مرة أخرى.. الائتلاف.. وما يمكن عمله..

عقاب يحيى

أكوام من المهام المتشعبة تربض على صدر الإئتلاف .. بعضها قديمة المنشأ منذ تأسيسه، تلك التي تخصّ المأسسة، والتفعيل، والتوزيع العادل للمهام، والارتباط بالأرض والناس والثورة، وبرمجة العمل وفق رؤية سياسية مشتقّة من برنامج سياسي للمرحلة، والقادم...

ومنها ما تراكم عبر سيرورته التي شابها الكثير من التكتلات والتداخلات والغرق في الجزئيات، والمواقع، وكسب الصوات، والتناحر الذي لا يقوم على أسس سياسية واضحة، فتظهر جلية العوامل الذاتية، والتكويش والاستحواز والانفراد.. او الاستجابة لتدخلات إقليمية ودولية ... تضرب وحدة التوافق فيه، وتزرع الكراهبة، والضغينة.. وتفتح الأبواب لحروب عبثية.. تُنسي الكثيرين عدوهم الأول، وهمّهم الرئيس، ومبرر انتمائهم، أو التحاقهم بالثورة..

ـ عبر تجاربنا الطويلة.. كثيراً ما استنزفت الصراعات البينية الناس، والوقت، والنتائج، وحوّلت الخلافات الثانوية إلى رئيسة.. حين تقيم طبقات كثيفة من الاستعداء، وحين تركّز جلّ الاهتمام على خوضها، والتكتيك لمكسب فيها.. حتى إذا ما فاز أحدهم راح يختال بهورة، وعنجهية وكأنه حقق أهداف الثورة، أو قدّم خدمة مهمة لها.. او فعل شيئاً إيجابياً..

ـ لقد علّمتنا سنوات الاستنزاف، والانشقاقات، والحروب الدونكيشوتية.. أنها عبثية، وهباء، وانها نهش في لحمنا الحي، بغض النظر عن الناهش والمنهوش، وعن تلك الزوادات المحمولة على عوامل الاختلاف.. أو ذخائر الإطلاق، وأنها، وايّاً تكون درجتها في لحظة ما، سيطويها الزمن، ويثبت كم كانت جانبية، وهزيلة، وكم أنفق أصحابها من جهود عقيمة خسروا فيها ذاتياً، وألحقوا الضرر في الأهداف التي يرفعونها، وفي سمعتهم، وحواضنهم..

****

اليوم.. الإئتلاف بوضع مقلقل لا يُحسد عليه.. وإذا كان يمكن موضوعياً، وبتجرّد تسجيل عشرات الأسباب الخارجة عن إرادته، والمتولدة عن فعل قصدي ونتائجي لمستويات التدخل الخارجي من جهة، وتنصّل، وتملّص معظم "أصدقاء الشعب السوري" (ويجب وضع العنوان ضمن هلالين وأكثر) من وعودهم، وتخاذل، ورخاوة مواقف الجهات الفاعلة فيهم، خاصة لجهة الموقف الحازم من قصة الدعم، والحظر الجوي، والمناطق الآمنة، والموقف من النظام ورأسه، والحلول السياسية الحقيقية التي تجسّد ما قرروه في جنيف 1 وتوابعه.. وقصة محاربة الإرهاب وموقعها وتأثيرها، والملف الإيراني ومضمون المقايضة فيه..إلخ ......

فإن كل ذلك وغيره لا يشفع مطلقاً لأفعالنا الذاتية التي كان لها الدور الأساس في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، وفي تقديم المبررات، والأعذار للآخرين كي يتملصوا، أو يهربوا من واجباتهم تجاه الشعب السوري والثورة.. لأننا مارسنا، بوعي أو بدونه، بشكل مباشر ومن حيث النتيجة، سلسلة من التصرفات التي تنخر المشتركات، وأسس الإئتلاف، والعمل الجماعي، التوافقي.. ويمكن أن نعدد الكثير الكثير منها.. والتي تتجاوز التصرفات العفوية إلى ما يمكن اعتباره نهجاً قلقاً، واستئثارياً، وتملكياً، وبعيداً عن روح الثورة ومقتضياتها... في وقت يرفع فيه كل شخص، او مجموعة، أو كتلة شعارات ومقولات وحكايا عن الإصلاح، والعمل الجماعي، وخدمة الثورة، ويحمّل الآخرين مسؤولية الموبقات وكأنه براء، وكأنه لم يقم بتلك الأعمال الموصوفة..

ـ والحكومة التي توافق أغلب الحضور على تشكيلها(كنت كممثل للكتلة الوطنية الديمقراطية السورية معترضاً على الفكرة أصلاً، لذلك رفضنا التصويت على وجودها) كي تكون المرآة، والتجسيد، والأداة الفاعلة للثورة، والإئتلاف، والجسر القوي بين السياسة والشعب، والأهل في الداخل.. والتي ابرزت الأيام والتطورات ضرورة وجودها، ودعمها... خضعت وبشكل كثيف لشتى أنواع الضغوط والتدخلات والمحاصصات وحشوها بالموظفين المحسوبين على هذه الجهة أو تلك، وحماية هؤلاء.. دون أخذ بالاعتبار لمؤهلاتهم، أو قدراتهم، بل وحتى مسلكهم.. بما حوّل الحكومة لعبء آخر يستلزم التصدي له الكثير من الجرأة، والتجرّد من كل تلك المحاصصات، والتبعيات..والقيام بعملية تقويم شامل لعملها، وجهازها التنفيذي لقطع دابر تلك الأجواء السلبية التي تتغذى ببعض الوقائع، وبالكثير من الفبركة، والاستهداف، والتضخيم ..

****

حين نهض التجمع الوطني السوري ككتلة داخل الإئتلاف، وقررت الانضمام إليه بعد أكثر من عامين من الابتعاد عن جميع التكتلات التي قامت، وانتشرت بطريقة ملفتة.. كان العامل الرئيس في كل ذلك بلورة مشروع وطني متكامل ينطلق من إصلاح الإئتلاف عبر تعزيز الروح الجماعية ـ التوافقية فيه، وصياغة برنامج سياسي يليق بالتجربة، والثورة، ومنه إلى الحكومة والجيش الحر وبقية قوى الثورة بمختلف تموقعاتها، وفتح حوارات جادة مع القوى السياسية المعارضة باتجاه المشتركات، والتحضير لمؤتمر وطني جامع يضمّ مختلف مكونات المعارضة والحراك المسلح والثوري والمدني.. للتفاهم على خريطة طريق، وعلى أسس بناء ميزان قوى جدّي قادر على انتزاع حقوق الشعب .

والتجمع كما يفهمه المعنيين به يرفض الاستئثار، والمَحورة، ويعمل على الانفتاح الجاد مع مختلف مكوّنات الإئتلاف وصولاً إلى تفاهمات سياسية وبرنامجية بعيدة عن مفهوم المحاصصة، واحتلال المواقع وتقاسمها.. لذلك يحاول ضمن اقصى ممكناته التقدّم بمشروعه الإصلاحي العام، وفتح حوارات مع الجميع.. منطلقاً للأوسع والأشمل، وبأمل أن نرتقي جميعاً فوق الحسابات الذاتية، والكتلية، وأن يكون الاجتماع القادم للإئتلاف محطة جديدة في مسيرة الإصلاح والتغيير ..وبتعاون جميع المؤمنين بدوره، وبأهمية معالجة أوضاعه، وبأنه لا يمكن أن يكون ممثلاً للشعب السوري ـ حقيقة وواقعا ـ إلا عندما يثبت بالملوس، وفي علاقاته بالآخرين من القوى السياسية والحراك الثوري بأنه الخيمة التي تتسع للجميع، والأداة المؤهلة للقيام بدور حيوي في توحيد قوى المعارضة، وتوفير مستلزمات مؤتمر وطني جامع، وبلورة حيثيا حل سياسي قابل للحياة، ويؤمن الانتقال إلى وضع ديمقراطي ينهي نظام الاستبداد والفئوية، ويفتح الأبواب للتغيير الشامل..