عباس بن فرناس والسياسة
كاظم عايش
يروى أن عباس بن فرناس الاندلسي النشأة والمولد كان أول عربي فكر بموضوع الطيران , وأنه حاول أن يحاكي الطيور في ذلك , فصنع لنفسه ثوبا من الريش, وصعد الى شاهق وألقى بنفسه منه , ولكنه لم ينجح في تجربته تلك , وسقط ودقت عنقه , وفي تقييم لتجربته من قبل بعض الخبثاء , قالوا أنه نسي أن يضع لنفسه ذنبا ليستطيع بواسطته التحكم بمساره , ولهذا فشلت التجربة , وهذه هي إحدى روايات تجاربنا العبقرية , لا أدري مدى دقة الرواية والنقل , ولأن التجربة كانت فاشلة , فعادة الناس أنهم لا يقفون عند الفشل , وإنما يمرون عليه مسرعين .
تذكرت تجربة بن فرناس هذه , وأنا أراقب أداء عباس الفلسطيني وهو يحاول الطيران الى الامم المتحدة ليحصل على عضوية مراقب لدولته التي لا استطيع تحديد مكانها ولا حدودها ولا صلاحياتها , ولا أعرف مصيرشعبها بعد الاعتراف , سواء كانوا في اراضي 48 أو في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الشتات الفلسطيني الذي أمتد على مساحة العالم .
نسي عباس وهو في حمى الاندفاع الى الامم المتحدة أنه لا يملك من أوراق القضية شيئا يذكر , فمنظمة التحرير التي يرأسها هي عبارة عن أشلاء منظمة , والمجلس الوطني هو حالة غامضة لا يعترف بها أحد من اصحاب الديمقراطيات الحقيقية , والسلطة التي يمثلها رهينة الاعداء يتصرفون بها كيف يشاءون , وحركة فتح تنافس نفسها الآن في الضفة الغربية للحصول على مكاسب وفتات اوسلو , وهي مجمدة في غزة ومهددة بقطع رواتب أعضاءها الذين يقبضون ولا يعملون , وهي في الخارج مجموعة دكاكين تعيش على أمجاد لم يبق منها إلا كباقي الوشم في ظاهر اليد, وعباس بالرغم من كل هذا الهوان يصر على الطيران الى الامم المتحدة , ولكنه بدل أن يحتاط لنفسه بمواقف قوية ومعقولة , ذهب الى أبعد ما يمكن أن يخطر على البال فتنازل عن حق العودة , وأول ما تنازل عنه هو صفد المدينة التي ينتمي اليها , حتى يكون قدوة للآخرين في التنازل عن بلده وحقه , وبعد أن فعل ذلك بجرأة يحسد عليها , ظل مصرا على الطيران الى الامم المتحدة لينال شرف عضوية مراقب لدولته العتيدة غير محددة الملامح , ويقال والعهدة على الراوي أنه قد يتنازل عن هذا المطلب ,إذا سمح له باستئناف المفاوضات مع الصهاينة , فالمفاوضات أيضا لها مكانتها العظيمة في مشروع عباس لتحرير فلسطين , وخاصة أن كبار المفاوضين يشكون البطالة ,و لا يجدون لأنفسهم مكانا في المولد بعد توقفها فترة طويلة من الزمن , حتى أن بعضهم قد تم نسيانه تماما بسبب ذلك الغياب الطويل .
إذن المرحلة التي ينتظرها الشعب الفلسطيني الآن هي مرحلة الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الامم المتحدة , ويقال أن هذا الاعتراف سيحل الكثير من الاشكالات , فبعد الاعتراف مباشرة سيتم الحديث عن هذه الدولة وتحديد معالمها وحدودها من خلال المفاوضات , وإن كان الصهاينة كما سمعت ينوون معاقبة عباس على هذا الفعل الذي لم يسمحوا له به , وسيكون العقاب , حجب الاموال , وسحب بطاقات VIP واعادة احتلال بعض المناطق , وزيادة الاستيطان والتهويد لمدينة القدس , وخلق وقائع جديدة على الارض يحتاج عباس بعدها لقرن من المفاوضات ليعيد الامور الى ما قبل الطيران الى الامم المتحدة .
عباس نسي ان يصنع لنفسه ذنبا يحميه من السقوط إذا حاول الطيران , ولذلك فهو يقدم على الانتحار مع سبق الاصرار والترصد , ولذلك فعلى العقلاء أن يمنعوه ويأخذوا على يده قبل أن تتحول قصة عباس الى فكاهة تراثية فلسطينية تتناقلها الاجيال على سبيل التندر فيقولون ( إن رئيسا للفلسطينيين حاول يوما أن يطير الى مكان بعيد يطلب دوله وهمية من العالم وكان نسي أن يصنع لنفسه ذنبا , فعاد كممعوط الذنب لم يصنع شيئا ), وطار الطير الله يمسيكم بالخير .