاحب الفكرة في استهداف هذه القاعدة، ثمّ بصبر القيادات الميدانية التي جاء ذكرها من قبل، حين المحاصرة التي استمرت لأكثر من عشرين يومًا إلى حين الهجوم عليها.
إنَّ ما تحقق في هذه المعركة لهو خير دليل على فعل الإرادات حينما تَتَّحِدُ، و تتكاتف جنبًا إلى جنب في معارك الخلاص من الخوف، و الاستعباد اللذين رزح تحت وطأتهما الشعب السوري على مدى ثلاث و أربعين سنة، مضت إلى غير رجعة بمشيئة من الله تعالى.